عهد وناريمان التميمي..كيف أمضتا مدة سجنهما؟

عهد وناريمان التميمي..كيف أمضتا مدة سجنهما؟

“لم أندم على تصوير “عهد” وهي تقاوم اقتحام الإسرائيليين لمنزلنا.. وسأتدخل لتوثيق أي اعتداء على أهلي وقريتي”، هكذا اختصرت ناريمان التميمي والدة الفتاة الفلسطينية عهد التميمي، خلاصة ما خرجت به من تجربة السجن لثمانية شهور دفعت خلالها وابنتها ما قالت إنه ثمن “توثيق حقيقة الاحتلال”.

واعتقل الجيش الإسرائيلي عهد التميمي من منزلها بقرية النبي صالح غرب رام الله في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ووجهت إليها تهمة مهاجمة جنديين إسرائيليين وصفع أحدهما، بعد بث والدتها فيديو يوثق محاولتها منعهما من اقتحام المنزل.

تقول عهد (17 عاما) إن عائلتها تلقت تهديدات بالاعتقال وواجهت تحريضا كبيرا من قبل الإسرائيليين بعد بث الفيديو، وعوضا عن التركيز على دراستها وقد دخلت الثانوية العامة، تقول “ارتديت ملابسي كل ليلة بانتظار الاعتقال”.

بعد الإفراج عنها، تسرد قليلا مما استطاعت ذكره وهي تستقبل المئات من المهنئين بتحررها مع والدتها، وتقول إنها تعرضت للتحقيق بشأن مشاركتها في مظاهرات القرية، وواجهت “تحرشا لفظيا” من ضباط الاحتلال “كانوا يقولوا لي شعرك حلو، عيونك جميلة، بس تروحي البحر بتصير بشرتك حمرا”.

ووجهت لعهد لائحة من 12 تهمة، منها التحريض على دولة إسرائيل وعلى جنود الاحتلال، ورشق الحجارة والاعتداء على جندي إسرائيلي.

وتعتقد التميمي التي قوبل اعتقالها بتضامن محلي ودولي واسع، أن الذي استفز الإسرائيليين ليس مقاومتها لجنديين ومحاولتها طردهما من ساحة منزلها، بل توثيق ذلك ونشره ومتابعته على نطاق واسع، مؤكدة أن “الحقيقة هي أكثر ما يخيفهم”.

واعتقلت أمها “ناريمان” عندما وصلت بعد ساعات من اعتقال ابنتها لمرافقتها في جلسات التحقيق، بمركز تابع للاحتلال جنوب رام الله، لكن الضباط هناك أحالوها للتحقيق بشكل منفرد ومنعوها من مقابلة ابنتها.

كانت اللحظة الأصعب بالنسبة لعهد كما تروي والدتها “عندما شاهدتني مقيّدة، حيث صُدمت وصرخت اعتقلوكِ أيضا؟، ورفضوا السماح لي بالاقتراب منها”. وفي الليلة ذاتها نقلتا إلى سجن هشارون للنساء شمال إسرائيل، ومنعت الأم من الحديث مع ابنتها حتى في الحافلة.

واعتقلت عهد ووالدتها بعد يومين من إصابة قريبها الطفل محمد التميمي برصاص إسرائيلي في رأسه، وكان يعاني من إصابة خطيرة. قالت “كنا قلقين طوال الوقت على حياته”. لكن الخبر الأصعب الذي تلقتاه بعد فترة قصيرة هو اعتقال شقيقها الأكبر “وعد”، ثم استشهاد ابن عمها “عز الدين التميمي” بالرصاص الإسرائيلي.

وكانت عهد ترتدي سوارا صنعته يدويا في سجنها وفيه اسم شقيقها “وعد” الذي لا يزال موقوفا بانتظار محاكمته. و”وعد” واحد من نحو عشرين شابا من عائلة عهد التميمي معتقلين في سجون الاحتلال، إلى جانب مطاردة عدد آخر لا تريد القرية أن يلاقوا مصير عز الدين التميمي، الذي قتله الاحتلال الشهر الماضي عندما رفض تسليم نفسه.

وبالنظر للزخم الإعلامي والسياسي الذي لاقته قضيتها، تؤكد “عهد” أنها تريد نقل معاناة الأسرى وواقعهم وخاصة القاصرات، وليس أن تتحول لرمز سياسي.

وفي حين تنتظر نتائج امتحان الثانوية العامة الذي تقدمت له أثناء اعتقالها، تأمل التميمي أن تصبح “سفيرة للأسرى القاصرين” وأن تكمل تعليمها الجامعي في القانون.

وأفرج عن التميمي مع إمكانية سجنها لمدة ثلاثة شهور إضافية في حال مارست أي نشاط ضد الاحتلال. لكن ردة فعلها بدفع البوابة العسكرية التي أغلقت الطريق إلى قريتها عند الإفراج عنها، كانت مؤشرا على أن نضالها لا محالة مستمر حتى بعد الاعتقال.

أما والدتها ناريمان فلم تندم على تصوير ابنتها عند مقاومتها للجنود الإسرائيليين، وقالت “لو وصلني خبر عن إصابة أحد أبنائي أو أقاربي أو الاعتداء عليهم، فسأتدخل دائما لفضح الاحتلال”.

وتعتقد ناريمان أن التوثيق بالصورة مهم كي لا تمر جرائم إسرائيل بصمت، مؤكدة أن “كل من يحمل هاتفا محمولا عليه أن يوثق انتهاكات الاحتلال بلا خوف”.

وترى أن انتشار قصة عهد والتضامن الكبير الذي لاقته لم يكن مصادفة، لأن ابنتها “معروفة منذ صغرها وكبرت أمام الناس وفي المظاهرات”.

وسجنت ناريمان التميمي ثلاث مرات من قبل الاحتلال، وخضعت للتوقيف المتقطع مرات عدة، كما أصيبت بالرصاص أكثر من مرة، وقبل أربعة أعوام فقدت شقيقها الأصغر “رشدي” شهيدا بعد إصابته بالرصاص الإسرائيلي، وعلى صدر البيت الذي عُدن إليه لوحة فنية بارزة للشهيد.

خرجت الأم وابنتها من السجن “أقوى مما سبق”، وتؤكدان أن إصرارهما وكل عائلة التميمي سيتواصل “ما دام الاحتلال مستمرا”.

ميرفت صادق

الجزيرة