الطريقة الذكية لمعاقبة الميليشيات المدعومة من إيران في العراق

الطريقة الذكية لمعاقبة الميليشيات المدعومة من إيران في العراق

في 19 أيلول/سبتمبر، سيطرح مجلس النواب الأمريكي “قانون العقوبات على التنظيمات الإرهابية الوكيلة لإيران” الذي يدعو إلى فرض عقوبات أمريكية على اثنتين من الميليشيات العراقية الخاضعة لسيطرة إيران، هي «عصائب أهل الحق» و «حركة حزب الله النجباء» [أو «العصائب» و «حركة النجباء» على التوالي]. وفي حال إقراره، سيتطلب التشريع أيضاً احتفاظ وزارة الخارجية الأمريكية بقائمة علنية عن الجماعات المسلحة التي يموّلها «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، أو تخضع لسيطرته، أو نفوذه.

ويأتي مشروع القانون في أعقاب التحذير الذي وجّهه البيت الأبيض إلى طهران في 11 أيلول/سبتمبر بشأن كبح جماح مليشياتها التي  تعمل بالوكالة عنها بعد أن تعرّضت المنشآت الدبلوماسية الأمريكية في العراق لضربات صاروخية متعاقبة. ففي 7 و 8 أيلول/سبتمبر،  تم إطلاق ثلاثة صواريخ من عيار 107 ملم وصاروخ آخر من عيار 122 ملم من شرق بغداد باتجاه مجمع السفارات في بغداد بعد ساعات قليلة من قيام المتظاهرين بإحراق القنصلية الإيرانية في البصرة. وفي 8 أيلول/سبتمبر، انهار وابلان إضافيان من الصواريخ من عيار 107 ملم على القنصلية العامة للولايات المتحدة الواقعة بمحاذاة مطار البصرة. ولم يتم الإبلاغ عن وقوع أي إصابات أو أضرار، ومن غير الواضح ما إذا كانت الصواريخ تستهدف ضرب المنشآت الأمريكية أو الأراضي القريبة منها من باب التحذير. وأشار بيان البيت الأبيض إلى أن “الولايات المتحدة ستعتبر النظام في طهران مسؤولاً عن أي هجوم ينتج عنه وقوع إصابات بين أفرادنا أو أضرار بمرافق حكومية أمريكية. وسوف ترد الولايات المتحدة بسرعة وحسم دفاعاً عن أرواح الأمريكيين”.

لماذا تتم معاقبة هذه الجماعات العراقية؟

تأسست حركة «عصائب أهل الحق» من أحد فروع «جيش المهدي» التابع لمقتدى الصدر بين عامَي 2006 و2007، وكانت في طليعة الهجمات المنفّذة ضد قوات التحالف في العراق خلال تلك الفترة. وشملت تلك الضربات الغارة التي شُنَّت على مقر محافظة كربلاء في كانون الثاني/يناير 2007، حيث قتل خمسة جنود أمريكيين، وعملية اقتحام وزارة المالية في أيار/مايو 2007، التي أدت إلى مقتل أربعة رهائن بريطانيين. ومنذ أواخر عام 2012، كانت الحركة ترسل قوات تابعة لها إلى سوريا لدعم نظام الأسد. وتخضع «عصائب أهل الحق» لسيطرة إيران ولقيادة قيس الخزعلي، الذي هو رجل دين بارز كان يعمل سابقاً قائداً عسكرياً تحت إشراف الصدر.

أما «حركة حزب الله النجباء» فقد انشقّت عن «عصائب أهل الحق» في أواخر عام 2012 وتعمل تحت قيادة أكرم الكعبي. وبإيعازٍ من طهران، لعبت الحركة دوراً رئيسياً في تجنيد مقاتلين شيعة عراقيين للحرب في سوريا. وفي عام 2013، كررت التهديد نفسه الذي وجهته «عصائب أهل الحق» ضد المرافق الأمريكية في العراق إذا ما ردّت واشنطن على هجمات الأسلحة الكيميائية التي كان يشنها نظام الأسد في البلد المجاور. وفي آذار/مارس 2017، أنشأت الحركة «جيش تحرير الجولان» دعماً لأهدافها بإعادة هضبة الجولان إلى سوريا والقضاء على إسرائيل.

مخاطر فرض العقوبات على الفور

لدى الحكومة الأمريكية سبب كاف لتصنيف كلا التنظيمَيْن كيانيْن إرهابييْن. فمعاقبة الميليشيات المتورطة في مقتل الجنود والدبلوماسيين الأمريكيين قد أُغفلت إغفالاً فادحاً طوال سنوات، شأنها شأن استثناء «حركة النجباء» من التصنيف على الرغم من قيام وزارة الخزانة الأمريكية بإدراج الكعبي شخصياً على قائمة الإرهاب منذ عام 2008. وتوفّر تقارير الاستجواب التي رُفعت عنها السرّية مؤخراً أدلةً واضحةً وأساساً منطقياً لفرض عقوبات جديدة.

