«الراهب» يتسبب في أسوأ أزمة بين واشنطن وأنقرة هل قرر ترامب التعامل مع تركيا على «الطريقة الإيرانية»؟

«الراهب» يتسبب في أسوأ أزمة بين واشنطن وأنقرة هل قرر ترامب التعامل مع تركيا على «الطريقة الإيرانية»؟

تتصاعد ما بات يطلق عليها واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخ علاقات أمريكا وتركيا الحليفتين في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، لا سيما مع خشية جهات تركية من دخولها في مراحل «خطيرة» ورفض أنقرة الرضوخ للتهديدات وتحذيرها من نيتها التوجه بشكل أكبر نحو روسيا في حال تطبيق الولايات المتحدة تهديداتها ضد تركيا.​
وبدأت أزمة كبرى بين أنقرة وواشنطن على خلفية إطلاق الرئيس ترامب ونائبه تهديدات مباشرة بفرض «عقوبات كبيرة» على تركيا في حال لم تطلق سراح راهب أمريكي يحاكم في تركيا بتهم تتعلق بالإرهاب، وهو ما رفضته أنقرة وأكدت أن قرار القضاء التركي سيكون الفيصل في هذه القضية.​ وبشكل لافت، ركز كتاب أتراك كبار على أن التحول في الموقف الأمريكي والهجوم غير المسبوق لترامب ونائبه على تركيا يشبه إلى حد كبير تعامل الأخير مع ملفي إيران وكوريا الشمالية، محذرين من وجود لوبيات داخل الولايات المتحدة تهدف إلى تدمير العلاقات بين البلدين لصالح أطراف أخرى تسعى لذلك، على حد تعبيرهم.​
ومقابل رفع الولايات المتحدة حدة خطابها لمستوى غير مسبوق مع تركيا وإطلاقها تهديدات مباشرة بفرض عقوبات واسعة عليها، شدد كبار المسؤولين الأتراك على أن بلادهم «لم ولن تخضع أمام التهديدات من أي طرف»، كما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مخاطباً ترامب بأن «تركيا لن تخضع أمام تهديداتكم».​

موقف مجلس الأمن القومي التركي

لكن وفي تطور لافت، اعتبر مجلس الأمن القومي التركي، أن لغة التهديد التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد تركيا تسيء إلى العلاقات بين البلدين، ولا يمكن قبولها أبدًا، مهدداً بأن «تصريحات وقرارات الولايات المتحدة التي تفرض شروطًا تخالف الاتفاقيات الدولية بشأن مشاريع صناعات دفاعية التزمت تركيا بمسؤولياتها حولها، من شأنها أن تلحق أضرارًا لا يمكن تلافيها بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين وعلاقات الثقة»، في إشارة واضحة لعدم تخلي أنقرة عن اتفاقياتها العسكرية مع روسيا.​
الكاتب التركي فاتح ألطايلي اعتبر في مقال له في صحيفة خبر تورك أن الإدارة الأمريكية تسعى لتحويل تركيا إلى بلد يشبه العراق وسوريا وإيران وحتى كوريا الشمالية، محذراً من أن الولايات المتحدة ربما تلجأ إلى اعتقال مسؤولين أتراك في حال زيارتهم للولايات المتحدة وتحيلهم إلى القضاء، قائلاً: «لهذا فإن الولايات المتحدة أصبحت من الآن فصاعدًا مكانًا خطرًا بالنسبة للساسة والموظفين الرفيعين والمستشارين الأتراك».​
وفي مقال بعنوان «تركيا ليست إيران» في صحيفة بوسطا، حذر الكاتب التركي «هاكان جليك» الولايات المتحدة بأنها يجب ألا تعتقد بأن تركيا هي مثل إيران أو كوريا الشمالية، وقال: «في خضم رياح التطرف العاتية هذه، إذا تبقّى من يملكون عقلا سليمًا حتى الآن في واشنطن، فعليهم أن يذكروا ترامب بأن تركيا ليست إيران أو كوريا الشمالية».​
وأضاف الكاتب: «تتجه العلاقات التركية الأمريكية برمتها نحو الهاوية. فللمرة الأولى بعد مدة طويلة يعلن الكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض معًا الحرب على تركيا»، لافتاً إلى أن «ترامب يقدم على تحركات غير محسوبة ولا معقولة بخصوص تركيا، كما فعل من قبل مع إيران والاتحاد الأوروبي وروسيا وقطر والقدس»، محذراً من «خسارة أمريكا لتركيا واسهاماتها ومكانتها الكبيرة».​

