شحّ التمويل الإيراني يذكي تنافس الأحزاب العراقية على الوزارات الغنيّة

شحّ التمويل الإيراني يذكي تنافس الأحزاب العراقية على الوزارات الغنيّة

بغداد – تأخذ الأحزاب والكتل السياسية العراقية بالاعتبار حجم موازنات الوزارات، في مفاوضاتها بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، إذ ترتبط بذلك مسألة حيوية لتلك الأحزاب تتمثّل في تمويلها وتوفير موارد كافية لالتزاماتها الكثيرة.

وازداد هذا العامل أهمية في ظلّ الأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها إيران وعجزها عن مواصلة تمويل تلك الأحزاب التي سيكون عليها أن “تقاتل” بشراسة للحصول على وزارات ذات موازنات كبيرة، ضمن الكابينة الجديدة، لضمان استمرار تدفق التمويل لأنشطتها السياسية والعسكرية.

ويؤكد خبير مالي عراقي، سبق له أن عمل لفترة ضمن الأطقم الفنية لإعداد موازنة الدولة، أنّ الأحزاب والكتل السياسية العراقية دأبت فعلا على تمويل نفسها من خزينة الدولة، بحيث صار الصراع على الوزارات بمثابة صراع على مصادر التمويل.

فالحزب الذي يدير وزارة ما، بحسب الخبير نفسه، يعتبر تلك الوزارة إقطاعية خاصة به. وكل الأموال الداخلة إليها هي أمواله يحق له أن ينفقها بالطريقة التي تتماشى مع رغبة زعمائه والمنتفعين من حولهم.

ويؤكّد الخبير المالي أنّ أجهزة الرقابة جرى تعويمها وضمان سكوتها عن عمليات الاحتيال والسرقة من خلال فتح الباب أمام منتسبيها للمساهمة في سرقة المال العام.

وتتنازع الأحزاب في ما بينها على الحصص في التشكيل الوزاري المقبل في الوقت الذي تستمر فيه الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالخدمات الأساسية وهو ما يكشف عن عمق الهوة التي تفصل بين الأحزاب الحاكمة والشعب.

ومن أصل خمسة أطراف شيعية فازت في الانتخابات العراقية، هناك اثنان على صلة وثيقة بإيران، هما تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري والذي يضم ممثلين عن جماعات مسلحة تأتمر بأمر الحرس الثوري الإيراني، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي الذي يرتبط بعلاقة وثيقة مع المرشد الأعلى في طهران علي خامنئي.

وفي ظل انحسار قدرة إيران على تمويل الميليشيات التابعة لها فإن تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون إذا لم يحصلا على منصب رئيس الوزراء فإنهما سيبذلان قصارى جهودهما مدعومين من إيران للاستيلاء على وزارات ذات ميزانيات كبيرة، لا من أجل تمويل نشاطاتهما فحسب، بل أيضا من أجل الاحتياط لمرحلة يكون فيها الاقتصاد الإيراني في حاجة إلى دعم خفي. وهو ما سبق لنوري المالكي أن قام به حين كان رئيسا للوزراء.

تزايد أهمية مصادر التمويل المحلية للأحزاب العراقية في ظل عجز إيران عن مواصلة تمويل أذرعها الخارجية

وبينما حل تحالف الفتح ثانيا في نتائج الانتخابات غير النهائية، بعد القائمة التي يدعمها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، جاءت قائمة المالكي في المركز الرابع خلف قائمة رئيس الوزراء حيدر العبادي التي جاءت ثالثة.

ويمكن لعدد النواب الذين سيمثلون أطرافا سياسية عراقية موالية لإيران أن يصل إلى 100 من مجموع النواب الـ329 المشكلين للبرلمان، باحتساب نواب حزب الفضيلة في قائمة النصر التي يتزعمها العبادي وآخرين متفرقين بين قوائم مختلفة.

وفي حال نجح هؤلاء النواب في دخول الكتلة البرلمانية الأكبر التي ستشكل الحكومة القادمة، فإن عددهم يسمح لهم بالحصول على حصة كبيرة جدا من الكابينة الوزارية الجديدة.

ووفقا لتقديرات سياسية، فإن البرلمان العراقي الجديد قد ينعقد نهاية الشهر الجاري أو مطلع الشهر المقبل على أقصى تقدير، ما يدفع نحو تسريع مفاوضات تشكيل الكتلة الأكبر التي ستتولى ترشيح رئيس وزراء جديد، واقتراح أسماء أعضاء الكابينة الوزارية الجديدة.

وأبلغ سياسي عراقي مشارك في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة “العرب”، بأن “زعيم تحالف الفتح هادي العامري وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي متمسكان بمطالب محددة في الكابينة الجديدة”.

ويؤكد السياسي ذاته أن “طبيعة الخيارات التي يميل إليها العامري والمالكي تكشف عن رغبتهما في حصول قائمتيهما على حقائب وزارية تعتمد على موازنات مالية كبيرة”.

ويضيف أن “هذا الاتجاه يعكس أزمة التمويل التي تعاني منها الأطراف العراقية الموالية لإيران بسبب الإشكالية الاقتصادية المعقدة التي تواجهها طهران على خلفية العقوبات الدولية المفروضة عليها”.

ويقول السياسي العراقي إن “حقيبة الكهرباء تحظى باهتمام بالغ من قبل تحالف الفتح فيما يحاول المالكي تمرير اسم أحد المقربين منه لشغل حقيبة وزارة الصحة في الحكومة الجديدة”. وتحصل هاتان الوزارتان على تخصيصات مالية كبيرة من موازنة البلاد العامة على فرض أنهما تخدمان شريحة واسعة من السكان ولكن عمليا فإن الجزء الأكبر من أموال هاتين الوزارتين يذهب إلى حسابات الأحزاب السياسية والشخصيات النافذة، عن طريق توقيع عقود وهمية أو باحتسابها بأكثر من كلفتها.

ويكاد فشل هاتين الوزارتين يتحول إلى فضيحة بسبب رداءة أدائهما وعجزهما عن تلبية احتياجات السكان.

وتعد وزارة التربية هي الأخرى مصدرا مهما لتمويل الأحزاب في العراق لذلك دخلت ضمن اهتمامات حلفاء إيران، وفقا للمصادر.

وتقول المصادر إن “هذه الوزارات المغرية ليست مطلبا لحلفاء إيران فحسب، بل هي موضع نزاع بين أطراف كثيرة”. وتضيف أن بعض الأطراف السياسية السنية في العراق، تطالب بأن “يتم إرضاؤها” لتتنازل عن هذه الحقائب بحكم أنها تشغل اثنتين منها، ما يعني أن على الراغبين في الحصول على حقائب الكهرباء والصحة والتربية “الدفع لنيل الموافقة”.

وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي جمّد عمل وزير الكهرباء في الحكومة الحالية قاسم الفهداوي بسبب التردي الكبير في قطاع الطاقة بالتزامن مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة خلال فصل الصيف الجاري. وتبين لاحقا أن القرار يعود إلى عدم توفر الفهداوي، وهو سني، على ظهير سياسي قوي.

ووفقا لمصادر رفيعة فإن العبادي حاول اتخاذ القرار نفسه بحق وزيرة الصحة، عديلة حمود، بسبب تردي الخدمات العامة بشدة في هذا القطاع الحيوي، لكنه جوبه برفض سياسي شديد.

وتقول المصادر إن حلفاء إيران حذّروا العبادي من المساس بوزيرة الصحة التي تنتمي إلى “حزب الدعوة- تنظيم العراق”، وهو أحد مكونات ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي. وبدا العبادي عاجزا عن اتخاذ قرارات على خلفية التهم الموجهة لوزيرة الصحة وآخرها إبرام عقود وهمية وصفقات بأرقام مضخّمة لقاء الحصول على عمولات تصل إلى نصف مليار دولار.

العرب