إيران تحرق البصرة من أجل إرباك صادرات النفط العراقية

إيران تحرق البصرة من أجل إرباك صادرات النفط العراقية

شذى خليل*

ينبغي الإشارة الى أن معظم شرارات معاناة أهالي البصرة ، كانت سببها إيران ، إذ كانت الشرارة الأولى ، قيام إيران بقطع إمدادات الكهرباء المتعاقد عليها قبل نحو ثلاثة أشهر ، في فصل الصيف الحار الذي تتجاوز درجات الحرارة فيه خمسن درجة مؤية ، والشرارة الثانية ارتفاع ملوحة المياه ، بعد قطع إمدادات نهر الكارون ، وضخ إفرازات المبازل والمياه الملوثة في هور الحويزة ، التي تنتهي سمومها في شط العرب .
ولا يمكن الفصل بين تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ، وانفجار الاحتجاجات والأوضاع الأمنية في مدينة البصرة ، إذ أن التصارع بين الكتل السياسية واضح ، فمنها من تدعو علانية إلى تحرير العراق من النفوذ الإيراني ، ومنها من تدعو الى التقرب الى إيران والتودد لها ، ويستمر سعي إيران في دعمها لتشكيل حكومة موالية لها ، لا تعترف بالعقوبات الأميركية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية ، وإلا سينهار الوضع اقتصاديا وسياسيا داخل ايران ، إذاً الملاذ الوحيد المتبقي أمام طهران هو العراق ، ما يعني أنه لا يمكن لإيران الصمود أمام العقوبات الأميركية غير المسبوقة إلا باستمرار بقاء النافذة العراقية مفتوحة لنفوذها الخاص .
محاولة إيران إيقاف صادرات النفط العراقي :
منذ البداية ، تدرك طهران ، التي تقترب من الاختناق التام ، أن عزم واشنطن على إيقاف جميع صادراتها النفطية سيقطع شريان الحياة الوحيد لديها ، وقد يؤدي إلى ثورة عارمة تنهي نظامها الحاكم ، ويبدو أن صب الزيت على نيران احتجاجات البصرة السلمية ، هو الحل الأنسب والوحيد لإنقاذها من الوقوع في الهاوية ، من خلال استمرار صادراتها النفطية ، وإبقاء العراق مدمرا في قبضة نفوذها الخبيث .
كما ان إرباك صادرات النفط العراقية ، برغم صعوبته ، يمثل أكبر أهداف إيران التي تستميت لتحقيقه ، لأنه يمكن أن يجبر واشنطن على مراجعة قرار تقييد صادراتها النفطية .
لا يمكن استبعاد أن تسعى طهران وميليشياتها في العراق إلى تأجيج الأوضاع في البصرة ، لمواجهة احتمال تشكيل حكومة بعيدة عن نفوذها .
ولن تتوانى إيران عن دفع الانفجار للوصول إلى إرباك صادرات النفط العراقية ، الذي يمكـن أن ينـقذ صـادراتها النـفـطية ، العالم اليوم يجد صعوبة في تعويض التراجع الوشيك في الإمدادات الإيرانية ، التي تبلغ حاليا (2.3) مليون برميل يوميا ، إذا ما انخفضت إلى أقل من مليون برميل يوميا بعد تقييدها في نوفمبر المقبل .
لكن إرباك الصادرات العراقية يمكن أن يضع الاقتصاد العالمي أمام سيناريو خطير ، وقد يدفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة قد تتجاوز (150) دولارا للبرميل ، بسبب عدم وجود طاقة إنتاج إضافية لدى المنتجين لتعويض إمدادات البلدين .
ويمكن لتعطيل صادرات نفط العراق أن يفتت عزم واشنطن على خنق الإمدادات الإيرانية ، لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشكو منذ الآن من ارتفاع أسعار النفط ، ويضغط على منتجي منظمة أوبك لزيادة الإنتاج .
الأزمة الخانقة التي تعاني منها إيران تتفاقم يوما بعد آخر ، بالرغم من أنها لا تزال تصدر النفط والغاز والبتروكيماويات ، ولا تجد طهران اليوم أي أمل لتفادي الاختناق التام ، إلا عبر إحراقها العراق ، الذي يحاول الإفلات من نفوذها .
يستمر أهالي البصرة العراقية بالاحتجاجات ، وتشير أصابع الاتهام الى إيران بتلويث شط العرب من خلال نفايات المصانع والمفاعلات النووية التابعة لها ، جرّاء مخلَّفاتها التي تؤثر على المياه في البصرة ، ما تسبَّب في ارتفاع معدلات تلوث المياه وتسمم المواطنين وسط صمت وإهمال من الحكومة العراقية .
