الترقب: عنوان الحكومة العراقية القادمة

الترقب: عنوان الحكومة العراقية القادمة

بعد إعلان نتائج الانتخابات النيابية العراقية التي جرت في أيار/مايو الماضي، ومعرفة أبرز الكتل الانتخابية التي فازت بها. شهدت –ولاتزال- تشهد  العاصمة العراقية، بغداد نشاطً سياسيّا داخليا وإقليميّا ودوليّا وأمميّا يتمحور حول تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. ونظرًا لأهمية تشكيلها، دخلت المرجعية الدينية العليا في النجف – ولأول مرة- على خط تشكليها، وقد أبدت رأيها في رغبتها أن يكون هناك اسم جديد لم يسبق له أن شغل منصب رئيس وزراء العراق بعد عام 2003م.

 وطالما لم تعد مسألة تشكيل الحكومة العراقية داخلية في عراق ما بعد عام 2003م، فطهران حاضرة في تشكليها عبر نفوذها المتمركز في بغداد، وأنقرة منشغلة أيضا بأمر تشكليلها من خلال إرسال أتباعها إلى بغداد الواحد تلو الآخر. كما أن الرياض تتحرك أيضًا عبر ثامر السبهان وزيرها في وزارة الخارجية الذي حاول أن يجمع سُنة العراق في كيان ورسم له الطريق، ولكنهم ساروا في طريق آخر، وهذا مؤشر فشل على جهوده الدبلوماسية في العراق.

كما أن الراعي الرسمي للنظام السياسي في العراق، الولايات المتحدة الأمريكية حاضرة في شأن تشكيل الحكومة العراقية ولندن وباريس أيضًا، كل حسب ثقله. فواشنطن ولندن لا يخفيا دعمها الدبلوماسي في أن يصبح حيدر العبادي رئيس وزراء العراق القادم. كما تجري مبعوث الأمم المتحدة في العراق يجري مشاوراته مع سفراء دول دائمة العضوية في مجلس الأمن كما يلتقي مع سفراء دول جوار العراق وسياسيون عراقيون، وتتفق رؤية الأمم المتحدة مع واشنطن ولندن في شخصية رئيس وزراء العراق القادم. وفيما يلي عرض مواقف القوى الداخلية والخارجية من تشكيل الحكومة العراقية على النحو الآتي:

أولًا- المرجعية الدينية العليا:

أبلغت المرجعية كل زائريها من العراقيين وغيرهم بأن يكون شخصية مستقلة ولم يسبق له أن شغل منصب رئيس وزراء العراق. وهذا رأي له احترامه من قبل الشرق والغرب، كما أن الشعب العراقي يكن للمرجعية عظيم الاحترام والتقدير. ونعتقد بأن رأي المرجعية في تشكيل الحكومة العراقية هو التوجه السائد.

ثانيًا- إيران:

كانت إيران تطمح بأن تشكل القوى الشيعية الخمس في العراق تحالفًا فيما بينهم، على ضوئه يتم تشكيل الحكومة العراقية القادمة، ولكن الفشل كان نصيب هذا المسعى. ولكن ذلك، لم يمنع إيران عبر الجنرال قاسم سليماني في تشكيل تحالف شيعي يضم ثلاث قوى سياسية على أقل تقدير، يتفاهموا فيما بينهم على شخص رئيس وزراء العراق القادم، على أن يُعرض هذا التفاهم على سُنة العراق والكرد. وقد أجبر فشل إيران في جمع القوى الشيعية الخمس على أن تتحرك في إطار وطني عراقي.

ولا شك أن إيران لديها قوة في المحور الوطني، فبعد فشل مساعي ثامر السبهان في تشكيل قوة سياسية في العراق، فما من شخصية سياسية في العراق انضمت إلى هذا المحور إلا بموافقة إيران، وهذا دليل على تأثير البعد الإيراني في مجمل السياسية العراقية.

ثالثًا- السعودية:

 فعلى الرغم من وجود السفير السعودي في العراق عبدالعزيز الشمري، الذي يحظى باحترام وتقدير كافة القوى السياسية في العراق، إلا أن ملف العراق يُدار من  ثامر السبهان الوزير في الخارجية السعودية. ونظرا لأهمية العراق في السياسية الخارجية السعودية والعمق العربي الذي يمثله هذا البلد، حاولت المملكة العربية السعودية خلال العام الماضي والحالي في تأسيس كيان سُني ومن أجل هذا الغرض عقدت اجتماعات في تركيا ودول أخرى، لكن لم يكتب لهذا الكيان النجاح. الأمر الذي دفع كل شخصية سياسة في انضمام إلى قائمة سياسية أخرى، وبذلك تبعثر الكيان السني.

وبعد هذا الفشل انحصرت جهود ثامر السبهان الوزير في الخارجية السعودية في تقديم الدعم لأحد الشخصيات في الانتخابات النيابية الماضية، الذي لم يكن سوى رقمًا لا قيمة له في تلك الانتخابات. فكيف يقدم دعمًا لشخصية إذا حضرت لا تعد وإذا غابت لا تفتقد؟! رغم أن القيادة السعودية ممثلة في  خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده محمد بن سلمان بن عبدالعزيز التي سعت في إعادة بناء جسور الثقة وتعزيز التعاون الاقتصادي مع العراق في ظل حكومة حيدر العبادي.

