بحيرات الأسماك المتجاوزة في العراق تفاقم أزمة المياه

بحيرات الأسماك المتجاوزة في العراق تفاقم أزمة المياه

شذى خليل*

الوضع المائي في العراق خطر ، ومشاكله وآثاره كبيرة ، فتغيير المناخ أثر على بيئة العراق ، ومستقبل موارده المائية ، وجيولوجيا نهري دجلة والفرات .
فالعراق يعاني أزمة مياه غير مسبوقة ، تغذيها عوامل متنوعة ، إذ بدل اضطراب مناخ الكرة الأرضية الوضع المائي (=الهيدرولوجي) في مناطق كثيرة ، من بينها الشرق الأوسط الذي يعاني شحّة مزمنة في المياه ، وأن درجات الحرارة ترتفع فيها أكثر من مناطق أخرى ، مع تناقص متصاعد في معدل سقوط الأمطار عليها.
ومشكلة الدول المتشاطئة مع العراق على نهري دجلة والفرات – تركيا وسورية وإيران – تنهض بمشاريع في الري وتشييد السدود ، من دون الأخذ في الاعتبار تأثيرها فيه .
إذ تم تقليل حصص المياه من جهتين ، الأولى في نهر الزاب الصغير الذي قطع من قبل السلطات الإيرانية ، والثانية في الفرع الرئيس من نهر دجلة الذي يغذي وسط وجنوب العراق عبر سد الموصل بسبب بدء تركيا ملء سد إليسو .
ويفتقر العراق إلى خطة استراتيجية لإدارة المياه ، على الرغم من ادعاء وزارة الموارد المائيّة بوجودها ، فيما تغيب الدلائل عن وجودها وتطبيقها ، وكذلك لا تبذل الوزارة جهداً حول تأمين حصص العراق المائيّة .

وتتداخل الأزمات في بلاد ما بين النهرين ، فأزمة المياه ، يفاقمها وجود عدد كبير جدا من بحيرات تربية الأسماك غير القانونية “المتجاوزة” التي تشكل اكثر من ربع الكميات المهدورة من المياه ، والتي تعود لمسؤولين بالحكومة العراقية ، وتحصل على كميات كبيرة من المياه العذبة عن طريق التجاوز على القنوات الإروائية.
الحكومات المحلية المتعاقبة في المحافظات العراقية ، تفتقر لخطط استراتيجية ، فضلا عن افتقارها لقنوات ري حديثة ، فضلاً عن وجود تقصير من قبل الوحدات الإدارية لإزالة التجاوزات على الحصص المائية و”التهاون” في إزالة بحيرات الاسماك المتجاوزة على الحصص المائية .

في كركوك ، قال مدير مكتب الزراعة في المحافظة “مهدي مبارك” إن جميع الأحواض التي تمتلك إجازة رسمية من دائرة الزراعة هي (41) حوضا لتربية الاسماك فقط , ومن عام 1987 ، وان مديرية الموارد المائية في محافظة كركوك ، لم تنشئ أية أحواض لتربية الاسماك في المحافظة بسبب قلة المياه.
وأضاف أن هناك ما يقارب (400) حوض متجاوز لتربية الاسماك في كركوك ، مؤكدا ان دائرة الزراعة لا تعطي أية إجازة لإنشاء الأحواض ، لافتا إلى أن جميع الاحواض التي تم انشاؤها في كركوك خلال الأعوام السابقة جميعها متجاوزة .

وتابع مبارك ، إن وزارة الزراعة تطالب برفع هذه التجاوزات ، وان اغلب الاحواض التي انشأت ، تجاوزت على مشروع ماء كركوك ، علما ان اساس المشروع للاستعمال البشري ، ولسقي الاراضي الزراعية وليس لتربية الأسماك.
وأشار مبارك ، إلى أن احواض تربية الاسماك ، يجب ان لا تنشئ في اراضٍ زراعية ، كي لا تؤثر على الانتاج الزراعي ، وتؤثر على الحصة المائية المخصصة للمحافظة ، و قمنا بتبليغ اصحاب الاحواض لرفع التجاوزات.

