الموافقة على وجود قوات النظام في جنوب سوريا لن تؤدي إلا إلى تعزيز أهداف إيران

الموافقة على وجود قوات النظام في جنوب سوريا لن تؤدي إلا إلى تعزيز أهداف إيران

عندما يرسل «حزب الله» فرقة “الرضوان” – النخبة التابعة له – إلى جبهة قتال في سوريا، عادة ما يعني ذلك أنه من المنتظر وقوع قتال عنيف، وأن قوات هذه الوحدة ستشارك [في العمليات العسكرية] بشكل مكثف. وقد شوهد هذا الأسلوب طوال فترة تدخُّل «حزب الله» في الحرب، من القصير إلى حلب إلى دير الزور. وتم أيضاً نشر مقاتلي “الرضوان” بشكل مؤقت في معركة درعا عام 2017قبل أن يعمل اتفاق الحد من التصعيد على إيقاف ذلك الهجوم. أمّا اليوم، فهم يعودون إلى درعا.

ووفقاً لبعض المصادر الميدانية، تقوم إيران منذ نيسان/أبريل بإعادة نشر ميليشياتها الشيعية الوكيلة في جنوب سوريا، وخاصة في السويداء ودرعا والقنيطرة. وسابقاً، كانت إسرائيل والأردن قد أصدرتا تحذيرات ضد وجود قوات حليفة إيرانية بالقرب من حدودهما، ولكن بدلاً من انسحاب هذه القوات، عمد العديد من مقاتليها إلى الاندماج مع قوات نظام الأسد. كما دُمجت وحدات «حزب الله» مع “الفرقة الرابعة” من الجيش السوري و”الحرس الجمهوري”، في حين تم رصد مقاتلين من ميليشيات مثل “لواء الفاطميون” داخل “قوات النمر” تحت قيادة العميد السوري سهيل الحسن، وهم يرتدون حتى زيهم وشاراتهم.

وسواء كانوا يختبئون داخل وحدات النظام أو ينتشرون بشكل منفصل، يبدو أن وكلاء إيران وشركاءها متورطون بشدة في الهجوم الأخير على درعا. كما ينتشرون أيضاً حول منطقة دير العدس في القنيطرة، التي تقع على بعد ما يقرب من 15 كيلومتراً من هضبة الجولان. على سبيل المثال، قامت عناصر “لواء القدس” – الميليشيا الفلسطينية الموالية للأسد  التي تحارب إلى جانب القوات الخاضعة لإيران منذ عام 2013، بالتبجح بتواجدها الواسع النطاق قرب القنيطرة في أيار/مايو. وقد تكون الفصائل السورية لـ «حزب الله» مثل “لواء الإمام المهدي”- الخاضعة إلى حد كبير لمنظمتها الأم اللبنانية – ناشطة في المنطقة أيضاً بسبب دورها القتالي هناك في عام 2016. وحتى الجماعات الدرزية المدربة على يد «حزب الله» قد تكون مشاركة في حملة الجنوب، مما يزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى التخلص من النفوذ الإيراني.

وفي غضون ذلك، كان المسؤولون الروس مشغولين في اجتماعاتهم مع السلطات الأردنية والإسرائيلية، حيث عرضوا صفقات وقطعوا وعوداً بشأن انسحاب إيران. ومن المتوقع أن يركز الرئيسين فلاديمير بوتين و ترامب على القضية نفسها خلال اجتماع القمة المقرر عقده بينهما في منتصف تموز/يوليو في باريس.

ومع تطور المعركة على درعا، يجب مراقبة قضيتين عن كثب. أولاً، هل تستطيع روسيا فعلياً ضمان رحيل القوات الإيرانية ووكلائها من جنوب سوريا، وهي إحدى أكثر المناطق أهمية من الناحية الاستراتيجية في سوريا كلها؟ ثانياً، على افتراض تمكُّن بشار الأسد من طرد المعارضة السورية من درعا، فهل تستطيع قواته منع وكلاء إيران من التسلل والسيطرة على الحدود؟

ما هو مخفي في عمليات التمويه

قد يكون من الصعب تحديد ما إذا كانت القوات الإيرانية الوكيلة تستبدل زيها للاندماج مع قوات الأسد، أو كيف تقوم بذلك، بسبب تنوع الزي الرسمي المستخدم في سوريا، ناهيك عن العديد من الأساليب المختلفة التي تتعاون بها الجماعات مع بعضها البعض. فقبل الحرب بوقت طويل، كان الجيش السوري يرتدي زياً شبيهاً جداً بالملابس المدنية الأساسية، وحتى الوحدات داخل الفرقة نفسها كانت ترتدي أحياناً زياً لا يتطابق. وبحلول عام 2011، أدى الاتجاه المتنامي للميليشيات بين القوات الموالية للأسد إلى قيام العديد من المقاتلين السوريين بارتداء الزي العسكري مع الأحذية الرياضية، وبنطلونات الجينز، والقمصان، على نحو منتظم.

ومنذ أن دخل «حزب الله» الحرب في عام 2012، تم تصوير مقاتليه بزي مختلط بشكل متكرر وعلى نحو منتظم، مما جعل من الصعب تمييزهم عن الوحدات السورية. وبدءاً من عام 2013، شوهد بعض مقاتلي «حزب الله» يرتدون زي تمويه رقمي حديث يصلح للغابات والصحاري، لكن معظمهم استخدم أنماطاً أخرى حتى وقت قريب.

بالإضافة إلى ذلك، عندما حاولت الجماعة تسويق صورتها، شدّدت على عرض رقع قماشية متخصصة، رغم أن مقاتليها تجنبوا ارتداءها في مناسبات عديدة. وبحلول منتصف عام 2013، كانت بعض القوى الميدانية ترتدي أيضاً شرائط ملونة مختلفة للدلالة على أصلها، وفقاً لأشرطة الفيديو المنشورة على الإنترنت وتعليقات المقاتلين الشيعة العراقيين السابقين الذين انتشروا إلى جانب «حزب الله». ومع ذلك، كان بعض المقاتلين الشيعة العراقيين وأعضاء «حزب الله» يرتدون بانتظام أشرطة باللون نفسه الذي يرتديه نظراؤهم في الجيش السوري.

وفي حالات أخرى، شوهد مقاتلون عراقيون فضلاً عن قوات «حزب الله» وهم يرتدون زي من التمويه يشبه نمط الغابات “M81” الذي كانت تعتمده الولايات المتحدة في حقبة الثمانينيات، وهو طراز تبناه أيضاً “الحرس الجمهوري” وبعض وحدات الجيش السوري. ويشمل ذلك “لواء الإمام الحسين”، وهي ميليشيا مقرها دمشق وتتبع [عسكرياً] لـ “الفرقة الرابعة” للجيش السوري، وتنتشر الآن في منطقة القنيطرة على نطاق واسع.

وبحلول عام 2016، أصبح التمويه الرقمي إضافة أكثر اعتيادية إلى معدات «حزب الله»، حيث روّجت الجماعة بشدة لهذا النمط على وسائل التواصل الاجتماعي لتتفاخر بزيها وترتيباتها الحديثة. ومع ذلك، لا يزال العديد من المقاتلين يرتدون الزي المختلط.

وقد شوهدت أيضاً ميليشيا شيعية أخرى، هي “لواء أبو الفضل العباس” ومركزها دمشق، ترتدي الزي نفسه الذي يعتمده «حزب الله»، بما فيه التمويه الرقمي الحديث. وفي السابق، كان أعضاء الجماعة يتعاونون مع علي جمال الجشّي (المعروف أيضاً باسم حمزة إبراهيم حيدر)، وهو قائد سابق في «حزب الله» قُتل [في اشتباكات مع «الجيش السوري الحر» في سوريا]، كان يتم تصويره بشكل منتظم مرتدياً الزي الرسمي والشارة نفسها التي كان يرتديها ضباط “الحرس الجمهوري” السوري (ومنذ ذلك الحين أزيلت هذه الصور من المصادر المتاحة لمواقع التواصل الاجتماعي). أما ميليشيا “لواء أبو الفضل العباس” فقد وصفت نفسها هي الأخرى كوحدة فرعية من “الحرس الجمهوري”.

وقد لوحظ تحول مماثل في الزي بين المقاتلين الشيعة العراقيين الذين ينتمون إلى مجموعة “لواء أسد الله الغالب”. وفي أوائل عام 2016، شوهدوا وهم ينتشرون إلى الشمال من قواعدهم في دمشق ويرتدون الرقع القماشية والملابس من الميليشيا السورية “لواء صقور الصحراء”. وفعل العديد من مقاتلي “لواء أبو الفضل العباس” الشئ نفسه عند قتالهم في الشمال.

سجل حافل بعدم الوفاء بالوعود

علاوة على صعوبة التمييز بين الوكلاء الإيرانيين وبين قوات النظام السوري، فإن عدم تمكن روسيا عموماً أو عدم استعدادها للوفاء بوعودها في سوريا يبرر الشكوك حول ضماناتها الأمنية الأخيرة في الجنوب. على سبيل المثال، عندما استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في عام 2013 وكانت الولايات المتحدة تستعد لشن ضربات عسكرية انتقامية، ساعد بوتين على إقناع واشنطن بالامتناع عن ذلك من خلال ضمان قيام النظام بتسليم ترسانته الكيميائية. لكن الأسد احتفظ ببعض من تلك الترسانة، واستخدمها مراراً وتكراراً ضد المدنيين منذ ذلك الحين.

والأكثر من ذلك هو أنه في وقت سابق من هذا الشهر جوبهت القوات الروسية بالرفض عندما رافقت “الفرقة الحادية عشر” للجيش السوري لإخراج قوات «حزب الله» من مواقعها في بلدة القصير الحدودية. فقد كانت الخطة – التي لم تُنسّق مع إيران أو “حزب الله”- هي الاستيلاء على معبر جوسيه الحدودي مع لبنان، ثم الاقتراب من منطقة القلمون السورية. لكن قوات «حزب الله» رفضت ترك مواقعها. وبدلاً من ذلك، استدار الجنود الروس والسوريون وغادروا بعد حوالي أقل من أربع وعشرين ساعة من وصولهم، وسرعان ما عزز «حزب الله» وجوده في القصير. وتُظهر هذه الحادثة الصغيرة – التي ربما كانت محاولة روسية لاختبار رد فعل إيران – أن موسكو قد لا تكون قادرة على زحزحة وكلاء إيران بعد ترسخهم في جنوب سوريا (أو على الأقل، غير راغبة في ممارسة ضغوط عسكرية كافية لإجبارهم على ذلك).

وجود النظام يعني سيطرة إيران

في الوقت الراهن، يبدو أن إسرائيل والأردن على استعداد للسماح بوجود الجيش السوري في الجنوب. وعلى الرغم من أنه ليس سراً أن وكلاء إيران يندمجون مع قوات النظام، إلاّ أنه لا يبدو أن ذلك يزعج البلدين المجاورين طالما أن جميع هؤلاء الوكلاء يفصلون أنفسهم عن الجيش وينسحبون بعد هجوم درعا.

ومع ذلك، لا يبدو أن الضامنين المفترضين لهذا الانسحاب قادرين على ضمانه فعلاً. فقد أظهرت روسيا أنها لا تستطيع إبعاد وكلاء إيران المتواجدين على ساحات القتال. وحتى لو انسحب كل من «حزب الله» والميليشيات الأخرى على بُعد بضعة كيلومترات من الحدود، فإن ذلك لن يبدد المخاوف الأوسع بشأن خطة إيران الاستراتيجية البعيدة المدى في سوريا. فقد انسحبت القوات الإيرانية وأعيد نشرها عدة مرات في أماكن كثيرة في سوريا، كما وأنّ أي تحرك تقوم به إيران لاسترضاء روسيا سيكون مؤقتاً دون شك.

أما بالنسبة إلى الفكرة القائلة بأن الأسد سيعمل على إخراج إيران بعد تحقيقه النصر، فإن عودة قواته إلى الجنوب تعني العكس من ذلك تماماً. ففي خطوة هامة نحو تحقيق أهداف طهران الطويلة المدى، سيكون وجود القوات السورية بمثابة نقطة وصل لقوات «حزب الله» وميليشيات أخرى لتعيد انتشارها بطمأنينة في الجنوب في أي وقت يحلو لها، من دون الاضطرار للتعامل مع جيوب المعارضة.

وبالتالي، لتجنب التصعيد في جنوب سوريا، ينبغي عدم السماح لقوات الأسد بإعادة احتلال المنطقة بعد معركة درعا، ولا ينبغي الوثوق بالقوات الروسية للعمل كضامن للانسحاب الإيراني. والطريقة الوحيدة المضمونة لإبقاء إيران خارج المناطق الجنوبية وبعيدة عن الجولان والأردن ستكون من خلال إقامة منطقة فاصلة خاضعة لطرف ثالث على طول الحدود الجنوبية لسوريا. وبالطبع سيشكّل وضع معالم هذه القوة تحدياً كبيراً، نظراً لأن إدارة ترامب تعارض بقاء القوات الأمريكية في سوريا، وبسبب فشل بعثات حفظ السلام الدولية السابقة التي كانت تهدف إلى تقييد «حزب الله» في أماكن أخرى (على سبيل المثال، قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان). ومع ذلك، فإن الخط الذي يميّز القوات الإيرانية والسورية بات أقل وضوحاً كل يوم، وأصبحت هناك حاجة ملحة لمتابعة مثل هذه البدائل.

حنين غدار و فيليب سميث

معهد واشنطن