لماذا تريد سورية وإيران استعادة إدلب؟

لماذا تريد سورية وإيران استعادة إدلب؟

بالنسبة لسورية، تشكل إدلب بشكل أساسي مسألة سيادة وطنية وسلامة إقليمية. وفي أواخر أيلول (سبتمبر)، أعاد نائب وزير الخارجية السوري، في مقابلة مع صحيفة الوطن، تأكيد عزم الحكومة السورية على استعادة إدلب، سواء كان ذلك سلمياً أو بالقوة. وقال: “سوف ننتصر في إدلب، ورسالتنا إلى الأطراف المعنية واضحة: سوف ندخل إدلب بالسلام أو بالحرب. وتشمل “الأطراف المعنية” كلا من الروس والأتراك أيضاً. ومن جهتها، تنظر إيران إلى إدلب أولا وقبل كل شيء كمحدد للـ”العمق الاستراتيجي” ضد عدوها اللدود، إسرائيل، ومَدخلا سهلا إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد تكثفت حملة إسرائيل الجوية لحرمان القوات التي تدعمها إيران من فرصة ترسيخ نفسها في سورية على مدى العام الماضي.
*   *   *
في 18 أيلول (سبتمبر) الماضي، بعد يوم من اتفاق روسيا وتركيا على إقامة منطقة عازلة “منزوعة السلاح” بين قوات الحكومة السورية وقوات الثوار في محافظة إدلب السورية، أثنى وزير الخارجية الإيرانية، جواد ظريف، على المبادرة ووصفها بأنها جزء من “دبلوماسية كثيفة ومسؤولة” لتجنب الصراع. ومع ذلك، أكد ظريف في نهاية تغريدته على تويتر على التزام كل الأطراف بـ”محاربة الإرهاب المتطرف”، تاركا بذلك الباب مفتوحا أمام القيام بعمل عسكري في المنطقة في المستقبل. وفي الوقت نفسه تقريباً، أكد رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، في محادثة هاتفية مع وزير الدفاع السوري، علي عبد الله أيوب، أن على الجيش السوري محاربة الإرهابيين “بكل القوة”. وإذا كان ثمة شيء، فقد أشر ذلك على أن الترتيب التركي-الروسي كان من منظور إيران على الأقل، وربما من منظور الحكومة السورية، مجرد وقت ضائع، وأن معركة إدلب، آخر معقل رئيسي للثوار، سوف تخاض في نهاية المطاف كما حصل مع حلب التي استعادها نظام الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2016.
جاءت هذه التعليقات قبل بضعة أيام من الهجوم الإرهابي الذي شُن على العرض العسكري في أسبوع الدفاع المقدس في الأهواز، في جنوب غرب إيران، والذي خلف 25 قتيلاً و70 جريحاً على الأقل. وكانت مجموعة الدولة الإسلامية المتطرفة (داعش) واحدة من مجموعتين أعلنتا مسؤوليتهما عن الهجوم القاتل. ونشرت وكالة “داعش” للأنباء، “آعماق”، شريط فيديو يُظهر ثلاثة من أربعة مهاجمين، والذين كانوا يتحدثون بحماس عن العملية المقبلة.
من الواضح أن سورية وإيران تعتبران المجموعات المتطرفة السلفية والوهابية تهديداً إرهابياً جسيماً لأمنهما. وبالنظر إلى وجود ما لا يقل عن 10.000 متشدد من مجموعة “هيئة تحرير الشام” المرتبطة بتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى المئات من مقاتلي “داعش”، في إدلب، فإنهما ستشنان حرباً على المحافظة الشمالية لإخراج هؤلاء المقاتلين منها. ومن الجدير بالملاحظة أنهما حققتا ميزة استراتيجية باستخدام نفس هذه المجموعات المتطرفة لتبرير عدم إمكانية استبعاد شن هجوم شامل على إدلب. وفي 24 أيلول (سبتمبر)، ذُكر أن حكومة الأسد حولت أكثر من 400 مقاتل من “داعش” من محافظة دير الزور الشرقية بالقرب من الحدود العراقية إلى ضواحي إدلب.
مع ذلك، وبالنسبة لدمشق وطهران، فإن الحملة المحتملة لاستعادة السيطرة على إدلب تمثل ما هو أكثر بكثير من مجرد محاربة الإرهاب.
بالنسبة لسورية، تشكل إدلب بشكل أساسي مسألة سيادة وسلامة إقليمية. وفي أواخر أيلول (سبتمبر)، أعاد نائب وزير الخارجية السوري، في مقابلة مع صحيفة الوطن، تأكيد عزم الحكومة السورية على استعادة حلب، سواء كان ذلك سلمياً أو بالقوة. وقال: “سوف ننتصر في إدلب، ورسالتنا إلى الأطراف المعنية واضحة: سوف ندخل إدلب بالسلام أو بالحرب. وتشمل “الأطراف المعنية” كلا من الروس والأتراك أيضاً. ومع وجود الجزء الأكبر من الأراضي السورية في الشمال والشمال الشرقي تحت سيطرة الثوار السنة المتحالفين مع تركيا والقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة على التوالي، فإن إدلب في شمال غرب سورية تشكل أخفض فاكهة دانية يمكن أن يلتقطها نظام الأسد.
كما أن موقع المحافظة الجغرافي على طول الحدود مع تركيا جعل من وضعها الإقليمي أكثر حسماً، ربما مثيراً المخاوف داخل الحكومة من أن خضوعها المطول للثوار المدعومين من أنقرة –بمن فيهم “جبهة التحرير الوطني” التي تشكلت في أيار (مايو) 2018- يمكن أن تجلب لها مصيراً شبيهاً بمصير مرتفات الجولان: حيث احتلتها إسرائيل في البداية، ثم ضمتها إليها بحكم الأمر الواقع. وقد ساعدت تطلعات بعض المجموعات المتمردة إلى تأسيس “جمهورية شمال سورية” –بمباركة ودعم من تركيا- في محافظة إدلب –التي تعادل، بالمناسبة، مساحة لبنان- في تأجيج هذه المخاوف.
من جهة أخرى، تنظر إيران إلى إدلب أولاً وقبل كل شيء كمحدد للـ”العمق الاستراتيجي” ضد عدوها اللدود، إسرائيل، ومَدخلاً سهلاً إلى البحر الأبيض المتوسط. ويمكن القول بأن حملة إسرائيل الجوية لحرمان القوات التي تدعمها إيران من فرصة ترسيخ نفسها في سورية، قد تكثفت على مدى العام الماضي. وبشكل أكثر تحديداً، دخلت الاستراتيجية طوراً “متطرفاً” وبلغت الحدود القصوى بعد أن تمكنت طائرة مسيرة، يُزعم أنها كانت مسلحة ويقوم بتشغيلها الحرس الثوري الإيراني من قاعدة “تي-4” الجوية السورية، (أو قاعدة تياس) في محافظة حمص، من اختراق المجال الجوي الإسرائيلي في شباط (فبراير). وقد اعترض سلاح الجو الإسرائيلي المركبة الجوية غير المأهولة، لكنه فقد في النهاية طائرة “ف-16″، وهي واحدة من ثماني طائرات على الأقل تم إرسالها للرد على نيران الدفاعات الجوية السورية. وفي أعقاب هذه الحادثة المميتة، غيرت إسرائيل موقفها الدفاعي تجاه الحرب الأهلية السورية، وقامت بتوسيع حملتها الجوية ضد إيران لتشمل “أي مكان في سورية”.
في وجه استراتيجية إسرائيل الهجومية للغاية للانقضاض على القوات الإيرانية، سوف يزود استيلاء نظام الأسد على إدلب الحرس الثوري الإيراني وقوات حزب الله المتحالفة معه بقدرة أكبر على تنفيذ المناورات العملياتية وكسب الزخم في غرب سورية. ومن هذا المنظور، تكمن ميزة إدلب الاستراتيجية في موقعها عميقاً داخل الأراضي السورية، قريباً من تركيا من جهة، ومن معقل العلويين في اللاذقية من جهة أخرى، واللتين تجعلان معاً من الصعب على إسرائيل نسبياً الوصول إليها. ومن الجدير بالملاحظة أن الطائرات الإسرائيلية اضطرت لدى توجيه الضربات ضد قاعدة “تي-4” إلى الشرق من حمص –التي يُزعم أنها موقع لوحدات الطائرات الإيرانية من دون طيار أبعد إلى الجنوب- اضطرت إلى الالتفاف من جهة الشرق حتى تتمكن من الوصول إلى هدفها.
كما يمكن أن تسهل السيطرة على إدلب أيضاً وصول طهران البري إلى البحر المتوسط، وتيسِّر واستطلاعها لتحركات القوات التركية بالقرب من الحدود السورية. ويشكل ذلك أهمية استراتيجية بالغة لإيران بما أن طريقها، أو “ممرها”، الشمالي إلى البحر المتوسط أعاقه وجود القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة والقوات التركية.
حتى الآن، أجلت الصفقة الروسية-التركية هجوماً سورياً-إيرانياً من أجل استعادة إدلب، لكنها لن تتمكن على الأغلب من منع شن هذا الهجوم مرة وإلى الأبد. لم يعد شن حرب رئيسية من أجل السيطرة على إدلب مجرد مسألة “إذا”، وإنما هو مسألة “متى”.

الغد