حشد العبادي أمام حشد المالكي والأكراد بيضة القبان

حشد العبادي أمام حشد المالكي والأكراد بيضة القبان

بغداد – تحولت الجلسة الأولى للبرلمان العراقي الجديد، التي عقدت الاثنين، إلى ساحة للصراع السياسي بين فريقين يسعى كل منهما لتشكيل الكتلة الأكبر، التي تملك حق ترشيح رئيس الوزراء القادم. وبينما بدا أن الساعات الأخيرة في ليل الأحد، كانت حاسمة لجهة ترجيح كفة الفريق الذي يقوده رئيس الحكومة حيدر العبادي، المدعوم أميركيا، حملت ساعات الصباح التالي مفاجأة كبيرة، عندما استعاد الفريق الذي يقوده نوري المالكي، المدعوم من إيران، زمام المبادرة.

وبعد ثلاثة أيام من إقالة فالح الفياض من منصبه كقائد لهيئة الحشد الشعبي، قدم العبادي نفسه رئيسا للهيئة.

وأصدر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء بيانا، الاثنين، جاء فيه “زار القائد العام للقوات المسلحة رئيس هيئة الحشد الشعبي حيدر العبادي مقر الهيئة للاطلاع على الأوضاع فيها”.

وجاء إقصاء الفياض بعدما انشق عن تحالف النصر ودعمه لتحالف الفتح.

وبعد استكمال الإجراءات البروتوكولية للجلسة، التي تضمنت كلمات لرؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان المنتهية ولايته، دشن مجلس النواب الجديد دورة جديدة، بجلسة قادها أكبر النواب الفائزين سنا، حيث أدى الفائزون اليمين الدستورية، ثم فتح الباب لتقديم أوراق الكتلة الأكبر.

ومثلما كان متوقعا، قدم فريق العبادي، الذي يضم فضلا عن ائتلاف النصر، كلا من قائمة سائرون المدعومة من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي وآخرين، أوراقا تؤكد تشكيل الكتلة الأكبر بعنوان “الإصلاح والبناء”، مطالبا رئيس الجلسة باعتمادها.

وتضمنت الأوراق تواقيع زعماء كتل تضم 184 نائبا.

لكن المفاجأة جاءت عندما قدم فريق رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي يضم فضلا عن ائتلاف دولة القانون كلا من تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، والمشروع العربي بزعامة خميس الخنجر، واتحاد القوى بزعامة محمد الحلبوسي ونوابا آخرين منشقين عن قائمتي العبادي وعلاوي، قائمة بتواقيع 148 عضوا في البرلمان، بوصفهم ممثلين للكتلة الأكبر، التي أطلقوا عليها اسم “البناء”.

وفي ظل هذا الوضع، اضطر رئيس الجلسة، إلى رفع الجلسة، ما دفع ممثلي “البناء” إلى الخروج من القاعة، قبل أن يلتحق بهم النواب الأكراد، الذين يفوق عددهم الخمسين.

وحاول ممثلو “الإصلاح والبناء” الإبقاء على نصاب الجلسة، الذي يتطلب وجود النصف زائدا واحدا من أعضاء البرلمان المكون من 329 مقعدا، من دون جدوى.

وقال قياديون في “البناء” إنهم طلبوا من ممثليهم مغادرة جلسة البرلمان لـ”لتكذيب ادعاء الإصلاح والبناء أنها تمتلك 184″. وأضاف هؤلاء في تصريحات لـ”العرب” أن “فريق العبادي لو كان يملك هذا العدد من النواب، لأمكنه تغطية النصاب الذي لا يتطلب تحقيقه حضور أكثر من 165 نائبا”.

وبدا أن فريق العبادي محرجا وهو يعاني تحت ضغط وسائل الإعلام للإجابة على استفسارات تتعلق بكسر النصاب.

وإزاء هذا الواقع اضطر رئيس الجلسة في البرلمان، إلى الاستعانة بالمحكمة الاتحادية العليا المختصة بالفصل في النزاعات الدستورية، إذ وجه لها استفسارا رسميا بشأن طريقة تشكيل الكتلة الأكبر، وما إذا كانت تواقيع رؤساء الكتل كافية لطلب تشكيل هذه الكتلة، أم أن الأمر يتطلب تواقيع جميع النواب المشاركين فيها.

