الغاز الإسرائيلي يقترب من الشاطئ، لكن التحديات مستمرة

الغاز الإسرائيلي يقترب من الشاطئ، لكن التحديات مستمرة

تحت أنظار مجموعة صغيرة من المتظاهرين البيئيين المخيمين على الشاطئ الإسرائيلي “دور”، يضع المهندسون اللمسات الأخيرة على خط أنابيب مخصص لحقل “لڤياثان” البحري للغاز الطبيعي التابع لإسرائيل. وسيتم وصل الخط الواقع بين تل أبيب وحيفا بشبكة تنقل أساساً الغاز من حقل غاز “تامار” الأصغر حجماً إلى محطات توليد الطاقة والمنشآت الصناعية المنتشرة في جميع أنحاء إسرائيل. وعلى بعد ثلاثين ميلاً إلى الشرق، يعمل مهندسون آخرون على خط أنابيب سيعبر إلى الأردن، حيث من المتوقع أن يولّد غاز “لڤياثان” القسم الأكبر من الطاقة الكهربائية في المملكة ابتداءً من عام 2020.

وقد تمت مناقشة بدائل أخرى مختلفة فيما يتعلق بالغاز الإسرائيلي، ومنها خط أنابيب محتمل تحت سطح البحر يصل إلى قبرص واليونان وإيطاليا، إلا أن مسارات [نقل الغاز من] حقل “لڤياثان” التي بات إنجازها قريباً هي أكثر الخيارات الواعدة للمستقبل القريب. كما يمكن تطوير حقول أصغر حجماً في المنطقة الاقتصادية الحصرية البحرية لإسرائيل، لكنها أقل حجماً بكثير من نطاق حقل “لڤياثان”، في حين يُعتبر التنقيب عن الغاز في المنطقة الشمالية محدوداً بسبب عدم وجود حدود بحرية معترف بها مع لبنان. والآن بعد أن أصبح الاستغلال الكامل لحقل “لڤياثان” حقيقة واقعة، فإن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا، ما هي خيارات التصدير التي يقدمها، وما هي العقبات التي قد تبرز لإحباطها؟

الوضع الحالي لـ “لڤياثان”

على الرغم من صغر حجم احتياطات الغاز الإسرائيلية على الصعيد العالمي، إلا أن الأرقام المرتبطة بحقل “لڤياثان” قد تغير قواعد اللعبة في المشرق. ففي بداية أيلول/سبتمبر الحالي، وصفت الشركة الأمريكية “نوبل إينرجي” هذا الحقل الذي اكتشفته عام 2010، بأنه “خزان رائع”. ويُقدَّر أنّه يحتوي على أكثر من 22 تريليون قدم مكعب من الغاز. ولوضع هذا الرقم في سياقه الصحيح، يضم حقل “تامار” 10 تريليونات قدم مكعب فقط من الغاز، إلا أنه يؤمّن حوالي 60 في المائة من الطاقة الكهربائية لإسرائيل وسيستمر في القيام بذلك لسنوات عديدة.

وبالتالي، عندما يبدأ تشغيل حقل “لڤياثان”، فسيُمكّن إسرائيل بأن تصبح دولةً مصدّرةً للغاز. وقد سبق وأن تم مد خطوط الأنابيب من “لڤياثان” الذي يقع على بعد 80 ميلاً تقريباً من الشاطئ وعلى عمق 6 آلاف قدم؛ وتنتظر هذه الخطوط وصلها بمنصة إنتاج يجري استكمالها حالياً في تكساس. ومن المقرر أن يتم جر إطار المنصة عبر المحيط الأطلسي قريباً، لينطلق في رحلته في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر ويصل في بداية العام المقبل. وحينما يكون على مسافة تقرب من ستة أميال من الشاطئ، سيتم تحميله بوحدات معالجة من أجل تنظيف الغاز وتجفيفه قبل وصوله إلى الشاطئ.

