أردوغان عاجز أمام عقاب أميركي يزداد قسوة

أردوغان عاجز أمام عقاب أميركي يزداد قسوة

أنقرة – هوت الرسوم الجديدة التي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه أمر بزيادتها على واردات رئيسية من تركيا بالليرة التركية لتفقد 19 في المئة من قيمتها أمام الدولار في يوم واحد، فيما اكتفى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتفسير الأزمة كونها مؤامرة و”حربا اقتصادية” خارجية على بلاده، وهو ما يعكس قناعة واسعة في الشارع التركي بأن أردوغان دخل معركة خاسرة مع الغرب.

وقال الرئيس الأميركي الجمعة إنه أمر بزيادة الرسوم على واردات من تركيا بحيث تصبح رسوم استيراد الألومنيوم 20 في المئة والصلب 50 في المئة مع تصاعد التوترات بين البلدين العضوين بحلف الأطلسي بسبب احتجاز تركيا لقس أميركي وخلافات دبلوماسية أخرى تتعلق بسوريا أو مساعي أنقرة لشراء منظومة صواريخ إس-400 من روسيا دون مراعاة متطلبات عضويتها في حلف الأطلسي.

وقال ترامب في تغريدة على تويتر صباح أمس “أصدرت للتو أمرا بمضاعفة رسوم الصلب والألومنيوم في ما يتعلق بتركيا في الوقت الذي تتراجع فيه عملتهم، الليرة التركية، تراجعا سريعا أمام دولارنا القوي جدا!”.

وأضاف “رسوم الألومنيوم ستصبح 20 في المئة والصلب 50 في المئة”، مختتما بالتأكيد أن “علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة حاليا”.

وعلى الإثر، تسارع تدهور الليرة التركية مسجلة هبوطا حادا بنسبة 19 في المئة في يوم واحد مقابل الدولار، وتم التداول بها بمستوى 6.6115 ليرة للدولار الواحد في الساعة 13:35 ت.غ، بعدما وصلت إلى 6.87 ليرة للدولار إثر إعلان ترامب.

وكانت إدارة ترامب فرضت رسوما بنسبة 10 في المئة على واردات الألومنيوم و25 في المئة على واردات الصلب من دول العالم، بما في ذلك تركيا منذ مارس الماضي.

وجاء التعاطي التركي مع الإجراءات الأميركية مخالفا لتوقعات المستثمرين الذين يتوقعون اتخاذ السلطات في أنقرة خطوات لوقف حالة التدهور، من ضمنها إجراءات مالية بينها زيادة معدلات الفائدة لكبح التضخم، وأخرى سياسية عاجلة تتعلق خاصة بإطلاق سراح القس الأميركي أندرو برانسون.

وحضّ أردوغان الجمعة الأتراك على تحويل ما يملكونه من عملات أجنبية لدعم الليرة التي تسارع انهيارها إثر دعوته إلى “الكفاح الوطني” في مواجهة “حرب اقتصادية” على بلاده. وقال “أولئك الذين يظنون أنهم سيجعلوننا نركع عن طريق الاحتيال الاقتصادي لا يعرفوننا على الإطلاق”.

ووجه أردوغان في كلمة ألقاها في بايبورت (شمال شرق) ونقلتها شبكة “تي. آر. تي” التلفزيونية الرسمية ما يشبه استغاثة فزع لمواطنيه قائلا “إن كانت لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدخرونه، اذهبوا إلى المصارف لتحويلها إلى الليرة التركية، إنه كفاح وطني”.

ويرى محللون وخبراء اقتصاديون أن مشكلات تركيا تتعمق بفعل القيادة التسلطية بشكل متزايد من قبل أردوغان وآرائه غير التقليدية حول أسعار الفائدة، التي وصفها بأنها “أصل جميع الشرور” من منطلق أنها من الربا.

وتبين أن هذا الرأي يحدث الخلل في السياسة النقدية، ما جعل البنك المركزي التركي يتحرك لاحتواء التضخم، الذي يبلغ الآن نسبة قريبة من 16 في المئة.

وبعد إعادة انتخابه في يونيو الماضي، منح الرئيس نفسه سلطة خولته تعيين محافظ البنك المركزي في تركيا. وقد اعتبر تعيينه اللاحق لصهره براءت ألبيرق ليتولى وزارة الخزانة والمالية، تشديدا لقبضته على السلطة.

وأصر مراد تشيتينكايا، محافظ البنك المركزي، في أواخر يوليو الماضي، على أن المصرف يعمل من دون أي تدخل سياسي، لكن بالنسبة إلى الكثير من المستثمرين تسبب قرار المصرف بإبقاء أسعار الفائدة على حالها، الشهر الماضي، في تقويض ذلك الادعاء.

وقال تشارلز روبرتسون، كبير خبراء الاقتصاد في شركة رينيسانسكابيتال لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية “وصلت الليرة إلى هذا المستوى الرخيص لأن الناس جميعا فقدوا الثقة”.

وتشير جلدم أتاباي شانلي، المديرة السابقة في مركز الدراسات الاستراتيجية لمؤسسة اجيلي آند كو في مقال لها بموقع “أحوال تركية” إلى أن “القضية الشاملة التي تثير إزعاج المستثمرين هي حكم الرجل الواحد”.

وأضافت أن المستثمرين يرون الآن أن تصريحات أردوغان المزعجة لتلفزيون بلومبرغ في مايو، والتي تعهد فيها بتخفيض أسعار الفائدة بعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 24 يونيو، يجري تنفيذها ويعتقدون بشكل متزايد أن الاقتصاد التركي لم يعد في أيد قادرة، لكنه يخضع بشكل مباشر لأهواء الرئيس والمقربين منه.

ومن الواضح أن الفشل في إدارة أزمة الليرة يعكس أزمة أشمل تعيشها تركيا، وقوامها فشل أردوغان في بناء علاقات خارجية تساهم في خدمة الاقتصاد التركي. وخلقت مواقف الرئيس التركي خلال السنوات الماضية توترا مع محيطه الإقليمي أوروبيا وعربيا.

ويقول محللون إن الاقتصاد التركي كان قادرا على امتصاص مخلفات الأزمة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة لو أنه حافظ على علاقات اقتصادية متينة مع الدول العربية، وخاصة دول الخليج، التي كانت أسواقها قادرة على أن تكون بديلا يستوعب المنتجات التركية التي تتعرض الآن للعقوبات، مشيرين إلى أن أردوغان يجني الآن نتائج خياره باستعداء محيطه العربي.

العرب