“ابو درع” واحداث الاعظمية: مخطط محسوب في ظل تغّول الميليشيات الطائفية

“ابو درع” واحداث الاعظمية: مخطط محسوب في ظل تغّول الميليشيات الطائفية

اعمال العنف والشغب الطائفية التي شهدتها منطقة الأعظمية ذات الغالبية السنية بالعاصمة العراقية بغداد، أثناء عبور زوار شيعة يحيون ذكرى وفاة الإمام الكاظم، تكشف عن مدى تغول وانفلات ميليشيات شيعية، بحيث اضحت قيدا على حكومة العبادي، ووسيلة لتصفية الحسابات بين خصوم المذهب السياسيين. وما حدث في الاعظمية، ليس منفصلا عن اعمال ارهابية مارستها هذه الميليشيات، وطالت مناطق عدة وازدادت وتيرتها مع انطلاق معارك طرد “تنظيم الدولة الاسلامية” من المحافظات السنية.

وبنفس السياق تحول الساسة إلى رجال طوائف، يجرون البلاد إلى حال من التفكك لا محالة؛ جراء غياب القدرة على دمج التنوع الديني والاثني ضمن هوية وطنية واحدة بصورة توافقية تجعل الانتماء للوطن في مقدمة الانتماءات والهويات الفرعية الأخرى، وليس العكس إذ لا يصح وضع هذه الانتماءات الفرعية في وضع متعارض مع ذلك الانتماء الأشمل والأعمق. إذ أظهرت صور بثها ناشطون على مواقع التواصل اشتراك أعداد كبيرة من افراد ميليشيات وهم يهجمون على مبنى هيئة الاستثمار التابعة للوقف السني، يتقدمهم عدد من المعممين الشيعة وهم يستقلون سيارات هامر عسكرية، وكشفت الصور ترديد المهاجمين شعارات طائفية تدعو للاقتصاص من سكنة المدينة ووصفهم بأنهم “داعشيون”، في إشارة إلى “تنظيم الدولة الاسلامية”.

وبحسب متابعين للشأن العراقي، فإن أحداث الاعظمية، اريد بها توتير الأوضاع الأمنية وإثارة النعرات الطائفية، للضغط على حكومة العبادي المتهمة من قبل قادة ميليشيات وزعماء كتل سياسية شيعية بالتساهل إزاء السنّة والرضوخ لمطالبهم، ومنها ما يتعلّق بلجم الميليشيات والحدّ من تسيّبها. وبعبارة اخرى لقد بات البعد الطائفي اداة ذرائعية تستدعى بشكل حاد وعنيف لخدمة أغراض سياسية، ما ادى إلى تهجير وقتل الالاف ونهب الممتلكات بعد ان تم توظيفه في خدمة مصالح اقليمية، حرضت باتجاه استهداف المخالف في المذهب، والعمل على بث الفرقة والتشتت بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد في سبيل تحقيق مصالح لهذا المحور الدولي أو الإقليمي أو ذاك. وكان من بين نتائج هذا المناخ الطائفي تشكل الميليشيات كآلية سياسية وحركية بشكل رسمي، تلقت الدعم والتدريب والتمويل من إيران، لتمارس افعالا عدوانية عمقت التنافر المجتمعي.

هذا وشملت أعمال العنف التي شهدتها بغداد إحراق منازل والاعتداء على مبنى تابع للوقف السني في الأعظمية. وبحسب معلومات استخبارية حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية فان العناصر التي قامت بالحرق والاعتداء على هيئة الاستثمار التابعة للوقف السني ولممتلكات مواطنين من اهالي الاعظمية هم من جماعة “ابو درع” وبقيادة شقيقه حليم مع مجموعة تقد بـ 100 شخص، وتفيد المعلومات ان حليم قام قبل 6 اشهر باستئجار قطعة تبلغ مساحتها 5 دوانم لاستثمارها من هيئة الاستثمار في الوقف السني، وبعد ذلك قام بتقطيعها الى قطع مساحة الواحدة منها 200 متر وبيعها، ما استدعى الوقف السني الى تقديم شكوى ضده، وصدر امر بإلقاء القبض عليه.

ولابو درع المسمى “زرقاوي الشيعة” صولات طائفية خلال نشاطه في تنظيم جيش المهدي، غير أن قائمة أصدرتها حكومة نوري المالكي الأولى في 2 تموز/ يوليو 2006 ضمت 41 متهماً بالإرهاب ولم تضم اسمه، ولم تفلح القوات الأميركية في ملاحقته بعد هجوم واسع على مدينة الصدر، وفشلت في اعتقاله، فصدر تعليق رئيس الحكومة نوري المالكي مديناً العملية، قبل أن تعود قواته إلى مدينة الصدر في عملية مماثلة في أبريل 2008.