يشار إلى أن وزارة الزراعة قررت بمنع تربية الأسماك في كركوك ، وتدمير كافة أحواض السمك المتجاوزة .
اما في محافظة بابل ، فقد اتهمت النائبة زينب الطائي ، المحافظ (صادق مدلول السلطاني) وحملته المسؤولية كاملة ، لعدم إزالة التجاوزات الحاصلة على الأنهر نتيجة بحيرات الاسماك ، مبينة أن الحكومة المحلية متهاونة مع أصحاب البحيرات .
ان هذه البحيرات مخالفة للضوابط والتعليمات ، وتم انشائها بشكل غير قانوني ، أثر بشكل سلبي على توزيع حصص المياه ، وحرمان مساحات زراعية كبيرة من الري ، في وقت يعاني البلد من أزمة مياه وخاصة المحافظات الجنوبية .

اما معاناة البصرة ، فهي كبيرة ، إذ توجد بحيرات كثيرة وكبيرة لتربية الأسماك ، غير القانونية ، تعود لمسؤولين متنفذين بالدولة ، تحصل على المياه بالتجاوز على القنوات الإروائيه ، حيث اكد نائب محافظ البصرة “محمد طاهر التميمي” إن الحكومة المحلية لاحظت وجود الكثير من بحيرات تربية الأسماك التي تحصل على كميات كبيرة من المياه العذبة ، من خلال التجاوز على قناة كتيبان الإروائية ، غير أن مياه القناة الإروائية مخصصة لسقي المزروعات والاستخدامات المنزلية ، ولا يمكن السماح بهدرها على إغمار مساحات شاسعة من الأراضي لإنشاء بحيرات لتربية الأسماك .

واضاف التميمي ، أن الحكومة المحلية بصدد اتخاذ اجراءات قانونية بحق أصحاب البحيرات المتجاوزين على القناة الإروائية ، كما أن قيادة عمليات البصرة تلقت توجيهات من الحكومة المحلية بمكافحة التجاوزات الحاصلة على القناة ، لضمان وصول المياه بكميات كافية الى المواطنين .
وفي ذات السياق ، طالب التميمي قيادة عمليات الفرات الأوسط ، ومحافظ ميسان علي دواي ، بإزالة التجاوزات الحاصلة على الحصص المائية التي يتم اطلاقها من ناظم قلعة صالح الى محافظة البصرة ، حيث ان الكميات التي تأتي الى المحافظة متجاوز عليها من قبل بعض اصحاب البحيرات في ميسان ، وهي قليلة ، ولا تصل كاملة الى البصرة ، ما يتسبب بعدم دفع اللسان الملحي في شط العرب ، عازياً السبب الى تجاوزات بعض اصحاب بحيرات الاسماك في محافظة ميسان على الحصص المائية التي من المفترض ان تذهب باتجاه البصرة لدفع المد الملحي .

اللسان الملحي في محافظة البصرة والتي تواجه منذ عام (2007) تكرار مشكلة ملوحة مياه شط العرب خلال الصيف ، بسبب تقدم اللسان الملحي (الجبهة الملحية) من الخليج في مجرى الشط ، نتيجة قلة الإيرادات المائية الواصلة عبر دجلة والفرات والكارون والكرخة ، وتعد أقضية الفاو وأبي الخصيب جنوباً ، وشط العرب شرقاً ، أكثر المناطق تضرراً من تلك الظاهرة ، حيث يشكو سكانها بشدة من ملوحة المياه ، هذه المشكلة الخطيرة زادت من تفاقمها البحيرات المتجاوزة .
وهنا لابد من اجراءات حازمة ضد المتجاوزين على المياه ، وعلى الدولة تحمل مسؤولياتها الكاملة في معالجة التجاوزات بأسرع وقت ممكن ، ومتابعة وملاحقة المتجاوزين قضائيا ، واعتبارها قضايا تمس أمن الدولة في كل محافظة من محافظات العراق ، كونها تتعلق بموارد المياه في العراق ، أي الحياة في العراق .

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية