العراق ساحة استعراض قوة بين إيران والولايات المتحدة

العراق ساحة استعراض قوة بين إيران والولايات المتحدة

بغداد – دعا عدد من النواب في الكونغرس الأميركي، مؤخرا، بتجديد العمل بقانون عقوبات ضد وكلاء إيران في العراق وفرض عقوبات أميركية على في اثنتين من الميليشيات العراقية الخاضعة لسيطرة إيران، هي حركة حزب الله النجباء وعصائب أهل الحق، وهذه الأخيرة حققت تقدّما في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من مقعد واحد إلى 15 مقعدا.

جاءت هذه الدعوة في خضم التنافس الأميركي الإيراني على تحديد شخصية رئيس الوزراء العراقي، وأيضا ضمن الإستراتيجية الأميركية لردع إيران. تهدف الخطة الأمنية إلى تقليم أظافر إيران في كامل المنطقة من سوريا إلى اليمن ولبنان، بالإضافة إلى العراق، الذي يعدّ حجر الأساس في هذه الإستراتيجية.

لكن، هل ستتمكن إدارة الرئيس دونالد ترامب، من إنجاح هذه الخطة وهي تنظر إلى العراق من خلال عدسة ضيقة تركز فقط على محاربة إيران دون النظر إلى بقية الأسباب التي تساعد على بقاء إيران قوة منافسة تتحكم في القرار العراقي وتضعف سيادة الدولة التي سلمتها الولايات المتحدة الأميركية بعد غزو 2003، إلى إيران.

من وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي الأميركي بول آر. بيلار إن الإدارة الأميركية لن تنجح في مهمتها الموجهة ضد إيران في العراق طالما تغافلت عن بقية العوامل التي تغذّي الشريان الإيراني في هذا البلد، فيما يرى المفكر فرانسيس فوكوياما أن الولايات المتحدة التي غزت العراق في سنة 2003 بهدف استبدال صدام حسين بنظام ديمقراطي، فشلت في تحقيق ذلك، بل والأسوأ أن نفوذها المهيمن تراجع لفائدة إيران.

ويتفق بول بيلار، في تحليل نشرته مجلة ذي ناشيونال انترست، بعنوان “العراق غير السعيد، يواجه الضرب من الداخل والخارج”، مع رؤية فوكوياما نشرها ضمن قراءة حول الهوية والمواطنة، في موقع “ذا هيل”، بأن العراق ظلّ بعيدا عن الديمقراطية التي تصوّرها مروّجو الحرب في سنة 2003 ووعدوا بها. على مدى الخمس عشرة سنة الماضية لم يعرف غير الصراعات الطائفية والحرب على الإرهاب وسيادة مرتهنة لإيران، التي نجحت في زرع وكلائها “العراقيين” في كل شبر من العراق.

ولا يرى بيلار اختلافا في تعامل الإدارات الأميركية الراهنة مع سابقتها فيما يخص العراق، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة تتعامل بنفس أسلوب صنع حرب عام 2003، التي استمع فيها صقور الحرب لبعض المغتربين الذين لم يكونوا يعرفوا سوى القليل عن العراق”، مما يظهر أن سياسة الولايات المتحدة لا تولي اهتماما كبيرا لإرادة معظم العراقيين الذين خرجوا في الآونة الأخيرة غاضبين من الجميع بشأن كل شيء.

في خضم الاحتجاجات التي شهدتها مدنية البصرة، كان رجل واشنطن في بغداد، المبعوث الخاص بريت ماكغورك، يسعى ينافس قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على تحديد من سيكون رئيس الحكومة؛ ويسعى جاهدا إلى إبقاء القادة المدعومين من الولايات المتحدة في السلطة وإبعاد أي شخص موال لإيران عن السلطة، دون أن يكون هناك اهتمام أكبر بتلك الأصوات الغاضبة والتي تعد المعدل الحقيقي لتوازن المشهد السياسي المختلّ منذ سنة 2003.

ويشير بيلار إلى أن الطائفية عامل حاسم في المواقف العراقية تجاه إيران، مع أن هذا البعد معقد أيضا. إذ يتشارك معظم العراقيين الجنوبيين مع معظم الإيرانيين الانتساب للطائفة الشيعية، لكن الشيعة العراقيين، بمن فيهم رجل الدين الشيعي البارز في العراق، آية الله علي السيستاني، رغم أنه إيراني عرقيا لم يدعموا مفهوم ولاية الفقيه، وفي احتجاجات البصرة الأخيرة كان لافتا الموقف الرافض للنفوذ الإيراني في العراق والذي تجسد في أقصى تجلياه بحرق القنصلية الإيرانية.

عوامل عديدة تجعل الكفة تميل إلى إيران في العراق على حساب الولايات المتحدة الأميركية، من ذلك القرب الجغرافي من إيران والتجارة والاقتصاد والأمن والطائفة والتاريخ، وتم تعزيز ذلك ميدانيا بسياسيين موالين وفي وقت لاحق بميليشيات مسلحة نافذة نجحت في أن تفتح لها طريقا إلى البرلمان بعد أن انتفى دورها العسكري، بانتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

مع ذلك، يلفت بول بيلار إلى أن كل هذه الأمور لا تعني أن إيران نجحت في فرض هيمنة مطلقة وطويلة المدى في العراق.

يتفق فرانسيس فوكوياما مع بول بيلار في أن هناك نقطة رئيسية تضع قيودا على العلاقة العراقية الإيرانية، وهذه النقطة هي القومية العراقية. لكن بينما يرى فوكوياما أن “المشكلة الأساسية في العراق هي غياب أي شعور بالهوية الوطنية الشاملة”، يذكّر بيلار بالحرب العراقية الإيرانية، عندما فضّل الشيعة العراقيون الجنسية على الدين في تحديد ولاءاتهم.

واليوم، لا يختلف الوضع كثيرا، عند النظر إلى العمق العراقي. فمعظم العراقيين يرحبون مثلا بالتجارة المربحة مع إيران، لكنهم لا يريدون أي شيء يشبه الهيمنة الإيرانية. ويعتبر بيلار أن حرق القنصلية الإيرانية في البصرة يرسل هذا المعنى.

ويقول في هذا السياق “إذا تركنا دون تدخل، فإن الميول الطبيعية للعراقيين ستوجههم في الغالب للحفاظ على علاقات ودية واسعة مع إيران، ولكن مع قوميتهم التي تحافظ على العراق تمنعه من أن يصبح دولة عميلة لإيران. ومثل هذه العلاقات المفيدة للطرفين ستكون أكثر ملاءمة للاستقرار داخل العراق وفي المنطقة المحيطة به”.

لكن، يصعب على الأميركيين فهم هذا المنظور، وفق بيلار، وذلك لأن جغرافيا بلادهم لم تضطرهم للعيش مع جار يحمل تهديدا محتملا.

وللمساعدة على فهم هذا الوضع، يطرح بيلار نموذج المكسيك وعلاقتها بالولايات المتحدة؛ فلطالما كان لدى المكسيكيين الكثير من الأسباب التي تشعرهم بالحذر والاستياء تجاه جارهم الشمالي القوي، حتى قبل ترامب. لكن الازدهار الاقتصادي للمكسيك يتطلب علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة. وهذا هو ما تعنيه اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، من وجهة نظر المكسيك التي لا تريد بالتأكيد حربا مع الولايات المتحدة. في المرة الأخيرة التي خاضت فيها هذه الحرب، هُزمت المكسيك وفقدت ثلث أراضيها، وبالمثل يريد العراقيون حربا جديدة مع إيران، كحرب الثماني سنوات.

بغض النظر عن أي حذر أو استياء تجاه الولايات المتحدة، ليس هناك دور جيد لقوة خارجية بعيدة عن المحيط، ففرنسا التي تصور نفسها على أنها ثقل مواز للنفوذ الأميركي. حاولت أن تفعل ذلك في ستينات القرن التاسع عشر، ونصبت الأمير النمساوي ماكسيمليان إمبراطورا للمكسيك، عندما كانت الولايات المتحدة مشتتة بسبب حربها الأهلية.

ولم تكن هذه التجربة جيدة بالنسبة للمكسيك، ولا لماكسيميليان (الذي أعدمته جمهورية المكسيك المستعادة في عام 1867) أو لفرنسا. والولايات المتحدة لن تُفيد حيدر العبادي أو أي زعيم عراقي آخر إذا أصبح ماكسيميليان أميركيّا.

العرب