الفصائل السورية تفقد ورقة ثمينة في مواجهة هجوم محتمل على إدلب

الفصائل السورية تفقد ورقة ثمينة في مواجهة هجوم محتمل على إدلب

دمشق – بدأت الأربعاء عملية إجلاء سكان بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين والمواليتين للنظام في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا بموجب اتفاق بين إيران وهيئة تحرير الشام برعاية تركية قطرية.

ومن شأن إخلاء البلدتين سحب ورقة ضغط ثمينة من أيدي الفصائل المعارضة والإسلامية في حال قرر الجيش السوري شن عملية عسكرية في المحافظة القريبة من الحدود التركية.

ومن المرجح أن تستمر عملية الإخلاء ساعات طويلة بالنظر لعدد المغادرين الذين يقدرون بنحو سبعة آلاف شخص من القريتين، وهو أمر يحتاج إلى الكثير من الوقت.

وقال قائد في التحالف الإقليمي الذي يدعم الرئيس بشار الأسد إن بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين للحكومة ستخليان من جميع السكان والمقاتلين.

وكانت هيئة تحرير الشام التي تقودها جبهة النصرة توصلت الثلاثاء إلى اتفاق مع إيران، وبضغط تركي قطري، يقضي بالخروج الكامل لأهالي بلدتي كفريا والفوعة شمال إدلب، ويبلغ عددهم 6900 شخص، مقابل خروج 1500 معتقل من فصائل المعارضة لدى النظام السوري، وخروج 36 محتجزا موجودين عند حزب الله اللبناني، وأربعة أسرى من المدنيين موجودين داخل بلدتي كفريا والفوعة.

تركيا ليست في وضع يسمح لها بتحدي الروس لأن التكلفة باهظة خاصة إذا ما حسم رجل الكرملين قراره بالسير صوب إدلب

وتقع بلدتي كفريا والفوعة قرب مدينة إدلب وحاولت الفصائل المعارضة السيطرة على البلدتين، لكن المحاولات فشلت.

ويرى مراقبون أن توقيت إخلاء البلدتين يكتسي أهمية استثنائية خاصة مع تواتر الأنباء على أن محافظة إدلب ستكون المحطة التالية للجيش السوري وحلفائه بعد إتمام سيطرتهم على جنوب غربي سوريا حيث نجحوا في الأيام الماضية في فرض سيطرتهم على محافظة درعا الحدودية مع الأردن وحاليا يحققون تقدما مطردا في محافظة القنيطرة المحاذية لهضبة الجولان المحتل من إسرائيل.

وحقق الجيش السوري في الأشهر الأخيرة نجاحات عسكرية نوعية ساهمت في تكريس تفوقه على الأرض، وأهم هذه الإنجازات نجاحه في تأمين العاصمة دمشق بعد عملية عسكرية استمرت لأسابيع في الغوطة الشرقية وانتهت بعقد اتفاقيات تسوية هي أقرب للاستسلام بالنسبة للفصائل المسلحة التي أجبرت على القبول بخيار الترحيل إلى إدلب.

ويسطر اليوم الجيش السوري نجاحا جديدا في الجنوب والذي ما كان ليتحقق لولا وجود ضوء أخضر أميركي إسرائيلي.

وكانت الولايات المتحدة قد أكدت للفصائل في الجنوب على أنها لن تتدخل عسكريا لفائدتهم، فيما شددت إسرائيل على اتخاذها موقفا محايدا إزاء ما يجري داخل سوريا، وأن ما يشغلها فقط وتعمل على الحيلولة دونه هو منع تمركز إيران وميليشياتها والحفاظ على الوضع القائم في الجولان المحتل.

ولا يستبعد محللون أن يكون مصير إدلب التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى سجن كبير يأوي العشرات من الفصائل التي اضطرت لعقد تسويات مع الحكومة، كمصير الجنوب وإن كانت المسألة تبدو أكثر تعقيدا في ظل وجود كم هائل من المسلحين والمدنيين المهجرين والذين تقدر أعدادهم بأكثر من مليوني شخص.

وتسيطر هيئة تحرير الشام – وهي عبارة على تجمع لفصائل متطرفة تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا قبل إعلانها فك الارتباط التنظيمي مع القاعدة)- على معظم أنحاء إدلب، فضلا عن وجود فصائل قوية ومنها أحرار الشام ونورالدين زنكي وجند الشام.

وترتبط معظم هذه الفصائل إن لم يكن جميعها بتركيا التي تعد إحدى رعاة منبر أستانة إلى جانب كل من روسيا وإيران.

وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي السبت الماضي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين من مغبة شن عملية عسكرية في إدلب.