 

ثالثًا-تركيا:

ترتكز السياسة التركية الراهنة حول العراق في ثلاث أبعاد في غاية الأهمية الأهمية، الأول: البُعد الأمني: وجود حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية يشكل قضية خلافية في العلاقات التركية العراقية، والأمر يتعدى ذلك حينما نعلم بأن الحكومة العراقية السابقة والحكومة الحالية في بداية عهدها كانت تخصص رواتب لبعض عناصر حزب العمال الكردستاني من الخزينة العراقية!، كما كانت تقدم لهم الملاذ الآمن، وهذا الأمرين يشكل مصدر غضب لدى الحكومة التركية، وهي محق في ذلك الغضب. والثاني: البعد الاقتصادي: كانت – ولاتزال- البوابة الاقتصادية هي البوابة المفضلة لحكومة العدالة والتنمية في تركيا لتعزيز العلاقات السياسية وإعادة تموضع السياسية التركية تجاه الدول العربية، فحاليا هناك تبادل تجاري بين تركيا والعراق يُبلغ 10 مليارات دولار أمريكي وتطمح كلتا الدولتين بزيادة ذلك التبادل، خاصة بعد التراجع القياسي للعملة التركية مقابل الدولار على خلفية الأزمة المتصاعدة بين واشنطن وأنقرة. في أثناء هذه الأزمة المستمرة قام حيدر العبادي رئيس وزراء العراقي بزيارة شجاعة إلى تركيا والتقى برئيسها رجب طيب أردوغان كمظهر من مظاهر مساندة تركيا في أزمتها الراهنة. أما البعد الثالث: فيتمثل بالبعد السياسي: فقد أبلغت الحكومة التركية القوى السياسية في العراق رغبتها في أن يصبح أسامة النجيفي رئيسًا لمجلس النواب العراقي القادم، نظرًا لما يتمع به من صفات أخلاقية وسياسية تؤهله لأن يشغل ذلك المنصب. من هذا يبدو أن العراق محكوم من قبل سياسة المحاور تركيا وقطر من جهة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول بمحور آخر، وإيران كذلك.

رابعًا- واشنطن ولندن والأمم المتحدة:

لا تخفى هذه الفواعل الثلات أن يصبح حيدر العبادي رئيسًا لوزراء العراق في المرحلة القادمة، وقد أبلغوا كل القوى السياسية في العراق بهذا الأمر كما أبلغوا دول الجوار العراقي به. ونظرًا لأهمية هذا الأمر فإن من يقوده في واشنطن وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الامريكي وبريت ماكغورك والسفير الأمريكي في العراق اللذين أجريا لقاءات مهمة في بغداد مع القوى السياسية في العراق التي أبلغوها للانضمام إلى المشروع الوطني العراقي الذي يمثله حيدر العبادي، ولضمان نجاح هذا المشروع اتصل ووزير الخارجية الأمريكي بنيجرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، وهو مؤشر على قوة الكرد في المشهد السياسي العراقي برمته. إذ أبلغ وزير الخارجية الامريكي رئيس حكومة إقليم كردستنان العراق في الانضمام إلى المشروع الوطني العراقي، وبأن إقليم كردستان العراق هو حليف لواشنطن إذا انضم الإقليم له.

وقد أبلغت واشنطن عبر مسؤوليها القوى السياسية العراقية والكردية بأن واشنطن حليف العراق في الانضمام للمشروع الوطني العراقي أما إذا هذا مشروع فشل ونجل مشروع آخر معاد للولايات المتحدة الأمريكية في العراق وذهبت هذه القوى والكرد في مساره، فإن واشنطن سترفع يدها عن العراق أمنيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا كما إنها من الممكن أن تفرض على العراق عقوبات كما فرضتها على حلفاء وشركاء دوليين من قبل، وتركيا مثال بسيط على ذلك.

الخلاصة:

لا نجاف الحقيقة حينما نقول أن المشروع الوطني العراقي هو مشروع خلاص العراق من أزماته فهو مشروع يرضي جميع الأطراف، ويعظم من المكاسب ويققل من الخسائر. فمع هذا المشروع من الممكن أن يستعيد العراق والشعب العراقي عافيته ومن الممكن أن ينعم بالأمن والإستقرار والإزدهار الاقتصادي. إذا تحقق ذلك فإن العراق بما يمتلكه من موقع جغرافي ومكانة السياسية تجعل منه ممرًا طبيعيًا للقاء الشرق بالغرب، هذا المشروع من شأنه أن يطهر أرض العراق من دنس الإرهابيون فلا يهدد دول الجوار ولا هي تهدده. مشروع يضمن سيادة العراق وعدم التدخل في شؤون الداخلية والعكس صحيح.

وإذا صدقت النوايا الدولية والإقليمية في انجاح المشروع الوطني العراقي المعتدل فعليها مسؤولية سياسية في تحقق ذلك، فمن جهتها تتجنب واشنطن حل مشاكلها مع طهران داخل مجلس النواب العراقي، بكلمة أخرى أن تمتنع الدول العظمى والكبرى والإفليمية في تصفية حساباتها مع بعضها البعض على الأرض العراقية، فالعراق ليس المسرح النشط في ذلك.

أما عراقيًا ولكي ينجح المشروع الوطني العراقي على حيدر العبادي رئيس وزراء العراق أن يجري تغييرات في مكتبه ووزرائه والمصرف المركزي، عليه أن ينهي الدولة العميقة في داخل العراق. وفي حال لم يرى هذا المشروع النور، فعلى حيدر العبادي أن سياسي مستقل ليس منتمي لأي حزب سياسي أو أن يكون محسوب على دولة إقليمية بعينها. ومع ذلك تبق فرصة حيدر العبادي في شغل منصب رئيس الوزراء من أقوى الفرص.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية