ماذا بعد نهاية النزاع السوري؟

ماذا بعد نهاية النزاع السوري؟

في تحول مفاجئ مثير للريبة، زعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا أنه قلق بشأن مصير ملايين اللاجئين الذين فروا من المذبحة في سوريا. وفي اجتماع عقد مؤخرا مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أعرب بوتين عن أمله في أن يساعد الاتحاد الأوروبي في إعادة بناء سوريا حتى يتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم. وفي الأسابيع الأخيرة، حمل الدبلوماسيون الروس نفس الرسالة عبر العواصم الأوروبية.

من المؤكد أنه بعد أن استعادة نظام بشار الأسد معظم أراضي البلاد، بدأت الحرب الأهلية في سوريا تنحسر، لكن هذه النتيجة ليست حتمية. على العكس، كان الجيش السوري قريبا جدا من الانهيار في وقت سابق. فقط بمساعدة حاسمة من الميليشيات المدعومة إيرانيا والدعم الجوي الروسي تمكن الأسد من قلب الأمور.

في هذه الأثناء، لم تحقق الجهود الأميركية لإنشاء معارضة مسلحة “معتدلة” سوى القليل، باستثناء قيام وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، وهي فرع من حزب العمال الكردستاني(PKK)  بالسيطرة على قطاع شمال سوريا المتاخم للحدود التركية. الشيء الوحيد المتبقي الآن هو تدمير جيب جبهة النصرة المتبقي في إدلب والتوسط في نوع من التسوية بين وحدات حماية الشعب والأسد.

“سيقول الأسد وحلفاؤه إنهم يحاربون الإرهاب، كما لو كان ذلك يعفيهم من أساليبهم العشوائية والاستهتار المتهور بأرواح المدنيين، لكن الأجيال القادمة سوف تتذكر المصدر الحقيقي للإرهاب الذي تم فرضه على المشرق خلال السنوات السبع الماضية”

لقد نجا الأسد بتكلفة باهظة، ونزح أكثر من نصف السكان السوريين داخليا أو أجبروا على الفرار إلى البلدان المجاورة أو إلى أوروبا. جزء كبير من البنية التحتية السورية -من المجمعات السكنية إلى المستشفيات- تحول إلى أنقاض. وغني عن القول إن اقتصاد البلد قد تم تدميره، بسبب الآثار المباشرةللصراع والعقوبات التي فرضت كجزء من الجهود الفاشلة لإجبار الأسد على التوصل إلى تسوية سياسية.

لم يعان أي بلد آخر في نصف القرن الماضي من خسائر فادحة في الأرواح البشرية والدمار المادي مثلما عانت سوريا. ولا شك أن المسؤولية عن هذه المأساة تقع على عاتق نظام الأسد ومن يؤيده من الروس والإيرانيين، وبالطبع سيقولون إنهم يحاربون الإرهاب، كما لو كان ذلك يعفيهم من أساليبهم العشوائية والاستهتار المتهور بأرواح المدنيين، لكن الأجيال القادمة سوف تتذكر المصدر الحقيقي للإرهاب الذي تم فرضه على المشرق خلال السنوات السبع الماضية.

التكلفة المقدرة لإعادة بناء سوريا تختلف –حسب التقديرات- على نطاق واسع؛ ففي حين وضعت دراسة للبنك الدولي في عام 2017 مقدار 225 مليار دولار، تشير التقييمات الأخيرة إلى تقدير إجمالي يقرب من 400 مليار دولار. ويتوقع آخرون أن يصل المبلغ إلى تريليون دولار، وذلك دون احتساب التكاليف البشرية للحرب.

من الواضح من هجوم بوتين الأوروبي الساحر أن روسيا لا تنوي تحمل أي جزء صغير من الفاتورة. على ما يبدو، لا يشعرالكرملين وكأنه يجب عليه إعادة بناء المدن واستعادة سبل العيش التي دمرتها قنابله.

كما أن الولايات المتحدة غير متحمسة بشكل خاص للمساعدة. في الأسبوع الماضي، ألغت إدارة ترامب 230 مليون دولار لتمويل إعادة إعمار الرقة ومناطق أخرى محررة من داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)، وتأمل الآن أن تدفع السعودية الفاتورة بدلا من ذلك. يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الخطوة حكيمة.

مع تراجع الولايات المتحدة، من الواضح لماذا يريد بوتين فجأة التحدث إلى الأوروبيين حول محنة اللاجئين السوريين. لم يهتم بهم عندما كانت قنابله تسقط على أحيائهم مجبرة إياهم على الفرار، لكنه الآن يريد أن تنقذ أوروبا الأسد، وقد يجد بعض التعاطف.

“لأسباب متعددة فإن آخر ما ينبغي على الأوروبيين فعله هو إرسال الأموال مباشرة إلى الأسد (لإعادة الإعمار) الخيار الأفضل بكثير هو تقديم الدعم المالي المباشر للأفراد والأسر المستعدة والقادرة على العودة إلى بلدها”

لكن ليس من الواضح أن الأسد يريد حتى عودة النازحين السوريين. ويبدو أنه مستعد لاستغلال الوضع لإعادة تشكيل التركيبة العرقية والسياسية للبلد، مما سيجعلها أكثر أمانا لطائفته الأقلية (العلويين). ومن ثم، يمنح قانون جديد اللاجئين سنة واحدة فقط لاستعادة ممتلكاتهم قبل أن تضبطها الحكومة؛ ويبدو أن المتطلبات البيروقراطية الأخرى مصممة للسماح للسلطات السورية برفض الدخول إلى أي شخص لا يعجبهم.

علاوة على ذلك، فقد صرح الأسد صراحة أن الشركات الأوروبية غير مرحب بها للمساعدة في إعادة الإعمار، وأنه ينبغي إعطاء الأفضلية للشركات الروسية. من الواضح أن النظام يستعد للاستفادة من أي مساعدة لإعادة البناء تأتي في طريقه.

كل هذه الأسباب، فإن آخر ما ينبغي على الأوروبيين فعله هو إرسال الأموال مباشرة إلى الأسد. الخيار الأفضل بكثير هو تقديم الدعم المالي المباشر للأفراد والأسر المستعدة والقادرة على العودة إلى بلدها.

في الوقت نفسه، لا ينبغي للاتحاد الأوروبي رفع العقوبات حتى يتم التوصل إلى تسوية سياسية ذات مصداقية بين النظام وقوات المعارضة، ولكن يبقى السؤال المطروح هو هل هذه التسوية ممكنة. حتى الآن، تم إفشال كل اقتراح واقعي من خلال إصرار الأسد على بقائه في السلطة.

من الجيد أن يتذكر الأسد أنه الآن يحكم على حطام بلده، وحتى عندما تسكت المدافع، لن يكون نظامه آمنا. إن عدم قدرته على إحياء وإعادة بناء سوريا سيتركه عرضة للخطر بنفس الطريقة التي رفض من خلالها إجراء الإصلاحات السياسية قبل ثماني سنوات. ليس لأوروبا مصلحة في إنقاذ الأسد من هذه الورطة. لمساعدة سوريا ينبغي إيجاد حل سياسي حقيقي بعد الدمار الذي أحدثه نظام الأسد، لا يوجد طريق آخر إلى الأمام.

كارل بيت

الجزيرة