الحكومة العراقية عاجزة أمام فوضى السلاح

الحكومة العراقية عاجزة أمام فوضى السلاح

يصف خبراء ومختصون بشؤون الجماعات المسلحة وضع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خطة تقضي باستعادة الأسلحة الثقيلة لدى فصائل الحشد الشعبي وتقليص أعدادها إلى النصف، ودعوة زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، وزارة الداخلية العراقية إلى نزع سلاح مدينة الصدر بالكامل وتسليمه للدولة وإعلان المدينة منزوعة السلاح ثم تعميم التجربة على باقي مناطق العراق، بأنها تصريحات للاستهلاك المحلي فلا وزارة الداخلية ولا الحكومة العراقية لديهما القدرة على سحب السلاح السائب أو المنفلت من الشارع العراقي، وهما تقفان عاجزتين أمام المد الجارف للسلاح في العراق.

ويقول هشام الهاشمي الخبير الاستراتيجي في شؤون الجماعات المسلحة لـ”العرب” إن “الحكومة العراقية تواجه مشكلة حقيقية في ما يتعلق بمسألة الحد من انتشار السلاح، ذلك لأن دائرة نزع السلاح المرتبطة بمكتب رئيس الوزراء تقف في الوقت الراهن عاجزة أمام هذه القضية التي تعصف بالعراق”.

ويكشف عن وجود أماكن معروفة في العراق لبيع السلاح الخفيف والمتوسط وأحيانا الفتاك، منها محافظة العمارة ومناطق جبال حمرين وخانقين وشيخ بابا وكفري وبدروجصان والنهروان وأبوعروج والتنومة والجبايش والبدعة والفجر وجبلة وغيرها كثير، وهناك مناطق في أطراف العاصمة العراقية ووسطها تعرف بانتشار تجار بيع السلاح، من بينها مدينة الصدر، في شرق بغداد، وهي منطقة مكتظة بالسكان وعلى مقربة من مبنى وزارة الداخلية، كما يتواجد تجار بيع السلاح في مدينة الشعلة والتاجي والشعب وحي الأمين الثانية وهور رجب، وغيرها.

وفي هذه المناطق يوجد من يتاجر بالسلاح، وهو يسعى إلى التعامل مع جميع من يدفع، وليس عنده تقاطع في استقطاب جميع أشكال الزبائن من خلال طرق وأساليب متنوعة، ويسعى جميع أولئك التجار إلى الكسب المالي لا غير.

ويلاحظ الزائر لهؤلاء التجار أعدادا كبيرة من الرجال الذين يتاجرون بالسلاح أمام الجميع، مما يجعل ظاهرة تجارة السلاح في العراق مألوفة لدى شرائح المجتمع المختلفة.

وترتبط عصابات الخطف وتجارة المخدرات والجنس بالميليشيات التي هي الأخرى على ارتباط وثيق بالأحزاب والمنظمات التي يتشكل منها النظام السياسي.

هناك شهادات عينية اشتهرت عن مشاهدة أسلحة حديثة ومتطورة لدى مقاتلي داعش والفصائل الأخرى، وبعض هذه الأسلحة لا تعود إلى زمن النظام السابق، وهذا يعني أن هذه الأسلحة وذخيرتها يتم إدخالها إلى العراق بسهولة، إذ تصعب عمليات تصنيعها محليا.

ويعود الهاشمي ليقول إن تأكيد الحكومة العراقية الأعداد المهولة من عملية كشف أكداس السلاح والذخيرة، من جانب، وارتفاع أعداد حائزي السلاح، من جانب آخر، يظهران بجلاء فشل القوات الحكومية الذريع في نزع السلاح وتقصيرها في القيام بحملات تثقيفية وتوعوية للتحذير من حيازته.

وأصبحت أسعار السلاح في العراق منخفضة جدا في الآونة الأخيرة مقارنة مع دول المنطقة، خصوصا الكلاشنيكوف والبي.كي.سي والقاذفات من نوع آر.بي.جي، بينما ترتفع أسعار مواد البناء والإنشائية والحاجيات الضرورية للمواطن العراقي بنحو يومي، ويأتي ذلك نتيجة لحرب شرسة بين مخابرات دولة الجوار إيران الداعمة لتجار السلاح في العراق وسياسة الحكومة العراقية، ومحاولة تلك المخابرات فرض أجندتها على القرار السياسي العراقي والاستئثار به.

ويميط الهاشمي اللثام عن واقع أن أجهزة الأمن العراقي تكتشف، شهريا، عن أكثر من 25 إلى 30 طنا من السي.فور، وهي المادة الأساسية في صناعة المتفجرات في العراق، ما يعني أن ما يتم تهريبه إلى العراق يتجاوز هذا الرقم بأضعاف مضاعفة.

