سياسة الصين في الشرق الأوسط تواجه المتاعب

سياسة الصين في الشرق الأوسط تواجه المتاعب

كان صعود الصين إلى مكانة القوة العالمية العظمى قد حدث في معظمه وفق شروطها الخاصة. وهذا صحيح لدى النظر إلى هذا الصعود من وجهة نظر اقتصادية، ولكنه صحيح أيضاً عندما يتعلق بالسياسة الخارجية لذلك البلد.
مع ذلك، كشفت الصين في السنوات الأخيرة عن نوعٍ من الارتباك في عدد من الحوادث، وخاصة في الشرق الأوسط الذي يشكل المصدر الرئيسي الذي يُمد بكين بالنفط الخام -وإنما أيضاً بين البلدان الإسلامية في آسيا. وقد يكون الشأن الأكثر جدية هو قيام الصين باحتجاز ما يقدر بمليون من الإيغور المسلمين في معسكرات لإعادة التثقيف في إقليم شينجيانغ في شمال غرب البلاد. وقد تكون هذه المسألة خطيرة بما يكفي لتأتي بعواقب وخيمة على السياسة الخارجية للصين.
في الآونة الأخيرة، شرع جدار الصمت الإسلامي عن القمع الشديد الذي يواجهه الإيغور في التصدع. وتتصاعد مشاعر العداء للصين في كازاخستان وطاجيكستان المجاورتين؛ حيث يغذي الاستيعاب القسري للمسلمين عبر الحدود في الناس مشاعر الذنب والعجز.
كما قامت الاحتجاجات في بنغلادش والهند، وظهرت مقالات منتقدة في وسائل الإعلام الباكستانية. وفي حين حظرت ألمانيا والسويد ترحيل الإيغور الذين لجؤوا هناك، تدرس إدارة ترامب فرض عقوبات على الصين بسبب قضية شينجيانغ. وأصبحت شخصيات سياسية بارزة في ماليزيا هي الأولى في دولة مسلمة، التي تدين سياسة الصين. كل هذا يضع المزيد من الضغط على تركيا (يتحدث الإيغور لغة ذات صلة بالتركية) وعلى المملكة العربية السعودية.
أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية أجنبية لها في جيبوتي، وتتحدث محفظتها المتنامية من استثمارات مبادرة الحزام والطريق عن وجود عسكري متزايد في الخارج. وقد يكون الزعماء الصينيون مرتاحين لفكرة تصدير نموذجهم الخاص من دولة المراقبة إلى حكام مستبدين آخرين. لكن ذلك كله قد يأتي بضربات ارتدادية مضادة من أماكن غير متوقعة.
في الوقت الذي تبني فيه الصين وتدير مرفأ في جوادر بباكستان، فإنها تخاطر “بشروع غير مقصود في مغامرتها الاستعمارية الخاصة في باكستان -أكبر متلق لاستثمارها في مبادرة الحزام والطريق، والتي شكلت ذات مرة الأرض القديمة المفضلة لشركة الهند الشرقية”، كما يكتب جميل أندرليني في صحيفة “الفاينانشال تايمز”.
وأضاف أندرليني أن باكستان هي “دولة عميلة للصين عملياً. ويشعر الكثيرون داخل (باكستان) بالقلق من اعتمادهم على بكين، التي تقوم بتحويل بلدهم فعلياً إلى دولة عميلة… ومن السهل تصور سيناريو تتغلب فيه هجمات مسلحة تُشن ضد الممتلكات الصينية على الجيش الباكستاني، بحيث تقرر الصين نشر جيش التحرير الشعبي لحماية مواطنيها وأصولها”.
تعرف الصين أن نهجاً مدفوعاً اقتصادياً لن يكون عصا سحرية. وفي العامين 2011-12، اضطرت الصين إلى إنقاذ 35.000 من مواطنيها من ليبيا، ولم تعفيها إقامتها علاقة موازية مع المجلس الوطني المعارِض من ربطها دائماً بالنظام القديم. وكان ذلك الإخلاء من ليبيا هو الأول في سلسلة من عمليات الإخلاء المشابهة في كل من سورية والعراق واليمن. وقد تم اختطاف عمال صينيين في جنوب السودان وسيناء.
لعل ما يقلق الصين أكثر ما يكون هو انضمام الإيغور والشيشان إلى الجهاديين في سورية وليبيا. وقد غيرت الصين العالم بكل تأكيد، لكنها تبدو بطيئة في فهم أنها غيرت نظرة العالم إلى الصين أيضاً.
لن تجد الصين صعوبة في البقاء على هامش الصراعات المتعددة التي تعصف بالشرق الأوسط فحسب، وإنما يمكنها أن تلوم نفسها فقط على تداعيات الحملة التي تشنها ضد الإيغور المسلمين في شينجيانغ، والتي تتحدى أساسيات العقيدة الإسلامية نفسها. وتختلف هذه الحملة كثيراً عن الحوادث السابقة، بما في ذلك فتوى آية الله روح الله الخميني الإيرانية ضد رواية سلمان رشدي، أو المقاطعة الإسلامية للمنتجات الدنماركية في العام 2006 بسبب الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل التي صورت النبي محمد.
أسفرت المعسكرات التثقيفية التي أقامتها الصين، حسب ما جاء في تقرير الكونغرس الأميركي الأخير، عن “أكبر احتجاز جماعي لأقلية من سكان العالم اليوم”. وتستخدم حملة “اضرب بقوة” الصينية الاعتقالات خارج نطاق القضاء، والمراقبة، والتلقين السياسي والتعذيب وسوء المعاملة من أجل استئصال العناصر المتطرفة، كما جاء في تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية. وقد تم احتجاز ما يصل إلى 1.1 مليون شخص -حوالي 10 % من السكان المسلمين البالغين في شينجيانغ- في معسكرات إعادة التثقيف، حسب تقديرات مبادرة المنظمات غير الحكومية الصينية التي تدافع عن حقوق الإنسان والمساواة في الحقوق. وتوفر تقارير حديثة أصدرتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” وصفاً مفصلاً لكيفية إساءة معاملة المعتقلين.
يتعلق الأمر بمدى ملاءمة تصوير السلطات الصينية جميع الإيغوريين على أنهم متشددون داعمون لتنظيم القاعدة. ولعل السياسات الصينية، التي تتسم بالعنصرية الشديدة، هي أفضل طريقة لدفع الإيغوريين إلى التطرف. وبقدر ما تحتج السلطات الصينية، فإن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن حملة القمع التي تشنها في شينجيانغ هي الوصفة المثالية لمواجهة ردة فعل غير متوقعة وغير معروفة النتائج.
في الوقت الذي يتم فيه إحياء اللعبة الكبرى القديمة التي تكشفت في القرن التاسع عشر في آسيا الوسطى بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية، وإنما بمشاركة عدد أكبر من اللاعبين هذه المرة، سيكون من الصعب على الصين البقاء على هامش الصراعات. ويمكن أن يُظهِر قمع الصين الصارم للإيغور حدود السياسة الخارجية التقليدية للبلاد، بينما تشتبك أكثر بسياستها الداخلية القمعية تجاه الشعب التركي المسلم.

الغد