هجوم الأحواز.. ضجيج إيراني في غياب القدرة على الردّ

هجوم الأحواز.. ضجيج إيراني في غياب القدرة على الردّ

طهران – تشعر إيران بأنها أخذت على حين غرة في الهجوم على العرض العسكري بمناسبة ذكرى بدء الحرب العراقية الإيرانية، السبت، الذي راح ضحيته 25 شخصا منهم 12 من أفراد الحرس الثوري، وهو ما ينهي إحساسا بالمنعة لطالما شكل في السابق تعاطي إيران مع قضايا المنطقة.

ويشكل هذا الهجوم صدمة في أوساط صنع القرار الإيراني، انعكست في لهجة حادة تبناها المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، قائمة على المفاجأة. لكن سياسة “الصوت العالي” محور الردّ الإيراني إلى الآن، لا تنفي اندهاشا إيرانيا موازيا باختراق أمني غير مسبوق في أقوى المؤسسات العسكرية في البلاد على الإطلاق.

ويمثل هذا الاختراق الأمني غير المسبوق إشارة على قدرة منفذي الهجوم وداعميهم على استغلال ثغرات أمنية كبرى لطالما عملت إيران على إخفائها سعيا لرسم صورة غير واقعية ومبالغة عن قوة أجهزتها الأمنية.

ويفتح الهجوم جرحا إيرانيا مزمنا حول مشكلة النظام الإيراني مع الأقليات العرقية المؤجلة. وتوعد الحرس الثوري، الأحد، بانتقام “مميت لا ينسى” من منفذي الهجوم، الذي اتهمت طهران دولا عربية خليجية بدعم منفذيه.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأحد، قبيل مغادرته طهران لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك “تقدم دول الخليج الفارسي الدعم النقدي والعسكري والسياسي لهذه الجماعات”.

ونفى أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية مزاعم إيرانية أخرى تشير إلى تورط الإمارات في تدريب قوات نفذت الهجوم. وقال في تغريدة على تويتر “التحريض الرسمي ضد الإمارات في الداخل الإيراني مؤسف ويتصاعد عقب هجوم الأحواز في محاولة للتنفيس المحلي”.

وتعكس تصريحات الرئيس الإيراني محاولة لتصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج، عبر إلقاء اللوم على دول المنطقة، في محاولة لحشد الدعم الداخلي خلال أصعب لحظات الانقسام المجتمعي والسياسي منذ الثورة الإيرانية.

ويقول محللون إن النظام الإيراني يسعى للاستمرار بسياسة “دفن الرأس في الرمال” من خلال تجاهله لأزمة الأقليات المضطهدة، والتي لا تشعر بأنها جزء من إيران المتحكم بها من قبل نخبة فارسية بالأساس.

والأحد، رفضت نيكي هيلي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، اتهام إيران لواشنطن بهجوم العرض العسكري، قائلة إن على الزعماء الإيرانيين النظر بشكل أكبر إلى الداخل.

وأضافت ردا على سؤال حول تصريحات روحاني، “إنه بحاجة إلى النظر إلى قاعدته لمعرفة من أين يأتي هذا. يمكنه أن يلقي باللوم علينا كما يريد. الشيء الذي يتحتم عليه أن يفعله هو أن ينظر إلى المرآة”.

وتكمن مشكلة النظام الإيراني في أن الجماعة العربية التي وجهت إليها الاتهام بالوقوف خلف الهجوم، وتدعى “الجبهة الشعبية الديمقراطية الأحوازية”، تتكون من عناصر غالبيتهم ينتمون إلى الطائفة الشيعية، وهو ما يلغي أي تكهنات حول وجود أي دوافع طائفية تقف وراء الهجوم.

وتجرد هذه الحقيقة إيران من ادعاءاتها التاريخية بأنها الحامي الرئيسي للشيعة في العالم، كما تسحب عنها شرعية لطالما ظلت متماسكة وتقوم على الفصل عقائديا بين أعداء النظام الإيراني وحلفائه.

ومن المتوقع أن تتجاهل إيران “الصراع المفتوح” مع جماعات معارضة في الداخل، وأن تصف العمليات التي تقوم بها بـ”الإرهابية”، بينما طبيعتها وأهدافها تكشف أنها “حرب عصابات” من قبل تنظيمات تحمل مطالب سياسية.

ويقول محللون إنه لا يستقيم اتهام إيران لدول خليجية “سنية” بدعم جماعة عربية شيعية في خطوة لم يسبق أن حدثت من قبل في تاريخ العلاقات بين الجانبين.

ويعكس تركيز إيران على اتهام “الجبهة الشعبية الديمقراطية الأحوازية” بالوقوف وراء الهجوم رغبتها أيضا في تسييسه، عبر استبعاد ادعاءات تنظيم داعش بالمسؤولية عنه. ويعني ذلك أن مخاوف إيران من استغلال الولايات المتحدة للحساسية التي تحكم طهران بالأقليات الاثنية العربية والبلوشية والكردية والأذرية وغيرها باتت أعمق من ذي قبل.

ووقوع الهجوم في منطقة خوزستان، التي تسكنها أغلبية عربية، يمهد الطريق أمام الحرس الثوري بتصعيد عمليات القمع ضد عرب الأحواز.

ويقول مراقبون إن أقصى الخطوات الدبلوماسية التي من الممكن أن تلجأ إليها إيران قامت بها عبر استدعاء سفراء بريطانيا والدنمارك وهولندا. كما استدعت الخارجية الإيرانية القائم بأعمال السفير الإماراتي في طهران، إثر تصريحات منسوبة للأكاديمي الإماراتي المتقاعد عبدالخالق عبدالله، الذي وصفته بأنه “مستشار للحكومة” الإماراتية، قال فيها إن الهجوم على الحرس الثوري “ليس عملا إرهابيا” لأنه ضرب هدفا عسكريا.

وقال عبدالله إن “نقل المعركة إلى العمق الإيراني خيار معلن وسيزداد خلال المرحلة القادمة”. ومن المعروف أن عبدالله لا يشغل أي منصب حكومي.

وطبيعة هجوم السبت، والهجمات الصاروخية التي شنتها إيران على أكراد معارضين في إقليم كردستان العراق قبل أيام، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي والسياسي المتأزم داخليا وخارجيا واتهامات بالتدخل في شؤون دول الإقليم بشكل مفضوح، عوامل تؤكد أن إيران تقف في مفترق طرق استراتيجي، وأن المسألة باتت وجودية في نظر النظام الحاكم.

وينظر في الولايات المتحدة وبين حلفائها في المنطقة إلى هجوم السبت باعتباره نتاجا طبيعيا لسياسات إيران في دعم المئات من العمليات المماثلة في لبنان وسوريا والعراق والخليج واليمن، وانعكاسا مباشرا لممارساتها التخريبية في المنطقة.

العرب