وبعدها اختفى “أبو درع”، ليظهر  في تشرين الثاني/نوفمبر 2008 في مدينة قم الإيرانية مع أعضاء آخرين في جيش المهدي. وعلمنا من مصادر مطلعة ان عودته الى بغداد بعد سيطرة “داعش” على الموصل، قادما من ايران جاءت بأوامر من قاسم سليماني قائد “فيلق القدس”. الذي اسهم في تدعيم ظاهرة “البلطجية الطائفية” التي تضم أفرادا يفتخرون بقوتهم الجسمانية ولا يتحرجون من استخدام الكلمات البذيئة، ولتحقيق أهدافهم، لابد لهم من التمرد ضد القانون، وهم مستعدون للتضحية بأنفسهم من أجل مقدسات مزعومة، ويعلنون دفاعهم عن الوطن ومواطنيه، ولكن في الخفاء لا يبالون بارتكاب افظع الجرائم بما فيها جرائم الاعتداء الجنسي.

وما اكده قيادي شيعي حول عودة اعتى مجرم في فرق الموت، يميط اللثام عن تطورات المشهد السياسي والامني في البلاد، إذ سيكون حضور “ابو درع” علنيا على عكس تواجده السابق ابان الحرب الطائفية التي دارت بين الاعوام 2006-2008 ويحظى بدعم من قيادات سياسية شيعية نافذة. لكن ترك الميليشيات الشيعية تعيث فساداً ونهباً وحرقاً وتشريداً، ينطوي في احد جوانبه على ترسيخ سياسة ايرانية ساعية الى جعل السنّة في العراق، يشابه حالهم حال اخوانهم في ايران، اقلية مهمشة لا قيمة لها في الحياة السياسية او يكون لهم دور في المساهمة في ادارة البلاد، ليمارس عليها أبشع أنواع الظلم والتمييز.

والتساؤل الذي نطرحه هنا للحكومة، لما يتم التركيز على الفظائع التي يرتكبها “داعش”، بينما يتم اغفال جرائم الميليشيات الشيعية في العراق، وبالذات تلك المرتبطة مباشرة بإيران؟ ومتى ستتحرك الحكومة حيال تجاوزات الميليشيات الطائفية التي اضحت دولة داخل دولة؟ نشير على سبيل المثال لا الحصر الى حادث اقتحام ميليشيا عصائب أهل الحق سجن الخالص بمحافظة ديالى نهاية الأسبوع الماضي بالتنسيق مع ميليشيا بدر وتهريب القيادي بالعصائب جاسم الحسيني المحبوس هناك إلى إيران، وهل سيكون السكوت موقفا ثابتا للحكومة، على ان تتخلله تصريحات باهتة تحيل الاحداث إلى المندسين؟ واين الساسة السنّة الذي اكتفوا بتصريحات خجولة لا ترقى الى مستوى ما حدث؟

امر آخر جدير بالاهتمام، هو أن هذا التهديد الذي تشكله الميليشيات الشيعية لا يخلو من الخطر على الشيعة انفسهم. ففي اليوم الذي يُطرد فيه تنظيم “داعش” من العراق هو اليوم نفسه الذي سيشهد صراعا دمويا آخر نظرا إلى ميل هذه الميليشيات إلى قبض اثمان ما حققوه بالدم، تدعمهم في ذلك إيران، لنشهد فصلا جديدا من صراع شيعي-شيعي، اساسه المزايا المالية والمنافع التي سيتوافرون عليها في حال سيطرتهم على المشهد السياسي العراقي. ومن جهة اخرى فان استمرار التطهير العرقي وعمليات الإعدام الطائفية الجماعية، سوف لن يتوقف، ما يعني دخول البلاد في نفق مظلم آخر من الصراعات المذهبية التي لا نهاية له، تدار مستقبلا من قبل “حزب الله” بنسخة عراقية.

ولعل تعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي بتطويق الفتنة وملاحقة مثيريها، سيكون مثل غيره من التعهدات السابقة، لن يثمر عنه فعل ملموس، او يضع حدا لمسلسل جرائم الميليشيات في تخريب مدن ذات أغلبية سنية وصولا لإفراغ بغداد من أهلها وتغيير ديمغرافيتها. فالرجل لن يقدر على تحجيم شلة المالكي ونفوذه ليثبت الاخير بأنه الحاكم الأمثل للعراق، وان البلد خسر مستقبله وأمنه بتولي العبادي رئاسة الوزراء، فانفلات الاوضاع الامنية جزء من مخطط يراد به تثوير الشارع واثارة النقمة، لجهة غياب الامن وتصدع النسيج الاجتماعي، تلعب فيه الميليشيات دورا رئيسا.

ان عدم التهاون مع المسؤولين عن أعمال العنف الطائفية، يعد مدخلا لإعادة الاعتبار إلى هيبة الدولة وسمعة الحكومة.. فهل سنشهد تعاملا حكوميا حازما مع من يحاول إرباك المشهد الأمني والسياسي لإفشال ما يعتبر “خطوات تصالحية” من حكومة العبادي مع المكوّن السنّي؟ وهل سيتحرك الساسة السنّة باتجاه موقف اكثر شدة واضعين مصالح الناخب فوق كل الاعتبارات المصلحية والمزايا؟ وهل سيقف المنتظم الدولي وجامعة الدول العربية وقفة صارمة تؤمن الحماية للعزل من البطش والتقتيل؟

نطرح هذه الاسئلة وان كنا نعرف الاجابات مسبقا، وتتلخص معظمها في كلمة واحدة “هيمنة ايرانية” شبه مطلقة على العراق، فمن يحكم بغداد سليماني وطاقم ميليشياته.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية