خسارة منصب رئاسة وزراء العراق تشق صفوف حزب الدعوة

خسارة منصب رئاسة وزراء العراق تشق صفوف حزب الدعوة

احتمال طرد حيدر العبادي من حزب الدعوة الإسلامية يتزايد في ظلّ التوجّه الجاري نحو تعيين رئيس للحكومة العراقية من خارج الحزب الذي دأب على احتكار المنصب، وهو الأمر الذي سيكون بمثابة إعلان رسمي عن انقسام الحزب تكريسا لظاهرة الانقسامات في البيت السياسي الشيعي الذي تهزّه من الداخل خلافات وصراعات على المناصب والمكاسب بعيدا عن تنافس الأفكار والبرامج.

بغداد – يخطّط حزب الدعوة الإسلامية الحاكم في العراق لطرد رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي من صفوفه، محمّلا إيّاه مسؤولية ضياع أكبر منصب تنفيذي في البلاد، بعدما ظل في أيدي قَادَته طيلة أربعة عشر عاما.

وتقول مصادر “العرب” في بغداد إن “قيادة الدعوة وصلت إلى درجة اليقين، بأن منصب رئيس الوزراء سيخرج من الحزب في 2018 للمرة الأولى منذ 2005”.

وسيعني طرد العبادي من الحزب خطوة كبيرة باتجاه انقسامه رسميا، حيث يُرجّح أن يبادر الرّجل الذي قاد الحكومة للسنوات الأربع الماضية وتحوّل إلى رقم مهم في المعادلة السياسية العراقية، إلى تأسيس حزب جديد بقيادته وأن يأخذ معه عددا من رموز الدعوة.

وسيكرّس ذلك ظاهرة الانقسامات داخل البيت السياسي الشيعي، الذي سبق أن شهد تفكّك ما كان يعرف بـ”التحالف الوطني” المكوّن من عدّة أحزاب شيعية، كما شهد أيضا انقسام المجلس الأعلى الإسلامي بخروج عمّار الحكيم منه وتأسيسه مع عدد من أعضاء المجلس تيارا جديدا تحت مسمّى “تيار الحكمة”.

والقاسم المشترك بين مختلف الانقسامات التي تضرب البيت السياسي الشيعي العراقي، كون سببها الأصلي الصراع على السلطة والزعامة، ولا علاقة له بتنافس الأفكار والبرامج.

وكتب ثلاثة من أبرز منظّري الحزب رسالة لقيادة الدعوة تحدّثوا فيها عن الأسباب التي قادت إلى خسارة منصب رئيس الوزراء، مؤكدين أن العبادي رفض الدعوات الكثيرة التي وجهت له بشأن ضرورة رأب الصدع مع نوري المالكي وهو الأمين العام لحزب الدعوة.

وانتقد “الدعاة” الثلاثة، وهم عبدالحليم الزهيري وأبومنتظر طارق وأبوجعفر الركابي، ما سمّوه “فتنة القائمتين” في إشارة إلى إصرار العبادي والمالكي على المشاركة بلائحتين منفصلتين في انتخابات مايو الماضي، حيث حصلا على المركزين الثالث والرابع على التوالي في الدوائر الشيعية ما عصف بحظوظ حزب الدعوة في الحفاظ على منصب رئيس الوزراء.

وكشف “الدعاة” الثلاثة أن المفاوضات العاجلة داخل حزب الدعوة، إثر تشكيل اللائحتين، انتهت إلى اتفاق ينص على إشراف “الحزب على القائمتين وأن يلتحما بعد الانتخابات” لكن العبادي والمالكي ذهبا “بطريقين مختلفين منذ نقطة الافتراق بقرار التسجيل بقائمتين”.

حيدر العبادي أضاع فرصة الخروج من الحزب قبل الانتخابات لخشيته من خسارة غطائه الحزبي واستفراد القوى السياسية به

ويقول “الدعاة” الثلاثة إنه “بعد ظهور النتائج، بل منذ انتهاء الانتخابات، عقدت القيادة اجتماعا في بيت الأخ المالكي وآخر في بيت الأخ العبادي وفي كلا الاجتماعين كان رفض الأخ العبادي واضحا وكرر أنه لم يوقّع على قرار دمج الكتلتين وليس مرشحا عن حزب الدعوة في الانتخابات”.

ويضيف الموقّعون الثلاثة على هذه الرسالة السرية، المعدّة للتداول الداخلي حصرا، “كنا نمني النفس أن الأخ العبادي بعد أن تيقن في الأسابيع الأخيرة من استحالة ترشيحه من الأطراف كافة بما فيها سائرون، أن يقدر وضع الدعوة والدعاة ويسحب ترشيحه ويعلن تحالفه مع دولة القانون لتتزعم الدعوة كتلة كبيرة تقارب السبعين مقعدا فتكون فاعلة مؤثرة في المشهد السياسي العراقي بكلا شقيه التنفيذي والتشريعي ويحسب لها حسابها في ماراثون التفاوض، ولكن بدا دون ذلك خرط القتاد كما كان فحوى جوابه لنا قبل ساعات من كتابة هذا الإيضاح لكم”.

ويقول “الدعاة” الثلاثة، إن “الكثير من أتباع الدعوة وقوى سياسية واجتماعية كانت تنتظر أن يحسم “الدعاة” موقفهم ليلتحموا حتى تبدأ مرحلة الخريطة الحكومية الجديدة وفقا لذلك، ولكنه لم يحصل حتى دخلنا الآن مرحلة أخرى لا نعلم مدى خطورة تداعياتها السلبية على الدعوة و”الدعاة”.

وطالب “الدعاة” الثلاثة، بعقد جلسة لمجلس شورى الدعوة، وعقد مؤتمر عاجل للحزب بالأسماء التي حضرت المؤتمر السابق بعد حذف المنقطعين في إشارة إلى إمكانية إصدار قرار بفصل العبادي من حزب الدعوة.

وبعد يوم واحد من هذه الرسالة سرّب حزب الدعوة رسالة موقّعة من قبل “جمع من الدعاة”، من دون ذكر أسمائهم، تطالب بتجميد عضوية العبادي أو طرده من الحزب بسبب “مخالفته للاتفاق الصريح الذي تم توقيعه إبان الانتخابات والذي ألزم القائمتين بضرورة الاندماج ضمن قائمة واحدة بعد الانتخابات”، فضلا عن “مخالفته للقيادة في اختيار رئيس الوزراء وإصراره على الترشح رغم معارضة القيادة له”.

وطالب الموقّعون قيادة حزب الدعوة بأن تستشعر “خطورة المرحلة وحراجة الموقف فالدعوة بدأت تفقد بريقها الناصع”. وبينما جاء رد العبادي العلني عاما، ليؤكد التزامه بخط الحزب ومقرراته من دون الخوض في التفاصيل، تسرب عن فريقه السياسي الخاص رد تفصيلي على رسالتي “الدعاة” حمّل فيه المالكي مسؤولية الانشقاق الذي تعرض له الحزب واتهمه بالالتفاف على مقرراته.

وأقر الرد بأن العبادي حاول مرارا التواصل مع المالكي وقادة حزب الدعوة الموالين له من دون التوصل إلى نتيجة.

وأشار الرد إلى أن المالكي تعمد تعميق الانشقاق داخل حزب الدعوة بهدف إضعافه كي لا يتمكن من تقديم الدعم السياسي للعبادي، الذي بدا قبل الانتخابات أنه يسير نحو ضمان ولايته الثانية بثبات.

وتقول مصادر “العرب” إن عملية تجميد عضوية العبادي في حزب الدعوة، وربما طرده، قد تصبح واقعا في المرحلة المقبلة، في ظل إحكام المالكي قبضته على المفاصل المهمة للحزب وأبرزها التنظيمات الفرعية ومصادر التمويل.

ويقول مراقبون إن العبادي تجاهل نصائح عديدة أبرزها من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بشأن ضرورة خروجه من حزب الدعوة قبل خوض انتخابات مايو الماضي، ليكون جديرا بتجديد الثقة فيه لمنصب رئيس الحكومة.

ويضيف المراقبون أن العبادي خشي أن تستفرد به القوى السياسية، أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة في حال خسر غطاءه الحزبي لكن النتيجة كانت خسارة مزدوجة إذ تلاشت آماله في الولاية الثانية وها هو يواجه الطرد من حزبه.

العرب