المركزي التركي يبتعد عن أردوغان برفع الفائدة إلى 24 بالمئة

المركزي التركي يبتعد عن أردوغان برفع الفائدة إلى 24 بالمئة

لندن – فاجأ البنك المركزي التركي المستثمرين والأسواق بزيادة كبيرة في أسعار الفائدة في محاولة لمنع انهيار الليرة وغليان التضخم واستعادة ولو جزء ضئيل من ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية العالمية.

ورفع البنك سعر الفائدة الأساسي بنسبة 6.25 بالمئة دفعة واحدة لتصل مستويات فلكية عند 24 بالمئة، وهو ما يزيد على توقعات المحللين في استطلاع أجرته وكالة بلومبيرغ ورجح زيادتها إلى 21 بالمئة.

واستغرب المراقبون القرار لأنه جاء بعد ساعات من تجديد الرئيس رجب طيب أردوغان، موقفه المعارض لرفع أسعار الفائدة، رغم أنه الحاكم المطلق الذي يمسك بجميع مؤسسات الدولة منذ التحول إلى النظام الرئاسي بعد الانتخابات الأخيرة.

ويشير القرار إلى تحول تجميلي مصطنع لتبادل الأدوار بين أردوغان والبنك المركزي وزوج ابنة أردوغان وزير المالية براءت البيرق، الذي عبر مؤخرا عن مواقف تختلف عن مواقف الرئيس.

ويرى محللون أن القرار يكشف أن أردوغان اضطر أخيرا إلى تجرع العلاج المر، بعد أن فشلت تصريحاته الاستعراضية التي تؤكد متانة الاقتصاد التركي وقدرته على الانتصار في الحرب التي تقودها الدول الغربية على حد تعبيره.

وقد ارتفعت الليرة أمس بنحو 5 بالمئة بعد قرار البنك المركزي لكنها عادت وفقدت معظم مكاسبها بعد ساعات، في مؤشر على أن الأسواق حولت انتباهها إلى التداعيات الجانبية لرفع أسعار الفائدة وإلى مخاطر انهيار الاقتصاد التركي.

ورغم حاجة الاقتصاد التركي الملحة إلى تلك الزيادة الكبيرة في أسعار الفائدة لوقف انحدار الليرة وارتفاع التضخم الذي من المرجح أن يزيد على 20 بالمئة في الشهر الحالي، إلا أن القرار يمكن أن يسقط الاقتصاد في دوامة ركود يصعب الفكاك منها.

وتزيد أسعار الفائدة من أعباء الديون الهائلة التي ترزح تحتها الشركات التركية، والتي تدفع آلاف الشركات أسبوعيا إلى الإفلاس، لتنتقل أعباؤها إلى تهديد النظام المصرفي التركي.

وقد أظهرت بيانات تركية رسمية الأسبوع الماضي إفلاس 10272 شركة في شهر يوليو لوحده، إضافة إلى فقدان منشآت آلاف الوظائف. ومن المرجح أن تتسارع تلك الوتيرة بعد زيادة أسعار الفائدة.

وتخشى الأسواق من انفجار فقاعات كبيرة لا تقتصر فقط على القطاع العقاري، في ظل وجود عدد كبير من المشاريع المرهونة إلى تمويل أجنبي تزيد نسبته أحيانا على تسعين في المئة.

وأصبحت ديون معظم الشركات التركية أكبر من قيمتها السوقية بعد فقدان الليرة لأكثر من 40 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الحالي، وهو ما يدفعها إلى التسابق لإعلان الإفلاس.

كما أن أسعار الفائدة المرتفعة والأوضاع الاقتصادي المتردية ستؤدي إلى شلل الاقتراض لتمويل مشاريع جديدة، الأمر الذي يمكن أن يوقف الكثير من النشاطات الاقتصادية.

ويجمع الخبراء على أن الاقتصاد التركي يقترب من السقوط في دوامة ركود تضخمي يصعب الفكاك منه، حين يبدأ الاقتصاد بالانكماش في موازاة ارتفاع الأسعار وأن يستمر ذلك لفترة طويلة.

ويقول محللون إن قرار البنك المركزي جاء متأخرا جدا وبعد فوات الأوان. وكان البنك قد امتنع عن رفع الفائدة منذ مطلع يونيو وسط قلق الأسواق من أن يكون أردوغان هو من يملي سياسة البنك المستقل شكليا.

وقال البنك أمس إن التطورات المتعلقة بالتضخم تشير إلى “مخاطر كبيرة على استقرار الأسعار” نظرا للتراجع الأخير لسعر صرف الليرة. وأكد أنه “سيستمر في سياسة التشدد النقدي إلى أن تظهر آفاق التضخم تحسنا ملحوظا”.

وعلى البنك أن يهدئ المخاوف المتعلقة بتراجع النمو، الذي أظهر مؤشرات ضعف رغم أدائه القوي في الربع الثاني من العام مقارنة مع العام الماضي، وسط ترجيح المحللين أن تتجه تركيا نحو الانكماش.

وكان أردوغان قد شن هجوما لاذعا على البنك قبل اتخاذ قراره بساعات. وجدد وصف معدلات الفائدة بأنها “أداة للاستغلال” متهما البنك بعدم كبح التضخم بخفض أسعار الفائدة، ما يناقض جميع القواعد الاقتصادية.

وفي مسعى لدعم العملة المتهاوية، وقع أردوغان أمس مرسوما رئاسيا ينص على أن تكون جميع العقود المتعلقة بالعقارات بالليرة التركية وحدد مهلة 30 يوما لتغيير العقود الحالية، وهو ما يمكن أن يفاقم مخاوف المستثمرين.

ويرى المحللون أن تدهور الليرة الشهر الماضي نجم عن مخاوف متعلقة بالسياسة الداخلية وإصرار أردوغان على التدخل في السياسات المالية والاقتصادية، إضافة إلى أزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة.

وتدهورت العلاقات مع الولايات المتحدة الشهر الماضي بعد إعلان واشنطن فرض عقوبات على وزيرين تركيين على خلفية احتجاز قس أميركي، وضاعف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرسوم على الصلب والألمنيوم المستورد من تركيا.

العرب