الخلاف والجدل

على الرغم من الاحتمالات التي يشكلها توفير الغاز الإسرائيلي لأمن الطاقة، فإن تطوير احتياطياته قد تَميَّز بنقاش مفعم بالحيوية على المستويين السياسي والعام. وكان من المزمع أساساً أن يبدأ تشغيل حقل “لڤياثان” في عام 2017. وتمت تهدئة المخاوف الأولية بشأن هيمنة شركة “نوبل إينرجي” في قطاع الغاز عندما قامت الشركة ببيع بعض من أسهمها في حقول أخرى وقلصت حصتها في حقل “تامار”. كما أثار شركاؤها الإسرائيليون، بمن فيهم شركة “ديليك”، جدلاً سياسياً أيضاً، حيث زعم المعارضون أن اتحاد الشركات كان يتفاوض على سعر مرتفع جداً للغاز.

وفي غضون ذلك، يدّعي أنصار حماية البيئة – بمن فيهم المخيّمون على شاطئ “دور” وبضعة آلاف من المتظاهرين الآخرين الذين تجمعوا في وسط تل أبيب في الأول من أيلول/سبتمبر وفقاً لبعض التقارير – أن وضع منصة غاز على مسافة قريبة جداً من الشاطئ يُعتبر أمراً خطيراً بما أن السائل المكثف المستخرج في عملية التنظيف قد يتدفق نحو المياه المحلية. وفي المقابل، يدافع هؤلاء عن منشأة عائمة تقع مباشرةً فوق حقل “لڤياثان”. ومع ذلك، يبدو أن مجموعة من الاعتبارات الهندسية والأمنية تتفوق على حججهم، إذ يعتقد البعض أن خطر السائل المكثف مبالغاً فيه وأنه سيتم التخفيف منه من خلال التدابير الخاصة بالسلامة. فالمنصة المزمع تثبيتها تُعتبر أكثر عملية بكثير من منشأة عائمة ويجب أن تكون قريبةً من الشاطئ قبل انخفاض قاع البحر بصورة حادة. كما يمكن الدفاع بشكل أفضل عن منصة قريبة من الشاطئ ضد الصواريخ والتهديدات البحرية. على سبيل المثال، خلال حرب غزة عام 2014 سقطت صواريخ «حماس» بالقرب من شاطئ “دور”، كما أنّ الترسانة الضخمة لصواريخ «حزب الله» في لبنان هي أكثر قرباً.

وثمة مصدر قلق آخر هو واقع إمكانية رؤية المنصة من الشاطئ، خاصة بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يعيشون في البلدة الراقية “زخرون يعقوف” الواقعة على هضبة ساحلية. ولكن السكان يعيشون هناك منذ عقود ولديهم نظرة مماثلة قريبة تجاه محطة توليد الكهرباء في “الخضيرة” التي تعمل على الفحم الحجري ومداخنها الأربعة العملاقة. ومن المتوقع أن تَغلق هذه المحطة أبوابها في غضون أربع سنوات. إن النظرة الأكثر تمثيلاً لمستقبل الطاقة في إسرائيل، هو محطة “حاغيت” لتوليد الطاقة التي تعمل على الغاز، والتي يمكن رؤيتها أيضاً من بلدة “زخرون يعقوف” ولكنها تقبع في رقعة مخفية في التلال الشرقية.

إعادة العمل بخطوط الأنابيب القديمة

بما أن تطوير حقل “لڤياثان” لن يكون مجدياً من الناحية الاقتصادية إلا إذا استطاعت إسرائيل تصدير معظم الغاز الذي يحويه، فمن الضروري تأمين طرق [نقله] إلى الأردن ومصر. ويُجنّب استخدام خطوط الأنابيب القائمة نفقات إنشاء خطوط أنابيب جديدة أو بناء محطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال على الساحل، الأمر الذي سيولّد مخاوف بيئية أخرى. وسيكون جزء خط الأنابيب الذي يمتد إلى الأردن جديداً، إلا أنه سيستخدم حق المرور الذي تم إنشاؤه أصلاً من خلال خط الأنابيب القديم الممتد من كركوك إلى حيفا الذي كان يصدّر النفط العراقي بين عامي 1935 و1948، وهو السبب الذي دفع إلى بناء مصفاة في حيفا، التي هي الأكبر في إسرائيل حالياً.