وربما تعتقد واشنطن أن نزع الشرعية عن هذه التنظيمات أصبح أمراً ملحّاً بشكل خاص في أعقاب الانتخابات النيابية الأخيرة في العراق، والتي زاد فيها عدد مقاعد «عصائب أهل الحق» من مقعد واحد إلى خمسة عشرة مقعداً. ومن شأن العقوبات الجديدة أن تمنع أعضاء «العصائب» من الاضطلاع بدور بارز في الحكومة العراقية المقبلة. فعلى سبيل المثال، خلال السنوات التي أعقبت تصنيف أبو مهدي المهندس والميليشيا التابعة له «كتائب حزب الله» على قائمة الإرهاب في عام 2009، اكتسب المهندس نفوذاً على بعض المستويات (على سبيل المثال، تم تعيينه لإدارة شبكة ميليشيا «قوات الحشد الشعبي» التابعة للحكومة)، ولكن دوره السياسي [اضمحلّ] وتم تحديده بشكل ملحوظ. ولم يلق تشجيعاً بالترشح للانتخابات النيابية أو تولّي منصب وزاري حيث قد يؤثّر هذان المنصبان على قيود السفر الدولية المفروضة عليه. وربما تأمل واشنطن أيضاً أن يؤدي تصنيف «عصائب أهل الحق» و «حركة حزب الله النجباء» على قائمة الإرهاب إلى تشجيع عناصرهما على تركهما لكي يبقوا مؤهلين للانضمام إلى قوات الأمن العراقية التي تعتمد على التدريب المقدّم من الولايات المتحدة والذي يمكن أن يتوقف بسبب انتماء العناصر إلى مثل هذه التنظيمات.

ومع ذلك، قد تترتب عدة عواقب سلبية من فرض العقوبات على هذه التنظيمات على المدى القريب. ومن شأن القيام بذلك أن يخاطر بردّ فعلٍ عكسي في مرحلة حساسة بشكل خاص في العراق. فالمسؤولون في طريقهم إلى تشكيل حكومة جديدة، لذلك من المرجح أن تتمكّن إيران وشركاؤها السياسيون من التلاعب بأي تصنيفات إرهابية أمريكية واستغلالها لصالحهم من خلال تصويرها كاعتداء على السيادة العراقية. وبالتالي من الممكن أن تأتي العقوبات الجديدة بنتائج عكسية، مما يعزز حركات الميليشيات والقادة المدعومين من إيران في الوقت الذي تحاول فيه القوى السياسية والدينية إضعافهم. هذا ومن الممكن أن تؤدي معاقبة «عصائب أهل الحق» و «حركة حزب الله النجباء» إلى توحيد عناصر التنظيمَيْن، مما يؤدي إلى تقويض الخطط المفترضة للحكومة العراقية المقبلة بإبعاد هؤلاء العناصر عن تنظيمَيْهما.

وحالما يتم تشكيل الحكومة المقبلة، قد تلمس واشنطن حماساً أكبر لدى بغداد لفرض عقوبات على قادة الميليشيات أمثال الخزعلي. فالسياسيون العراقيون يميلون إلى الاعتقاد بأن «عصائب أهل الحق» – ولكن ليس «حركة النجباء» المناهضة للسياسة التقليدية، وهو أمرٌ لافت للنظر – قابلة للاعتدال بصورة تدريجية عبر انخراطها في العملية السياسية، مستشهدين بالتيار الصدري و «منظمة بدر» المدعومة من إيران كأمثلة على ذلك. بيد، لا يرى الكثيرون في الكونغرس الأمريكي وإدارة ترامب أي احتمال بتحوّل أيٌّ من التنظيمَيْن إلى طرف سياسي فاعل يمنح الأولوية لمصالح العراق ويضعها فوق مصالح إيران. وفي حين تمكّن التيار الصدري من إحداث مثل هذا التغيير، إلّا أنه يبدو أن «عصائب أهل الحق» و «حركة النجباء» هما أقرب إلى «منظمة بدر» التي يعتبر معظم المحللون الأمريكيون بأنها لم تنأَى بنفسها عن «الحرس الثوري» أو تتخلى عن جذورها الميليشياوية.

توصيات سياسية

تُعتبر معاقبة «عصائب أهل الحق» و «حركة حزب الله النجباء» مبررةً من الناحية القانونية، ولكن توقيت أي خطوة من هذا القبيل وتنظيم تسلسل مكوناتها أمر بالغ الأهمية من أجل تحقيق أقصى قدر من التأثيرات المنشودة والتقليل إلى أدنى حد من قدرة طهران على استغلال رد الفعل العراقي. وفي حال إقرار مشروع قانون العقوبات على التنظيمات الإرهابية الوكيلة لإيران، يجب على إدارة ترامب أن تضبط بعناية آلية فرض العقوبات على الميليشيات والأفراد بموجب هذا القانون، وأن تنسّق عن كثب الجهود الأمريكية مع الحكومة العراقية المقبلة.

عدم مقاطعة إيران بينما ترتكب الأخطاء. تواجه طهران حالياً بعضاً من أكثر انتكاساتها العلنيةً والكبيرة في العراق منذ عام 2003، حيث هتف المتظاهرون “إيران برا برا”، وحرقوا صور المرشد الأعلى ونهبوا قنصليتها في البصرة. لذلك فإن الخوض في عقوبات أمريكية شاملة على «عصائب أهل الحق» و «حركة النجباء» في الوقت الحالي لن يؤدي سوى إلى إعطاء طهران فرصةً مستحسنة لصرف النظر عن هذه التحديات – وعلى وجه التحديد، سيمنحها وسيلةً لتغيير وجهة النظر المتداولة، وإثارة المشاعر القومية العراقية، والضغط على خصومها السياسيين العراقيين للدفاع عن هذين التنظيمَيْن.

تصنيف «حركة النجباء» أولاً على سبيل التحذير. إنّ الخطوة الأسهل في هذا الشأن هي فرض عقوبات على «حركة حزب الله النجباء»، مع احتمال ضئيل لحدوث رد فعل كبير في العراق على هذا الإجراء. وشأنها شأن «كتائب حزب الله»، لا تشارك «حركة النجباء» في العملية السياسية ويتزعمها رجل سبق أن صنّفته وزارة الخزانة الأمريكية على قائمة الإرهاب بسبب “تهديده للسلام والاستقرار في العراق”. لذلك فإن فرض عقوبات على التنظيم بحد ذاته لن يسبب مفاجأةً تُذكر في بغدادوبما أن «حركة النجباء» لا تزال ناشطةً في سوريا، فإن استهدافها سيخدم هدفاً مزدوجاً وهو إبراز عزم إدارة ترامب في هذا الخصوص. وبشكل خاص، يمكن تصنيف الحركة على قائمة الإرهاب بموجب أمرٍ تنفيذي يمكن إصداره في أي وقتٍ كان؛ ولا يتوجّب على الإدارة الأمريكية أن ترتبط بالجدول الزمني للكونغرس.

إصدار العقوبات على «عصائب أهل الحق» في الوقت المناسب. في الوقت الحالي، على واشنطن أن توضح بهدوء للمحاورين العراقيين الرئيسيين بأن الخزعلي و «عصائب أهل الحق» سيصنَّفون على قائمة الإرهاب في نهاية المطاف. ويجب الإقدام على هذه الخطوة بحذرٍ لكي لا تسقط كالفاجعة وسط مشاورات تشكيل الحكومة، والتي من المرجح أن ترغم جميع قادة الميليشيات الشيعية – وحتى الصدر – على رص صفوفهم. لذلك يجب على واشنطن أن تكون مستعدةً للتريّث بشأن الإعلان عن التصنيفات والعقوبات الرسمية حتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر على الأقل، وربما على الأرجح حتى أواخر تشرين الثاني/نوفمبر. وكما هو الحال مع «حركة النجباء»، بإمكان الرئيس الأمريكي فرض عقوبات على «عصائب أهل الحق» في أي وقت بموجب أمر تنفيذي.

فرض العقوبات على الخزعلي قبل «عصائب أهل الحق». يبدو الزعماء العراقيون أكثر استعداداً لتقبّل العقوبات على الخزعلي من العقوبات على «عصائب أهل الحق» ككل، ويبدو أنهم يعتبرون قادة التنظيم أكثر شناعة من مقاتليه العاديين. وقد سبق لواشنطن أن اتخذت خطوةً مماثلةً حين صنّفت الكعبي، زعيم «حركة النجباء»، قبل سنوات من سعيها لفرض عقوبات على تنظيمه. وقد يؤدي هذا النهج إلى استرضاء بعض العراقيين في الوقت الذي قد يُسبب أيضاً إلى إبعاد الخزعلي وغيره من قادة «عصائب أهل الحق» عن جنود التنظيم، الذين انضم الكثير منهم بعد عام 2014 لغرض محدد وهو محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وليس لدعم المخططات الموالية لإيران. ويمكن إدراج «عصائب أهل الحق» ككل على قائمة الإرهاب لاحقاً؛ وفي الواقع، إن احتمال فرض مثل هذه العقوبات قد يحفّز الحكومة العراقية على تسريح جنود «عصائب أهل الحق» على نحو أكثر إلحاحاً.

معهد واشنطن