ويشير إلى أن العراق أصبح، على المستوى الإقليمي، بوابة وممرا رئيسيا لتهريب السلاح إلى تركيا وإيران والمنطقة العربية، والأخطر من ذلك أن تجّار السلاح في العراق يتعاملون مع الجميع من دون تمييز، بهدف تحقيق نسب عالية من المكاسب المالية، هذا إن لم تكن هناك أسباب أخرى تستهدف شعوب تلك المنطقة.

سلاح الميليشيات الإيرانية
يحدد الخبير في الشؤون الأمنية والقانونية الدكتور أكرم المشهداني، الذي شغل منصب عميد كلية الشرطة ومدير البحوث الأسبق في مديرية الشرطة العامة، مصادر السلاح المتداول في الشارع العراقي ونوعية مستخدميه بقوات مسلحة وأمنية وميليشيات الحشد الشعبي وميليشيات منفلتة فوق سلطة الدولة، والعشائر وبخاصة جنوبي العراق، وأخيرا الأفراد، كما يحدد نوع السلاح المنفلت بالسلاح الخفيف مثل المسدسات والبنادق نصف الآلية، والمتوسط، مثل الدوشكات والسلاح الثقيل من هاونات وقاذفات.

ويقول إن مصادر السلاح هي جهات سياسية وطائفية تزود الميليشيات بالأسلحة، وأسلحة القوات المسلحة والقوى الأمنية، وأسلحة العشائر سواء ما تمتلكه تلك العشائر من سلاح أو ما تملكته في ما بعد أو ما أغدق عليها من أطراف سياسية وطائفية لأغراض سياسية، وأسلحة الجيش العراقي السابق التي تم الاستيلاء عليها خلال وبعد عمليات احتلال العراق وأخفقت القوات الأميركية والحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال في السيطرة عليها أو حصرها أو إعادتها، وهناك مصدر آخر هو ما أدخلته الميليشيات الطائفية معها عند قدومها من إيران وتغاضت قوات الاحتلال الأميركي عنها لأغراض معينة، فضلا عن التجارة غير المشروعة للسلاح الناري في العراق والتي راجت وانتشرت بعد غزو العراق وتمارسها وتحميها جهات معلومة من السلطة.

ويلفت المشهداني إلى أن أعدادا كبيرة من منتسبي الميليشيات هم في الوقت نفسه أفراد في قوى الأمن الداخلي والقوات العسكرية بناء على قرارات بول بريمر وإياد علاوي بزج أفراد الميليشيات في الداخلية والدفاع، وتاليا فإن جزءا من السلاح المنفلت في الشارع هو من ضمن أسلحة السلطة ذاتها، يحمله أفراد يأتمرون بأوامر ميليشياتهم.

ويرى أن السيطرة على السلاح السائب يمكن أن تتم من خلال تشديد عقوبة الحيازة والاتجار بالسلاح الناري (دون ترخيص) لتشكل عامل ردع، وتنظيم حملات مكثفة وجريئة لضبط السلاح المنفلت وغير المجاز وبالأخص أسلحة الميليشيات والجماعات المسلحة تحت أي عنوان، وإعادة النظر في تنظيم الحيازة ووضع شروط تنظيمية ومنع حمل السلاح مطلقا بصوره كافة لغير القوات المسلحة والأمنية، وإعطاء أولوية في القضاء لحسم دعاوى قانون الأسلحة لتحقيق الردع، حيث أن المماطلة والتسويف في نظر هذه الدعاوى والأحكام المتهاونة كلها تشجع على استفحال هذه الظاهرة.

لكن المحلل العسكري والاستراتيجي اللواء هاشم السامرائي يرى أن من أهم المهمات التي تنقذ البلاد من هذه الفوضى التي لم يشهدها العراق في العقود الماضية هي العمل على تغيير العملية السياسية بالكامل وإلغاء كل القوانين والأنظمة التي فرضت بعد الاحتلال عام 2003 وفي مقدمتها إلغاء مؤسسة الحشد الشعبي وفرض سلطة القانون بالقوة والعمل بجدية على إعادة هيكلة القوات المسلحة وفق الأسس والضوابط الوطنية بعيدا عن هيمنة الأحزاب السياسية.

ويقول إن الميليشيات امتلكت أحدث أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من خلال سيطرتها على بعض مخازن السلاح الحكومي بالتنسيق مع الضباط الموالين للأحزاب المشاركة في العملية السياسية أو تسليحها من خلال هيئة الحشد الشعبي التي أصبحت مؤسسة موازية للمؤسسة العسكرية أو تتفوق عليها، لافتا إلى أن المسجلين في مؤسسة الحشد الشعبي أصبحوا قادرين على تهديد الأمن والسلم المجتمعي في العراق بسبب انضمام عناصر الجريمة المنظمة إليها.

وتشهد مناطق الفرات الأوسط والجنوب حالة مأساوية وصراعات دموية نتيجة انضمام أغلب أبناء العشائر لقوات الحشد حبّا في الانتقام وفرض السيطرة على من هم خارج منظومة الحشد، وتجري نزاعات مسلحة أحيانا لأسباب تافهة ويقع ضحايا من المدنيين جراء ذلك.

ويقول عبدالعزيز الشيخ، وهو أحد قادة الشرطة في العراق قبل الغزو الأميركي، إن السلاح عندما يكون بيد جهات عديدة بما فيها العشائر والأهالي فإنه لا بد أن يستخدم في حل المشكلات والنزاعات بسب عدم استطاعة أجهزة الدولة معالجة ذلك، ويسقط نتيجة هذه النزاعات قتلى بين الأطراف المتنازعة، لأنه لا يستخدم فيها فقط السلاح الخفيف، بل السلاح المتوسط والثقيل الذي يستخدم في الحروب بين الدول.

ومنذ العام 2003 وبعد احتلال العراق ظلت الحكومات عاجزة عن التصدي أو التقليل من ظاهرة السلاح المنفلت خارج سيطرة الدولة، على عكس ما كانت عليه الحال قبل الاحتلال، حيث كانت تفرض عقوبات قانونية على كل من يطلق طلقة واحدة حتى في مناسبات الأفراح.

ومن وجهة نظر القانون الدولي، يرى مدير مركز جنيف الدولي للعدالة ناجي حرج أن الدولة مسؤولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان عن حماية مواطنيها وكل المقيمين على أراضيها، وهذه الحماية لا يمكن الإيفاء بها إلاّ من خلال تفعيل سلطة القانون وتفعيل مؤسسات الدولة المسؤولة عن ذلك.

ويضيف أن الحكومة مسؤولة عن تنفيذ التزامات العراق بموجب الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها البلاد.

وتنص هذه الاتفاقيات على قواعد محددة تضع الحكومة أمام مسؤولية دولية في حماية مواطنيها بموجب الدستور والقوانين المحليّة.

ويؤكد حرج أن التقارير التي يتسلمها مركز جنيف الدولي للعدالة ويحيلها إلى الهيئات الدولية توثق استخدام السلاح على نطاق واسع خارج سلطة الدولة، وتطور الأمر من عمليات فردية إلى عمليات واسعة منظمة لاستخدام السلاح في نزاعات عشائرية، وهو ما يؤكد غياب سلطة القانون في العراق وانعدام دور مؤسسات الدولة في حماية المواطنين، مما يعني حالة فشل تام للحكومة في تأدية أهم واجباتها الدستورية والقانونية لبسط الأمن والنظام.

ويلفت المؤرخ العراقي الدكتور حسن كرمش الزيدي، المقيم في باريس، إلى أن الميليشيات وإن أخذت طابعا قانونيا غير أنها صارت تزاحم الشرطة والجيش على أداء واجباتهما لأنها تتخذ قرارات مذهبية وسياسية انتقامية خارجة عن القوانين، ما أدخل العراق في دوامة من اللاأمن واللااستقرار فاكتظت السجون الرسمية وشبه الرسمية، بل والسجون السرية بالآلاف من المعتقلين ومن دون محاكمات، وهذا خلق فوضى أمنية عارمة أسهمت في ظهور عصابات تحت مسميات مختلفة منها عصابات داعش التي أضحت قميص عثمان جديدا تمارس الميليشيات جرائم مذهبية بذريعة محاربتها.

حصر السلاح بيد الدولة
لمعالجة ظاهرة السلاح السائب، يقول عضو مؤسس في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات البروفيسور يعرب قحطان الدُّوري إن على الحكومة اللجوء، أولا، إلى حلول فورية في مقدمتها فرض سلطة القانون ولو بالقوة لإعادة الهيبة للدولة والثقة إلى الناس، وحصر السلاح بيد أجهزة الدولة فقط ومنع امتلاكه من طرف أي تنظيم أو حزب مع تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء.

أما على المدى المتوسط والبعيد فتتمثل معالجته بتكثيف حملات التوعية المجتمعية عبر الوسائل المتعددة التابعة لوزارات التربية والتعليم العالي والإعلام والداخلية والأوقاف لحث المواطنين وتحفيزهم على تسليم الأسلحة للدولة مقابل مكافآت مالية، وبوضع خطط زمنية صارمة لتنفيذ نزع السلاح كليّا وحصره بيد الدولة نهائيا للتفرغ لمشاريع التخطيط والتطور.

العرب