وعند وصوله إلى الأردن، سيتصل الغاز المتدفق الآتي من حقل “لڤياثان” بـ “خط أنابيب الغاز العربي” القديم الذي كان ينقل إمدادات من مصر إلى الأردن وسوريا ولبنان حتى عام 2013، عندما أدّت الفوضى السياسية في القاهرة إلى تعطيل عمليات التصدير. ويبدو أن الخطة تعتمد حالياً على إرسال الغاز من حقل “لڤياثان” إلى مصر عبر هذا الطريق الدائري، نزولاً باتجاه خليج العقبة وصعوداً عبر شبه جزيرة سيناء. ويُعدّ عكس اتجاه المضخات وإعادة تأهيل خط الأنابيب أقل تكلفةً بكثير من بناء خط أنابيب جديد.

ومن التطورات المحتملة الأخرى اقتراح يقضي بإرسال الغاز الإسرائيلي من حقل “تامار” (ولاحقاً من حقل “لڤياثان”) إلى مصر على طول “خط أنابيب غاز شرق المتوسط” القديم الذي كان يُستخدم لإرسال الإمدادات من العريش إلى عسقلان حتى عام 2013. ففي 30 آب/أغسطس، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة “ديليك” أساف بارتفلد أن “المفاوضات حول شراء خط أنابيب شركة «إي إم جي» مستمرة”. وفي 5 أيلول/سبتمبر، صرح رئيس مجلس إدارة شركة “نوبل إينرجي” ديفيد ستوفر أن “العمل جارٍ على تعزيز الوصول إلى مصر” وأن “التحديثات والأخبار” المتعلقة بتلك الجهود ستصبح متوفرة “عما قريب”.

التحديات المستقبلية

يذكّر تعطّل تدفق الغاز المصري إلى إسرائيل والأردن بعد الإطاحة بنظام مبارك بأنّ ترتيبات الطاقة الناشئة في المنطقة هي دائماً عرضة للمخاطر السياسية. ومنذ ذلك الحين أصبحت إسرائيل أحد مورّدي الغاز الأكثر موثوقية للأردن، ووفقاً لشركة “نوبل إينرجي”، لم تؤدي الاكتشافات البحرية الأخيرة في مصر إلى تقليل الطلب المحلي للغاز الذي لا ينضب على ما يبدو. ومع ذلك، لا يزال الرأي العام في البلدين سلبياً للغاية تجاه إسرائيل، ويُعد التعاون في مجال الغاز هدفاً متكرراً لهذا الاستياء.

ويبدو أنّ الحكومة المصرية الحالية على استعداد تام لشراء الغاز الإسرائيلي، غير أن الطريق المفترض لمثل هذه الإمدادات- شمال سيناء – لا يزال يشكل مصدر قلق أمني. فقد تعرض جزء خط الأنابيب الواقع في سيناء لهجمات الجهاديين منذ خمسة أعوام، وفي حين تدّعي القاهرة أنها جددت جهود مكافحة الإرهاب هناك، إلّا أن عليها أن تُظهر نجاحاً طويل الأمد.

كما أن التوترات المستمرة بين إسرائيل، و«حماس» و«حزب الله» يمكن أن تنفجر وتفضي إلى جولة جديدة من الأعمال العدائية في أي وقت. وقد تمكنت الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية من تفادي أضرار كبيرة في البنى التحتية في الجولات السابقة، إلا أنها قد تفشل في النزاعات المستقبلية مع مواجهتها المزيد من القذائف (أو قذائف أكثر دقة).

ومع ذلك، يبدو أن مشروع حقل “لڤياثان” قد أوشك أخيراً على الانتهاء. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، هناك سبب إضافي للاحتفال وهو أن هذا المشروع يجمع بين الأعمال والتقنية الأمريكية وبين الجهود الدبلوماسية الهادئة التي تقوم بها واشنطن لمساعدة شركائها الإقليميين على العمل معاً.

سايمون هندرسون

معهد واشنطن