وعلى ما يبدو فإن الساعات الفاصلة بين اتفاق فريق العبادي، ليل الأحد، في منزل الحكيم على تشكيل الكتلة الأكبر، وموعد انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، كانت كافية لفريق المالكي كي يستميل العديد من القيادات السنية.

وعمل الحكيم بقوة طيلة ساعات نهار الأحد ليقنع أسامة النجيفي، الرئيس الرسمي لقائمة القرار التابعة للمشروع العربي بزعامة الخنجر، بدعم فريق العبادي، واعدا إياه بتسليمه رئاسة البرلمان في حال نجح الأمر.

وبالفعل، حضر النجيفي إلى منزل الحكيم ممثلا لتحالف القرار، ووقع على وثيقة الانضمام لكتلة “الإصلاح والبناء”، لكن الغريب أن الخنجر كان حاضرا بنفسه في اجتماع متزامن احتضنه منزل هادي العامري، ليوقع على أوراق الانضمام إلى كتلة “البناء”.

وحدث أمر مماثل مع ممثلي ائتلاف العراق هويتنا، إذ حضر ممثله محمد الكربولي إلى منزل الحكيم ووقع على أوراق دعم العبادي، لكن الجزء الأكبر من أعضاء العراق هويتنا، بينهم محافظ الأنبار محمد الحلبوسي ومحافظ صلاح الدين أحمد الجبوري وغيرهم، كانوا إلى جانب المالكي في منزل العامري، معلنين انضمامهم إلى “البناء”.

وفي ظل هذا التناقض المثير للسخرية، كما وصفه مراقبون، تبادلت القيادات السنية تهما علنية بـ”الخيانة”، إذ يتهم كل طرف منهم الآخر بأنه انقلب على اتفاقات سابقة.

ويأمل العبادي أن تسلك المحكمة الاتحادية، السبيل الذي اتبعته العام 2010، عندما فصلت في نزاع مماثل بين كتلة يتزعمها المالكي وأخرى يقودها علاوي، إذ رجحت كفة الأول، لأنه شكل تحت قبة البرلمان كتلة يفوق عدد نوابها ما تملكه قائمة علاوي.

لكن فريق المالكي يقول إن اعتماد قائمة تواقيع رؤساء القوائم، من دون الأخذ في الاعتبار مواقف النواب المنضوين في هذه القوائم، لا يمثل روح القانون.

وتقول مصادر لـ”العرب” إن “هذا الواقع فرض على ممثلي الولايات المتحدة وإيران في هذا الملف، بريت مكغورك وقاسم سليماني، مواصلة الضغوط، لربح الجولة الحاسمة”.

وسيكون أمام مكغورك وسليماني نحو 72 ساعة فقط، لحسم هذا السباق، إذ لا يمكن تعليق الجلسة أكثر من هذا الوقت، بالرغم من أن الوضع بات حاليا خارج السياقات الدستورية، لا سيما بعد رفع الجلسة الأولى مؤقتا من دون العودة إلى عقدها ورفعها بشكل قانوني.

وسيعيد مكغورك جولته بين القيادات السنية، على أمل تعديل موقفها من العبادي، فيما يحاول سليماني الإبقاء على هذا الانقسام السني، عبر تقديم إغراءات كبيرة، لا سيما وعود بمناصب مهمة لزعماء سنة، بهدف ضمان تأييدهم.

ولن يقتصر السباق بين مكغورك وسليماني على الأوساط السياسية السنية، بل ستكون الساحة السياسية الكردية ملعبا مهما لهما.

وقرر الأكراد ألا يدخلوا ضمن أي تحالف للكتلة الأكبر، لكنهم على استعداد للتفاوض مع أي كتلة تتشكل. ويمكن أن يشكل الموقف الكردي عنصرا حاسما في ترجيح كفة الولايات المتحدة أو إيران، في ملف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

ووفقا لمصادر “العرب”، فإن واشنطن وطهران تعرضان حزمة ضمانات على الأكراد بهدف استمالتهم إلى أي من الفريقين الساعيين إلى تشكيل الكتلة الأكبر. ومن المنتظر أن يعلن الموقف الكردي في غضون يومين.

العرب