واشنطن تلجأ إلى “الضغوط القصوى” ضد إيران

واشنطن تلجأ إلى “الضغوط القصوى” ضد إيران

أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تشكيل “فريق عمل حول إيران” هدفه فرض احترام العقوبات الاقتصادية الأميركية ضد طهران، مع المجازفة بفرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بإجراءات واشنطن.

يأتي تكوين هذه المجموعة التي سيديرها براين هوك، المبعوث الخاص لإيران، كتأكيد من الإدارة الأميركية على جديتها في التعامل مع الملف الإيراني ورسالة للحلفاء ومختلف الدول التي انتقدت عودة تنفيذ العقوبات بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.

قال هوك إن الهدف هو فرض احترام الدول الأخرى للعقوبات الاقتصادية على إيران، التي أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب العمل بها بعد انسحابه من الاتفاق النووي الموقع في 2015 بين طهران والقوى الدولية الكبرى.

ويتسق تصريح هوك مع تحذير سابق توجهت به المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناورت، للدول التي انتقدت إعادة تفعيل العقوبات، قالت فيه “تعرفون تحذيراتنا بشأن إيران والتجارة معها، وسنواصل مقاضاة الدول عن أي خرق تقوم به للعقوبات التي نفرضها”.

كما حذّر ترامب عند إعلانه إعادة فرض العقوبات على إيران في بداية الشهر الجاري، الدول التي تواصل مبادلاتها التجارية مع طهران. وقال إن “من يتعامل مع إيران لن يتعامل مع الولايات المتحدة”.

وتحيل مثل هذه التصريحات إلى قراءة ما بين سطور التحركات الأميركية الأخيرة ضد إيران، والتي تتجاوز حدود معاقبة طهران ومواجهة أجندتها في المنطقة، لتكون فصلا من فصول الحرب الباردة المندلعة بين الولايات المتحدة وقوى إقليمية وأطراف دولية أخرى كروسيا والصين والدول الأوروبية.

الإدارة الأميركية نشرت لائحة طويلة من النشاطات التي تطلب من طهران التخلي عنها، وخصوصا دعمها للنظام السوري وحزب الله الإيراني وبرنامجيها النووي

والأسبوع الماضي حذّر ترامب العالم من التعامل التجاري مع إيران، وقال “من يتعامل مع إيران لن يتعامل مع الولايات المتحدة”. وفي الوقت الذي واصل فيه حلفاؤه الأوروبيون التذمر من هذه السياسة، بدا أن الصين والهند وتركيا على استعداد لمواصلة استيراد النفط الإيراني الذي يوفر النقد الأجنبي الذي تحتاجه الحكومة الإيرانية بشدة.

وأعادت الولايات المتحدة في مطلع شهر أغسطس الحالي العمل بمجموعة أولى من العقوبات الاقتصادية ضد إيران، وخصوصا وقف الصفقات المالية واستيراد المواد الأولية وكذلك إجراءات عقابية للمشتريات في قطاعي السيارات والطيران المدني. ومن المنتظر أن تدخل حزمة ثانية من العقوبات حيز التنفيذ مطلع نوفمبر المقبل. ومنذ الأيام الأولى، بدا واضحا تأثير العقوبات الأميركية، فإيران تعاني من نقص الدولار وعملتها تدهورت ما أدى إلى ارتفاع التضخم. وقال هوك إن “هدفنا هو خفض واردات النفط الإيراني لكل بلد إلى الصفر بحلول الرابع من نوفمبر”. وتابع المسؤول المقرب من مستشار الأمن القومي جون بولتون “نحن مستعدون لفرض عقوبات ثانوية” على الدول التي لا تحترم العقوبات الأميركية.

احتجت الحكومات الأوروبية الموقعة للاتفاق النووي، على هذه الإجراءات لكن الشركات الأوروبية انسحبت بسرعة من إيران خوفا من تكرار تجربة بي إن بي باريبا. فبعدما اتهم بمخالفة الحظر الأميركي في بعض الدول مثل إيران والسودان، فرضت على أكبر مصرف فرنسي غرامة قياسية تبلغ 8.9 مليار دولار في 2014 وتعليق بعض نشاطاته في الولايات المتحدة. وأكدت إدارة ترامب مرات عدة أنها لا تسعى إلى تغيير في النظام في إيران بل تريد تغييرا في سلوك إيران. وكرّر هوك ذلك، مشيرا إلى أن خلية العمل الجديدة “مصممة على القيام بجهد عالمي كبير ليغير النظام الإيراني سلوكه”. وتابع “نريد العمل بشكل وثيق بالتزامن مع حلفائنا وشركائنا في جميع أنحاء العالم”.

لا عودة عن قرار العقوبات
لا تراجع على قرار العقوبات

ونشرت الإدارة الأميركية لائحة طويلة من النشاطات التي تطلب من طهران التخلي عنها، وخصوصا دعمها للنظام السوري وحزب الله الإيراني وبرنامجيها النووي ولتطوير الصواريخ واعتقال مواطنين أميركيين.

وقال بومبيو “منذ نحو أربعين عاما تحمّل النظام في طهران مسؤولية سيل من العنف وزعزعة للاستقرار ضد الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا وأيضا ضد الشعب الإيراني نفسه”.

وأضاف أن “الشعب الإيراني والعالم يطالبان بأن تتصرف إيران أخيرا كبلد طبيعي”. وتابع وزير الخارجية الأميركي “أملنا أن نتمكن قريبا من التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، لكن يجب علينا أن نرى أولا تغييرات أساسية في سلوك النظام داخل حدوده وخارجها”.

وردا على سؤال عما إذا كان توقيت الإعلان عن مجموعة العمل تزامن عمدا مع الذكرى الـ65 للانقلاب الذي نظمته وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني السابق محمد مصدق في منتصف أغسطس 1953، قال هوك إن هذا كان “محض صدفة”.

ولم يستبعد هوك الذي أجرى محادثات حول إيران مع مسؤولين بريطانيين وفرنسيين وألمان الأربعاء في لندن، إجراء مفاوضات مباشرة مع القادة الإيرانيين في حال أظهروا “التزاما” بتغيير سلوكهم، وهو أمر يستبعد خبراء حدوثه، استنادا إلى تاريخ إيران، منذ قيام الجمهورية الإسلامية سنة 1979. وعن ذلك، يقول مهدي خلجي الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، “تأمل إدارة ترامب أن تؤدي الضغوط الاقتصادية إلى دفع إيران نحو إجراء تغيير في سياسة النظام، لكن يبدو أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي موافق على ذلك”.

ويشرح خلجي، مشيرا إلى أن “خطة خامنئي تركّز على جعل البلاد أكثر مقاومة للإصلاح والانخراط مع العالم الخارجي، وتعمل على وضع المزيد من القوة بين أيدي أكثر العناصر تشددا. وإذا كان بإمكانه النجاح في هذه الخطة، فإن ذلك سيحدد مستقبل إيران”، كما مستقبل المنطقة عموما.

العرب اللندنية