وقاحة أمريكية

واعتبر الكاتب حسن يالتشين في مقاله في صحيفة تقويم أن «هذه التهديدات تشير ـ إلى جانب وقاحة أسلوب أمريكا ـ إلى أنها لا تجري حسابات دقيقة فيما يخص علاقاتها الدولية، إذ كانت واشنطن تهدّد إيران خلال الفترة الأخيرة، وتنوّه إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وإضافةً إلى ذلك أعلنت حرباً اقتصادية ضد الصين، ولذلك أعتقد أنه لا يمكن لأي دولة أن تُدار دون توازن وحسابات وخطّة محكمة إلى هذه الدرجة كما هو الحال الآن بالنسبة لأمريكا في ظل قيادة ترامب، لكن الشيء المؤكّد في هذه المسألة هو أنه لا يمكن لأي دولة تطبيق جميع هذه التهديدات في وقت واحد».​
وأضاف الكاتب: «لا أعتقد أن مبادرات ترامب ستؤثر كثيراً على تركيا، حتى ولو أصدر ترامب قراراً ببدء تطبيق العقوبات الاقتصادية، إذ لا يمكن لأمريكا أن تتجاهل أعداءها الحاليين مثل روسيا وإيران والصين لتضع تركيا على رأس قائمة الأعداء، وإن فرضنا أن ترامب حاول تطبيق الحصار على تركيا، لقد رأينا عبر مجرى التاريخ أن الحصار لا يجدي نفعاً في مثل هذا الأوضاع، بل وقد يعود بنتائج سلبية للدولة المنفّذة للحصار أيضاً».​
الكاتب «ناغيهان آلتشي» ذهب في مقاله بصحيفة «خبر تورك» إلى أبعد من ذلك، عندما حذر من «أمور مريبة» تدور في قضية القس الأمريكي، وكتب: «هناك يد خفية في الولايات المتحدة تسعى من أجل عرقلة عودة هذا القس من تركيا إلى بلاد العم سام، وتحاول استخدامه كبش فداء في سبيل إفساد العلاقات بين البلدين»، مضيفاً: «من الواضح أن التوتر المتبادل سيتصاعد مع الرسائل الوقحة الحافلة بالتهديد والوعيد من الولايات المتحدة».​
يقول آلتشي: «اتخذت هذه القضية منحى غريبًا إلى درجة أصبحت معها حماية برانسون بالنسبة لتركيا مشكلة خطيرة فالتدابير الأمنية حول منزل القس تم تشديدها، لكنني مع ذلك أشعر بالقلق. فهناك أيد خفية في الولايات المتحدة قد ترغب بقتل القس من أجل وضع تركيا والعلاقات بين البلدين في مأزق لا يمكنها الخروج منه. لا بد من حماية القس بشكل جيد جدًّا».​
وفي السياق ذاته، أكد الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين في مقال له في صحيفة «دايلي صباح» أنه «من الممكن إنقاذ العلاقة الأمريكية التركية وتحسينها شريطة أن تأخذ الإدارة الأمريكية مخاوف تركيا الأمنية على محمل الجد، ذلك لأن تركيا لا يمكنها أن تغض الطرف عن تصرفات أحد حلفاء الناتو عندما يهدد أمنها القومي في الداخل والخارج. ​
وأضاف قالين: «قد يكون لدى الرئيس ترامب نوايا طيبة للعلاقات مع الرئيس أردوغان وتركيا، ومن المؤكد أن تركيا سترد على ذلك بالمثل عندما تكون العلاقة مبنية على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، ولكن استخدام التهديدات ضد تركيا لن ينجح، ولن يؤدي إلا إلى الإضرار بالعلاقة».​

إسماعيل جمال

القدس العربي