العرب وأوروبا والصين.. ترامب “يحلب” الجميع

العرب وأوروبا والصين.. ترامب “يحلب” الجميع


نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إرغام حلفائه الأوروبيين على زيادة حصص إنفاقهم العسكري في حلف شمال الأطلسي لتصل إلى 2% من الناتج المحلي لكل دولة، وهو ما سيعود على الحلف بنحو 41 مليار دولار.

والواقع أن هذه النسبة (2%) تمثل جزءا من اتفاق تم التوصل إليه عام 2014، نص على أن تخصص الدول الأعضاء في الحلف 2% من إجمالي ناتجها الداخلي لنفقات الدفاع في الحلف بحلول عام 2024.

ولكن معظم الدول الأوروبية ظلت تماطل في بلوغ تلك النسبة، وبعضها بالكاد وصل إلى نسبة 1.5%، ولكن ضغوط ترامب وتهديداته العلنية والسرية أرغمت الأوروبيين أخيرا على النزول عند رغباته، حيث أعلنت الدول الأعضاء الـ29 في الناتو التزامها بزيادة الإنفاق الدفاعي.

العصا والجزرة
من مفارقات سياسات ترامب استخدامه العصا ذاتها في التعاطي مع حلفائه التقليديين بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية، سواء في أوروبا أو الخليج أو آسيا، وهي عصا التهديد والوعيد، بينما يبدو رحيما ودودا ميالا إلى التجاوز والتصالح مع أعداء أميركا التقليديين (روسيا وكوريا الشمالية).

ودأب منذ انتخابه على التعريض بحلفائه الغربيين وشق عليهم عصا التفاهم في قمة السبع الشهر الماضي في كندا، واستبق قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل بإطلاق سلسلة تهديدات تجاه حلفائه في أوروبا.

ثم أبلغهم في اجتماع مغلق أن “عليهم أن يزيدوا الإنفاق بحلول يناير/كانون الثاني 2019 وإلا فستمضي الولايات المتحدة بمفردها”، وخرج عن طوقه وغادر الأعراف الدبلوماسية في أحد اجتماعات الحلف حين خاطب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل باسمها الأول، وقال لها “أنجيلا، يتعين عليك اتخاذ موقف في هذا الشأن”.

حدة ترامب ووعيده أثمرت في النهاية إذعانا من الأوروبيين؛ فقد وافقوا أخيرا على رفع نسبة إنفاقهم العسكري إلى 2%.

وحتى بعد أن تحقق له ما أراد واصل هجومه ورفع سقف طموحه، وطالب بمضاعفة هذه النسبة إلى 4%، كما أمهل تلك الدول لتحقق هذا المستوى من الإنفاق بحلول العام المقبل.

وبينما ابتلع قادة أوروبا الصدمة، لم يتسن ذلك لبعض مسؤوليها؛ وهو ما عكسته تصريحات وزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل لوسائل إعلام ألمانية تعليقا على انتقادات ترامب لألمانيا: “لا يمكننا تحمل هذا.. لا يمكن أن يكون لدينا أي أوهام. لا يعرف دونالد ترامب سوى القوة؛ لذلك علينا أن نظهر له أننا أقوياء أيضا”.

ليس العرب وحدهم
ساد الاعتقاد في السنة الأولى من حكم ترامب -الذي رفع شعار “أميركا أولا”- أن ضغوطه على العرب تستهدف الحصول على ما أمكن من أموالهم وثرواتهم ودعمهم لإسرائيل، بينما تستهدف ضغوطه على حلفائه الأوروبيين تحقيق تنازلات أخرى في السياسة الخارجية وملفات التجارة الدولية.

فقد خص المملكة العربية السعودية بأول رحلة خارجية له، تبين لاحقا أنها كانت الرحلة الأغلى في التاريخ، حيث جنى أكثر من أربعمئة مليار دولار من زيارته للرياض، وقال في مؤتمر صحفي هناك إنه يريدها لخلق فرص عمل للأميركيين.

وبينما بدأت مليارات السعودية تسكب في خزائن ترامب؛ قال الأخير في لقاء له مع ولي العهد السعودي خلال زيارته البيت الأبيض (مارس/آذار الماضي) إن “السعودية دولة ثرية جدا وستمنح بلادنا بعضا من هذه الثروة كما نأمل في شكل وظائف وصفقات معدات عسكرية”.

ولم يكتف ترامب بذلك، بل واصل “حلب” السعودية وابتزاز دول المنطقة حين قال في أبريل/نيسان الماضي إن بعض الدول في الشرق الأوسط “لن تصمد أسبوعا دون الحماية الأميركية”، وإن بلاده أنفقت سبعة تريليونات دولار خلال 18 عاما في الشرق الأوسط “وعلى الدول الثرية دفع مقابل ذلك”.

وتظهر وقائع قمة الأطلسي أن ترامب بدأ يولي وجهه شطر حلفائه الغربيين لابتزازهم ماليا وإخضاعهم لسياسة “الحلب” التي انتهجها إزاء حلفائه العرب؛ بيد أن ما لا يدركه ترامب -وفق تعبير خافيير سولانا الممثل السامي السابق للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن، الأمين العام السابق لمنظمة حلف شمال الأطلسي- “أن مثل هذه الزيادة في الإنفاق لن تذهب إلى ميزانية حلف الناتو أو لدفع أموال لأميركا من أجل حمايتها، وإنما لتعزيز القدرات الدفاعية لكل بلد”.

ويضيف سولانا في مقال له تحت عنوان ” انهيار الغرب”: من الواضح أن ترامب يشعر بارتياح أكبر في التفاعل مع الدول الأخرى بشكل ثنائي. ليس من المستغرب إذن أن الاتحاد الأوروبي -معقل التعددية- لا يحظى بإعجابه. لكن أوروبا وأميركا كانتا دوما أكثر نجاحا عندما دعمتا بعضهما بعضا وعملتا في إطار مؤسسي قائم على معايير مشتركة. إن تفضيل ترامب لإستراتيجية “فرق تسد” سيكون سببا في خسارة الغرب والعالم بشكل عام.

ولم يكن الأوروبيون والعرب وحدهم من تضرر من إستراتيجية “الحلب” التي باتت من ثوابت سياسة ترامب في علاقاته الخارجية وتعاطيه مع الدول، فقد أطلق حربا تجارية مع الصين -أكبر مورّد للولايات المتحدة- وفرض عليها رسوما بنحو خمسين مليار دولار، وهدد برفع هذه النسبة إلى مئتي مليار دولار، واتخذت الصين إجراءات مماثلة.

كما ظل يطالب المكسيك بدفع تكاليف جدار حدودي يعتزم بناءه على حدود البلدين بحوالي عشرين مليار دولار.

وبالتوازي مع توتير العلاقة مع حلفائه وابتزازهم ماليا، أخرج ترامب الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية من خمس هيئات أممية واتفاقات دولية كبرى، هي: اتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق النووي مع إيران، واليونسكو، ووكالة الأونروا، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وكان موقف بعض هذه المؤسسات وإدانتها المستمرة لممارسات الاحتلال هو ما دفع ترامب لمغادرتها.

يرفع ترامب شعار “أميركا أولا”، ولكنه أيضا يطبق سياسة “إسرائيل أولا”، فيخدمها بإخلاص ويقدم لها القرابين المتنوعة، ويأتي إليها بالعرب طائعين أو كارهين يعزفون لحن السلام على أنغام صفقة القرن.

المصدر : الجزيرة + وكالات