التسول المقنّع بشوارع بغداد.. كيف ولماذا ينتشر؟

التسول المقنّع بشوارع بغداد.. كيف ولماذا ينتشر؟

ليس مفاجئا أثناء قيادة السيارة في زحام مروري بشوارع بغداد أن تباغتك رشة خليط من الماء والمنظفات الرديئة على زجاج السيارة الأمامي، يتبعها تمرير ممسحة بالية على زجاج السيارة من شخص “يفرض” خدماته عليك، دون أن يبالي لرفضك المتكرر لهذه “الخدمة”.
وبعد أن يقدم الشخص خدمته “الإجبارية” يحشر جزءا من جسده داخل السيارة أو يرتمي عليها لضمان عدم تحركها، ويطلب المال مقابل هذه الخدمة، وفي حال الرفض فإنك تتلقى “لكمات” كلامية ونظرات غاضبة.

وربما تتعرض لسيل من الشتائم يستمر حتى يتوارى المتسول “المباغت” في زحام السيارات باحثا عن شخص آخر، وهو مشهد متكرر يعد أسلوبا من أساليب التسول المقنّع الذي انتشر بشكل كبير في أنحاء العاصمة العراقية.

فرصة ذهبية
زحمة المرور في بغداد يعدها المتسولون فرصة ذهبية لممارسة أساليبهم، لكن انتشارهم لم يقتصر على المناطق المزدحمة فقط، فهم موجودون في كل مكان بالمدينة تقريبا، في أسواقها وأزقتها ومستشفياتها وقرب دور العبادة وأماكن أخرى.

ورغم هذا الانتشار، فإن وزارة التخطيط تقول إنها لا تملك إحصائية بأعداد المتسولين، في وقت تشير فيه إلى أن نسبة الفقر بلغت 22.5% بحسب إحصائية تعود لعام 2015.

وتقول المنظمات العراقية والدولية إن 1.5 مليون عراقي نزحوا بين عامي 2014 و2017 أثناء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ويقول مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون -للجزيرة نت- إن كثرة العائلات النازحة والبطالة والفقر اضطرت العائلات المتضررة لدفع أطفالها للتسول من أجل لقمة العيش.

ويضيف سعدون أن الكثير من الأطفال المتسولين يتم استغلالهم تحت أعين الحكومة ضمن جماعات منظمة يديرها وسطاء دون إجراءات رادعة.

ملاحقات ومطاردات
وتقول وزارة الداخلية إنها تستمر بشن حملات للقبض على المتسولين، ويضيف المتحدث باسم الوزارة اللواء سعد معن -للجزيرة نت- أن هناك حاجة لتشريع قانون يتضمن عقوبات رادعة للحد من ظاهرة التسول التي تحولت إلى مهنة تديرها جماعات خارجة عن القانون، مستغلة الأطفال وكبار السن والنساء وذوي العاهات الجسدية لجمع المال غير الشرعي.

ومن أساليب التسول الجديدة التي رصدتها الجزيرة نت، مراقبة متسولات يحملن أطفالا للمحال التجارية، ومباغتة الزبائن بطلب شرائهم لهن علب الحليب فقط دون طلب المال، ليقمن بعد ذلك ببيع الحليب بسعر أقل نسبيا بالاتفاق مع محال تجارية أخرى.

كما تبيع المتسولات بضائع رخيصة مثل المناديل الورقية أو العلكة في الشوارع، كما تُعرَض شهادات طبية ووثائق مزورة تفيد بأن حاملها بحاجة إلى العلاج أو عملية جراحية، أو روايات عن النزوح ووفاة معيل الأسرة.

اختلاط الأوراق
ويقول كثير من العراقيين الذين التقتهم الجزيرة نت إنه لا مشكلة لديهم في تقديم يد العون والمساعدة المالية لمن يحتاجها، فهم يعرفون مصاعب الحياة في العراق بمختلف تجلياتها، لكن المربك هو صعوبة التمييز بين المحتاج الحقيقي والذي يدعي الحاجة، إذ يعمل الأخير ضمن جماعات منظمة أو يتخذ التسول مهنة تدر له الأرباح.

ورغم الاعتراف بصعوبة مكافحة ظاهرة التسول وتضخمها، تقول وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية إنها تنفذ برنامجا يسمى “الإعانات النقدية المشروطة بالصحة والتعليم”، وهو برنامج تجريبي يطبق في منطقة واحدة حاليا، يمنح معونات مالية للعائلات الفقيرة المشمولة بالحماية الاجتماعية، مقابل إرسال أطفالها إلى المدارس ورعايتهم.

وتضيف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أنه في حال نجاح البرنامج التجريبي فسيطبق في كافة أنحاء العراق.

المصدر : الجزيرة