قانون “غلوبال ماغنيتسكي” يؤزّم علاقات أنقرة بالغرب

قانون “غلوبال ماغنيتسكي” يؤزّم علاقات أنقرة بالغرب

أنقرة – تتواصل متاعب الحكومة التركية عقب فرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات في بداية الشهر الجاري على وزيرين تركيين هما وزير الداخلية سليمان صويلو ووزير العدل عبدالحميد غول بموجب قانون غلوبال ماغنيتسكي، وهو قانون أميركي يسمح بمعاقبة السلطات والكيانات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد حول العالم.

اعتبر ديفيد غاردنر في مقال صادر بصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية أن قانون “غلوبال ماغنيتسكي” يعد شيئا مقدسا بالنسبة لأي دولة لا تريد أن تحيد عن مسارها أمام بقية الدول وخاصة الولايات المتحدة، التي فرضت هذا القانون بعدما تعرض محام روسي للضرب حتى الموت في أحد سجون موسكو قبل عقد من الزمن، من أجل استهداف البعض من أسوأ المجرمين واللصوص في جميع أنحاء العالم.

واستخدم القانون لمعاقبة بعض الأشرار بدءا من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى غامبيا، ومن نيكاراغوا إلى باكستان، لتضم الولايات المتحدة في وقت لاحق وزيرين من تركيا، العضو في حلف الناتو والعضو المرشح في الاتحاد الأوروبي، ضمن مجموعة العقوبات.

وأشار التقرير إلى أن تلميحات الرئيسين دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان عن بعضهما البعض في خطاباتهما، تؤكد على أن روابط تركيا مع شركائها الغربيين لم تتأذ فقط، بل على ما يبدو أنها تقطعت بشكل كامل.

وكشف أن تركيا، التي تتميز بموقع جغرافي فريد يجعلها دولة الشرق بالنسبة للغرب ودولة الغرب بالنسبة لدول الشرق، معرضة لخطر فقدان هذه الميزة، إذ أن بميلها نحو الشرق، فإنها ستفقد بذلك الجبهة الغربية إذا استمرت الاشتباكات بينهم بمثل هذه الحدة ومع تزايد افتراضات سوء النية.

وأردف التقرير أنه باتجاه تركيا نحو الشرق، ستكون روسيا والصين المستفيدتين الوحيدتين على حساب الولايات المتحدة وأوروبا.

تركيا، التي تتميز بموقع جغرافي فريد يجعلها دولة الشرق بالنسبة للغرب ودولة الغرب بالنسبة لدول الشرق، معرضة لخطر فقدان هذه الميزة

وأكّد أن ترشح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي خدم حزب العدالة والتنمية وعمل كدرع واق له ضد جنرالات الجيش، ولكن أيضا كمحرك للإصلاح الحقيقي، مشيرا الى أن تردد الاتحاد الأوروبي في قبول دولة إسلامية في مجتمعها المسيحي أدى إلى توتر العلاقات.وسلطت فايننشيال تايمز الضوء على شعور أردوغان بالسعادة حين استغنى عن القيود المؤسساتية المزعجة للاتحاد الأوروبي التي يفرضها على مسيرته نحو الحكم الدكتاتوري، لتنهار بذلك روابط تركيا بالاتحاد الأوروبي. وأكد غاردنر أن أنقرة تظل أيضا في حاجة أوروبا للمساعدة في مجالات مثل التجارة والاستثمار ونقل التكنولوجيا. وأشار إلى أن سلسلة التهديدات التي كان على أردوغان أن يواجهها، بدءا من نشوب بعض الاضطرابات الشعبية في عام 2013 وحتى محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، أقنعته بأن هناك مؤامرات يحيكها الغرب والولايات المتحدة معا من أجل الإطاحة به.

وتناول التقرير مسألة خروج قائمة التظلمات بين الجانبين عن نطاق السيطرة، ليصل إلى إعلان العداء بشكل علني لا سيما بعد احتجاز أنقرة لأندرو برونسون، القس البروتستانتي الإنجيلي الأميركي .وأكد أن تركيا تشعر بالمرارة أيضا جراء استخدام الولايات المتحدة للمقاتلين الأكراد السوريين كقوة لردع عناصر تنظيم داعش، حيث تعتبر أنقرة أن الأكراد السوريين متواطئون مع المتمردين الأكراد الذين يشنون الحروب داخل حدودها.

وقسّم كاتب المقال عدد المتفائلين بشأن نتيجة هذا الصدام إلى ثلاثة معسكرات، مؤكّدا أن الأول يستشهد بموقع تركيا الجغرافي على خارطة العالم، والذي من وجهة نظره سيعزز من موقفها كثيرا. أما الثاني، فهم القائمون على الدبلوماسية التركية، الذين مازالوا يعيشون في ماضي تجربة بناء الأسوار.

أما بشأن الفصيل الثالث، فهم “المسؤولون”، الذين يشبّهون علاقة ترامب وأردوغان بعلاقة ودودة بين زعيمين قويين.وقد يكون الفصيل الأخير هو الأضعف، حيث احتفل رؤساء الحكومات الدكتاتورية في جميع أنحاء العالم بقدوم ترامب، والذي يرون في صعوده عودة الولايات المتحدة كدولة الرجال الأقوياء على أمل أن يعقد ترامب معهم روابط فردية بدلا من الاضطرار إلى اللجوء إلى الروابط المؤسسية.

وأكد التقرير أن بمثل هذه الطريقة يثق قادة مثل أردوغان بأن علاقات مع مثل هذا الرئيس الأميركي من الممكن أن تتجاوز ببساطة المؤسسات الأميركية.

وأوضح، أنه سواء كانت تركيا عضوا في حلف الناتو أم لا، وسواء أحبوها أم لا، فهي بالفعل القدم الأساسية الثالثة لميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط مع روسيا وإيران.

ورجحت الصحيفة أن يكون إصدار روسيا لإشارة الضوء الأخضر، التي حولت بفضل قوتها الجوية مسار الحرب الأهلية السورية، يستطيع الأتراك أن يوقفوا القوات الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة من توحيد أراضيهم إلى كيان يتمتع بالحكم الذاتي.

وأكدت أنه وسط هذه المشاعر العدائية تجاه تركيا التي تتجه الآن إلى الصين لتعزيز اقتصادها، المتأثر بشكل متزايد بأزمة ميزان المدفوعات، فإنه ليس من الصعب أن رئاسة الحكومة الصينية تحاول أن تجتذب أنقرة إلى مبادرة الحزام والطريق، إلى جانب باكستان وإيران. وذلك ليس مستغربا، بعد أن هيمنت الشعوب التركية على الكتلة الأوروآسيوية المركزية لمدة ألف عام.

ووصفت عدم ثقة الأتراك بنوايا الغرب بأنه شعور لا إرادي، كما يحدث تماما بالنسبة للروس والصينيين، لأن الفكر المتأصل في نفسية الدول الثلاث متمثل في مجموعة من الذكريات عن الطريقة التي كان الغرب يقيم بها الولايات والإمبراطوريات بمنتهى السلاسة، وهو الجزء الذي من الممكن أن يعتمد عليه الرئيس أردوغان في خطاباته المقبلة.

العرب