أردوغان في ألمانيا: غاز عثماني أم متسلط عصري

أردوغان في ألمانيا: غاز عثماني أم متسلط عصري

برلين – فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أن يجعل زيارته إلى ألمانيا فرصة لبناء علاقات ثنائية متينة يدخل من بوابتها إلى الاتحاد الأوروبي بتفهم أكبر لمطالب بلاده ووضعها الاقتصادي الصعب.

وبدا أن الرئيس التركي كان يخطط لأن يجعل من زيارته ولقاءاته مع المسؤولين الألمان ما يشبه الاستعراض الذي يقدمه في صورة الفاتح الإسلامي وليس رئيس دولة تعيش حالة من الانهيار الاقتصادي وتحتاج إلى دعم عاجل لوقف تدهور الليرة، فضلا عن كسر البرود مع برلين وإعادة النقاشات بأكثر حرارة بشأن الهجرة أو التأشيرات.

ووصفت أوساط تركية إشراف أردوغان على افتتاح جامع كبير بمدينة كولونيا وسط استعراض من الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية “ديتيب”، الذي يثير مخاوف كبيرة في ألمانيا، بأنه تأكيد على أن أردوغان بحث عن تركيز الأضواء على مجده الشخصي، ولم يهتمّ للنتائج الاقتصادية ولا لصورة تركيا.

وتساءلت: كيف لرئيس دولة لديه أزمة اقتصادية خانقة أن يقدم نفسه “كفاتح إسلامي” بدل أن يقدم نفسه كقائد عصري يدرك أن الأزمات تحتاج إلى الانفتاح والوعي والمرونة بدل العيش على الماضي، وإثارة مخاوف الغربيين من الإسلام الذي يقوم على الاستعراض والتخويف والتعالي.

وكان الاتحاد التركي الإسلامي دعا إلى حضور ندوة احتفالية خارج المسجد بمناسبة زيارة أردوغان، وتوقع أن يحضرها 25 ألفا من أنصاره، لكن الإجراءات الأمنية المشددة لم تسمح بحضور هذا العدد.

وإلغاء سلطات كولونيا الندوة كان مزمعا، وقصرت الحضور على حاملي الدعوات للمشاركة داخل المسجد فقط.

ويتهم بعض المسؤولين الألمان هذا الاتحاد بأنه على ارتباط بنظام أردوغان وهو يدير 900 مكان للصلاة في ألمانيا تحت إشراف أئمة قادمين من تركيا، وأنه يخدم أجندة سياسية ولا يلعب دور هيئة دينية بالمرة. كما أن الهيئة التي تشرف عليه متهمة بالتجسس على معارضي الرئيس التركي.

وقال مراقبون أتراك إن أردوغان أحبط لأن الألمان عاملوه إما بصورة الغازي العثماني من القرن الخامس عشر وإما المتسلط الذي ينتمي إلى القرن العشرين ولا علاقة له بعالم اليوم، خاصة أن زيارته خيمت عليها أخبار الاعتقالات والقرارات القضائية غير القانونية والقمع المتزايد للمعارضة السياسية في بلاده.

وأشار هؤلاء المراقبون إلى أن افتتاح الجامع الذي كان الهدف منه الإشادة بالانفتاح الألماني حمل رسالة مسيئة للإسلام لأنه يفتتح من قبل دكتاتور “شرقي” تغصّ سجونه بمئات الآلاف من المعتقلين، في محاكمات جماعية لا تراعي ضوابط الاتحاد الأوروبي الذي تكافح تركيا للانضمام إليه.

ولا شك أن حيرة الألمان من مطالبة أردوغان بمحاصرة نشاطات جماعة فتح الله غولن التي هي نفس نشاطات الجماعات الإسلامية التركية المحسوبة على نظامه، والتي تسيطر على 900 مسجد في ألمانيا وتلعب دورا سياسيا في خدمة نظامه، وهي نفس مآخذه على خصمه كولن.

وأعلن أردوغان أن هناك “المئات والآلاف من الإرهابيين” الذين يعيشون في ألمانيا، في إشارة إلى أنصار غولن، وذلك خلال كلمة ألقاها في مأدبة أقامها الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير.

وسيزيد الاستعراض الذي كان الاتحاد الحليف له ينوي إقامته حول الجامع (25 ألف مشارك) من تخويف الغربيين من إسلام يرتبط بالدكتاتورية والتشدد معا، ويعطي المبررات لمزيد التضييق على المسلمين.

وقدم معارضو المسجد وخصوصا من اليمين المتطرف عدة طعون ضد بنائه مبدين مخاوف من تحول كولونيا إلى مركز للإسلاميين على غرار ما حصل في لندن، غير أن الطعون فشلت في نهاية المطاف.

واحتشد المئات صباح السبت في كولونيا وراء لافتة ضخمة كتب عليها “أردوغان غير مرحب به”. وقال توماس المشارك في التظاهرة وهو ألماني في الثانية والعشرين من عمره جاء للدفاع عن حرية الصحافة، “أتفهم أن يذهب إلى برلين. لكن مجيئه إلى كولونيا مستفز″.

وتابع الفتى الذي كان يحمل مع آخرين لافتات كبيرة كتب عليها أردوغان “دكتاتور وقاتل جماعي”، “نحن هنا لإظهار أن كولونيا لا تريده”.

وقال قانصو وهو متظاهر آخر جاء من سويسرا للمشاركة في التجمع “أريد أن أعبر عن صوت الناس الذين لا يمكنهم النزول إلى الشارع في تركيا (…) أردوغان يعتبر كل من يختلف معه في الرأي إرهابيا. أنا هنا لأعبر عن تضامني” مع المعارضين.

وقال وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر إن أردوغان ضيع فرصة نادرة لتركيا والعالم الإسلامي بشكل عام، فبلاده تعاني حاليا من أزمة العملة وهي أزمة من صنع يده، حتى أن تركيا يمكن أن تواجه إمكانية الإفلاس على المستوى الوطني وبينما يقوم بشكل متزايد بتقسيم ولاءاته بين الشرق والغرب، فإنه يخاطر بزعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل أكبر.

وأضاف فيشر في مقال لموقع برويجكت سنديكيت “لقد اندلعت مجددا الصراعات العرقية الداخلية في تركيا، وخاصة مع الأكراد، بكامل قوتها وحتى على الرغم من أن التجارب السابقة تظهر أنه لا يمكن حلها عسكريا، وبفضل أردوغان أصبحت تركيا جزءا من المشكلة في المنطقة بدلا من الحل”.

وتظاهر، الجمعة، عدة آلاف بالعاصمة الألمانية برلين احتجاجا على زيارة الرئيس التركي. ورفعت المظاهرة الكبرى شعار “لا مرحبا بأردوغان”، وشارك في المظاهرة ألمان وأتراك وأكراد.

وقالت الشرطة إن الأعداد تقترب من الخمسة آلاف بينما قال منظمو المظاهرة إنهم بلغوا ثمانية آلاف.

العرب