وأعرب الرئيس التركي عن قلقه من استهداف المدنيين في محافظة درعا. وأكد أن “تقدم قوات النظام نحو محافظة إدلب بطريقة مماثلة يعني تدمير جوهر اتفاق أستانة”.

إجلاء سكان بلدتي كفريا والفوعة، وفق كثيرين مؤشرا قويا على إمكانية شن عملية عسكرية واسعة في محافظة إدلب

ويرى مراقبون أن هناك على ما يبدو اتفاق دولي بشأن عودة سيطرة النظام على سوريا، وهذا يجعل تركيا في وضع جد صعب ومعقد، فهي لا تريد شن النظام عملية عسكرية واسعة في إدلب القريبة من حدودها لما لذلك من تداعيات على أمنها القومي، وما قد تفضي إليه تلك العملية من لجوء مئات الآلاف من المدنيين إليها.

وتريد تركيا التي عززت في الأشهر الأخيرة من تركيز نقاط عسكرية تابعة لها في المحافظة ضمن اتفاق خفض التصعيد، أن تجنب المحافظة أي عمل عسكري موسع عبر سلك طريق الدبلوماسية مع روسيا التي لديها والنظام ذريعة قوية للقيام بهجوم عسكري وهو القضاء على جبهة النصرة المصنفة تنظيما إرهابيا.

وكان النظام وحليفته موسكو قد تذرعا بوجود بضع عشرات من مقاتلي النصرة لشن عملية عسكرية واسعة في حلب في العام 2016 قلبت موازين القوى، فكيف الحال بالنسبة لإدلب التي تعد المعقل الرئيسي والوحيد للتنظيم الجهادي في سوريا.

وبرغم تصريحات المسؤولين بأن روسيا تفضل الحل السياسي على الحسم العسكري، فإن مجريات الميدان تقول عكس ذلك وأن موسكو في واقع الحال تتبنى وجهة نظر دمشق وتعتقد في الخيار الأخير.

ويشير مراقبون إلى أن تركيا قد تجد نفسها في النهاية أمام خيارين يتيمين بالنسبة لإدلب الأول هو تولي مهمة شن عملية عسكرية ضد هيئة تحرير الشام من خلال الفصائل الأخرى التي تتحكم بها.

وبدأت تركيا عمليا في الأشهر الأخيرة تشكيل جبهة مؤلفة من فصائل مسلحة وعناصر جديدة تحت اسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، قد يكون الهدف منها قتال النصرة.

أما وفي حال لم تقدم تركيا على تلك الخطوة فإنها قد تجد نفسها أمام عمل عسكري للنظام في إدلب، وفي هذه الحالة قد تفضل الانكفاء على نفسها حيث أن خوض مواجهة مع النظام ومن خلفه الروس ليس من صالحها.

ويذكّر مراقبون بتداعيات حادثة إسقاط طائرة السوخوي الروسية في العام 2015، التي اضطرت في النهاية أردوغان إلى الاعتذار عن تلك الحادثة، والقبول بالتعاون مع روسيا في المشهد السوري، خاصة وأن علاقته مع الولايات المتحدة شهدت آنذاك حالة من الفتور في ظل عدم رغبة أميركية في الانخراط بشكل كبير في الملف السوري، فضلا عن دعم واشنطن للأكراد.

ويشير مراقبون إلى أن تركيا ليست في وضع يسمح لها بتحدي الروس لأن التكلفة السياسية ستكون باهظة خاصة إذا ما حسم رجل الكرملين قراره بالسير صوب إدلب. وحذرت، الأربعاء، المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا من حصول استفزازات بالكيمياوي في إدلب.

وقالت زخاروفا “وفقا للمعلومات المتاحة، يمكنني القول إن هناك معلومات عن وصول أعداد كبيرة من السيارات التي تقل أعضاء من ذوي الخوذات البيضاء إلى مدينة إدلب، ومن ضمنهم متخصصون بالكيمياء”.

وأضافت زاخاروفا “استطاع هؤلاء نقل كميات كبيرة من الأسلحة الصاروخية، لا شك أن هذه ‘الهدايا التذكارية’ أي الصواريخ التي تم نقلها إلى إدلب ستستخدم من قبل الخوذات البيضاء لأغراض دعائية وغرضها فبركة أخبار وتلفيقات عن أن القوات السورية تقوم بقصف إدلب بالأسلحة الكيمياوية”.

وتابعت “لا يمكن استبعاد شيء، مثلا حصول استفزازات واسعة النطاق”، وسبق وأن أطلقت موسكو هذه التحذيرات قبيل شن العملية العسكرية في الجنوب وقبلها الغوطة.

العرب