إذ أعلنت مفوضية حقوق الإنسان في العراق في الثلاثين من أغسطس الماضي ، عن توثيق (18) ألف حالة مرضية في البصرة ، من الفئات العمرية كافة ، فيما شملت بعض الحالات عائلات بأكملها نتيجة تلوث المياه ، مؤكدة تسجيلها ما يقارب (1200) حالة يوميًا في عموم المحافظة .
وقدم مجلس محافظة البصرة ، قبل أيام من كتابة المقال ، مشروع قرار لإعلان المناطق التي تُعاني من أزمة الملوحة وتلوث المياه ، مناطق كارثة ، وفق القانون رقم (44) لسنة (2013) ، بهدف أن يترتب عليها الآثار القانونية المنصوص عليها في القانون المدني .
في جميع الجرائم والأزمات ، ينبغي أولا البحث عن المستفيد من وقوعها ، وأن أزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران ، قد ظهرت بوادرها بانهيار العملة الإيرانية ، وتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، التي تعد الضربة القاضية بدخولها المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية ، أي قطع شريان الحياة الاقتصادية الوحيد لها .
ما جعل وصول طهران إلى مرحلة اليأس ، من إمكانية تخفيف قسوة العقوبات للمرحلة الثانية ، حين عجزت حتى الدول المعارضة للعقوبات الأميركية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ، عن إقناع شركاتها بمواصلة التعامل مع طهران ، والتي تسابقت للابتعاد في عملية إجلاء جماعي غير مسبوقة .
وسيعني تشكيل حكومة عراقية تلتزم بالعقوبات ، مضاعفة معاناة إيران ، وربما تسريع انهيار النظام الإيراني .
ولا يبدو أن روسيا والصين يمكن أن تقدما حلولا لأزمة طهران ، في وقت تشتبكان فيه في نزاعات ومفاوضات مع واشنطن على ملفات كثيرة ، ويمكن أن يتخلا عن إيران مقابل تفاهمات تضمن لهما مكاسب خاصة مع الإدارة الأميركية .
البصرة تعيش كارثة إنسانية :
ولم يكن تلوث مياه البصرة وليد اليوم ، إلا أن الأمر تفاقم بسبب الإهمال الحكومي العراقي ، وعدم إيجاد حلول جذرية لحل مشاكل الملوحة ، وتحول تلك المياه إلى مصب للمياه الإيرانية المحملة بالملح ، والنفايات الكيماوية ، وتأثيرات المفاعلات النووية عليها .
وقال عضو مجلس محافظة البصرة كريم الشواك “إن إيران دولة تعمل على مراعاة مصالحها ، وتحتفظ بالمياه داخلياً كونها تملك أراضي زراعية ومحطات توليد كهرباء ومصانع” .
وأوضح الشواك “أن مخلفات المياه لهذه المعامل والمصانع ، تذهب إلى العراق عن طريق الأحواز وشط العرب ، وهذه المياه تحمل مواد ملحية وحشرات ضارة وخاصة تلك التي تخرج من مصانع قصب السكر .
وبين الشواك “أن حاجة مركز محافظة البصرة من المياه فقط ، وفق دراسة إيطالية تم إعدادها بوقت سابق إلى (50) متر مكعب في الثانية ، خاصة في لسان شط العرب ، لكي تتمكن من دفع لسان الملوحة باتجاه البحر ، إذ لا تتجاوز في الوقت الحاضر، (30) مترا مكعبا في الثانية ، وهي كمية قليلة غير كافية لاحتياجات البصرة .
وتشكل النفايات والمخلفات الحربية والنباتية في شط العرب من الجانب الإيراني ، الجزء الأكبر من هذا التلوث ، والذي دفع الحكومة العراقية قبل بضع سنوات ، إلى الاحتجاج على الكارثة البيئية التي تسببها إيران للعراق ، عن طريق تحويل مجرى نهر “الكارون” ، والذي كان يمد شط العرب بكميات كبيرة من المياه ، لكن جرى التعتيم على القضية بسبب ضغوط مارستها أحزاب عراقية موالية لإيران .
وتؤكد مصادر من داخل البصرة ، أن إيران لا تزال تواصل إلقاء نفايات مفاعل “بوشهر” النووي في المياه الواصلة إلى العراق ، مع قلة الإطلاقات المائية عبر نهر الفرات ودجلة ، ما تسبب بملوحة شط العرب ، إلى جانب نفايات المصانع الكيماوية الإيرانية الأخرى .
إذ وصلت نسبة التلوث في شط العرب ، وأنهار البصرة ، أكثر من (80%) ، كما أكدت تجارب مختبرية أجرتها الحكومة المحلية في البصرة قبل مدة قليلة ، أن الوضع يحتاج إلى أكثر من عشرين عاما لمعالجة نسب التلوث .
إيران تقطع مياه نهر الكارون :
منذُ عام ألفين واثنين بدأت إيران بإنشاء سدود على نهر “الكارون” ، ما أدى إلى تراجع في منسوب مياه الشط ، وارتفاع نسب التلوث والملوحة ، في منطقة الأحواز المتاخمة للحدود العراقية ، ما أدّى لانخفاض كميات المياه الواصلة لشط العرب ، مع تحوّل مسار النهر ليصب في نهر آخر داخل الأراضي الإيرانية .
كانت معدلات مياه نهر الكارون التي تتدفق على شط العرب ، تتجاوز (765 متر مكعب/ثانية) في ثمانينيات القرن الماضي ، بينما لا تتجاوز حاليًا (50 متراً مكعباً/ثانية) ، كما أن تكدّس النفايات الكيماوية والعضوية ، أثر بشكل واضح على تلك المياه ، في الوقت نفسه لم نجد أي تدخل من قبل السلطات العراقية لمنع الكارثة .
وقال خبير ومفاوض في دائرة الموارد المائية بالبصرة “إن الجانب الإيراني لطالما كان مراوغًا في المفاوضات التي تجري بين العراق وطهران ، بالأخص بعد موجة الجفاف التي ضربت العراق ، بشأن فتح مياه نهر الكارون على شط العرب ، لتقليل اللسان الملحي الذي بدأ يزحف ويأخذ مساحة واسعة من المياه الداخلة للبصرة”.
إلا أنه لا توجد نوايا حسنة من قبل الإيرانيين ، فهم يعدوننا بأشياء جيدة خلال المفاوضات ، وحينما نعود للبلاد ، يتم عكس ذلك ، وهذا الأمر يتكرر في كل جلسة تفاوضية ، ففي الحقيقة هم لا يعنيهم ما يحدث أو ما تشهده البصرة ، بقدر إنجاح مشاريعهم ومصالحهم الخاصة على حساب أهلنا في البصرة .
أما الوضع الصحي في البصرة ، فقد أكد أطباء من محافظة البصرة ، انه يتجه نحو كارثة حقيقية ، وربما يتحول الى أوبئة لا يمكن السيطرة عليها ، ويحتاج هذا الأمر إلى جهود حقيقية وكبيرة على الصعيد المحلي والدولي ، سيما بعد توقف ضخ المياه في عدد من المشاريع المائية الكبيرة ، بعد اكتشاف وجود طحالب سامة فيها .
إذ ارتفعت فيها – أي البصرة – الإصابة بالأورام السرطانية والفشل الكلوي ، وفق ما ذكره أطباء في مستشفى الفيحاء وسط مدينة البصرة ، مؤكدين أنهم يتلقون على مدار الأسبوع حالات مرضية أغلبها التسمم والسرطان ، وتعتبر البصرة من أكثر المدن تسجيلًا للإصابة بهذه الأمراض الخطيرة .
واتهمت وزارة الموارد المائية العراقية في عام ألفين وعشرة ، طهران بقطع عشرات الروافد المائية عن العراق ، وقذف مياه البزل المالحة والثقيلة في شط العرب ، والتي أدت إلى انخفاض منسوب المياه ، بشكل كبير خلال السنوات اللاحقة ، ما أدى إلى ارتفاع الملوحة ، والتي أثرت على الإنسان والحيوان والزراعة على حدّ سواء .
ويرى نشطاء بصريون ، أنّ استمرار أوضاع البصرة مثلما هي عليه الآن ، سوف يدفع المدينة إلى الموت سريعًا ، فيما اعتبروا إيران أبرز أسباب خراب البصرة ودمارها ، في أكثر من ناحية ، آخرها رمي نفايات خطيرة تُسبب أمراضًا في دولة جارة .
وقال الناشط والمدون نسيم شهاب “إن الأعراف الدولية ترفض كل ما تفعله إيران في البصرة ، سيما ما يتعلق بالنفايات النووية التي تحملها المياه الداخلة إلى البصرة” .
وأضاف شهاب ، كنا نتجرع السم طوال السنوات الماضية ، دون أن نشعر ، وأن السكوت عن تلك الكوارث ، من قبل المسؤولين ، يجعلهم شركاء في هذه الجريمة التي نتعرض لها ، الفساد أوصلنا إلى هذه المرحلة ، لو كانت لدينا حكومة شجاعة لوقفت بوجه إيران ، وأوقفتها عند حدها ومنعتها من إيذاء البصرة” .

وحدة الدراسات الاقتصادية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية