لماذا أصبح طريق بشار الأسد سالكا نحو إسرائيل؟

لماذا أصبح طريق بشار الأسد سالكا نحو إسرائيل؟

حمّلت روسيا باحتفالها البالغ بإعادة فتح الحدود بين سوريا وإسرائيل عبر معبر القنيطرة الحدث معاني سياسيّة واضحة فهمها الطرفان المعنيّان، إسرائيل من جهة، والنظام السوري من جهة أخرى، بطرق كثيرة تتجاوز تاريخها الماضي والذي كان يقتصر على دخول عائلات وأفراد من الجولان المحتلّ إلى سوريا، أو عبور الفتيات المتزوجات نحو الهضبة المحتلة من بقيّة القرى والدساكر التي يسكنها دروز سوريا، أو جولات دوريات الأمم المتحدة التي تراقب خط الحدود.
حضور نائب قائد القوات الروسية في سوريا واقعة فتح المعبر تم بثه عبر وسائل الإعلام المحلي والعالمي التي استدعي مراسلوها وقوبلوا بحفاوة، كما أن فتح الحدود بطريقة سريعة ومباشرة بين سوريا وإسرائيل كان رسالة واضحة من قصر المهاجرين، حيث يقيم الرئيس السوري بشار الأسد، تمّ التشديد عليها بإشراف النظام السوري ليس على تأكيد إخلاء «حزب الله» والقوات الإيرانية لأي مواقع قريبة من الحدود يمكنها أن تزعج تل أبيب فحسب، بل على ضمان التقيد بخطوط إسرائيل الحمراء والتي تتضمن عدم وجود قوات سورية على الحدود أيضا.
وإذا كان هذا التطوّر يتفق مع رغبة روسيا في الجمع بين النظام السوري الذي يدين رئيسه لموسكو باستمرار وجوده، وإسرائيل التي لم تنقطع علاقاتها الخاصّة المعقدة مع الكرملين (رغم تعرّض العلاقة لخضّة وازنة بعد اتهامها بالتسبب بإسقاط طائرة إيل 20 الروسية في أيلول/سبتمبر)، فإن هذا لا يمكن أن يحجب الحيثيّات القديمة ـ الجديدة للمسار الذي جمع وفرّق مرات كثيرة بين النظام السوري وإسرائيل.
طغت على هذا المسار، خلال سنوات ما بعد الثورة السورية، مسألة الوجود الإيراني في سوريا، وكان ذلك الوجود شاغل تل أبيب الأكبر، وهو شاغل كان يرفع مستوى الغضب الإسرائيلي ووتيرة الضربات المتوالية لمواقع عسكرية سورية وإيرانية، لكنه لم يكن يغيّر أبداً ثابتا مهمّا وهو تمسّك الإسرائيليين بالنظام السوريّ والذي ظهر في وقائع استراتيجية فاصلة خلال سنوات النزاع السوري، وكان ذلك واضحا خلال حركة الدبلوماسية الإسرائيلية الكبيرة تجاه واشنطن وعواصم أخرى خلال فترة صعود احتمال قيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بضربة كبيرة للنظام بعد قصفه الغوطة بالغازات السامة عام 2013، وحصل أيضاً قبل الضربة العسكرية لمطار الشعيرات التي قام بها الأمريكيون في عهد الرئيس دونالد ترامب رداً على تعرّض بلدة خان شيخون للقصف الكيميائي أيضا عام 2017.
لقد عبّر الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين بطريقته الفاضحة عن هذا الثابت الإسرائيلي إثر إخراج النظام لقوات المعارضة السورية في سفوح الجولان بالقول إن ذلك أدى لـ«ارتياح تام في كل أرجاء دولة إسرائيل حكومة وشعبا لتولي الجيش العربي السوري حماية حدودنا الشمالية»، كما فعل ذلك مسؤولون إسرائيليون عديدون بطرق مختلفة.
سيفكك اتجاه النظام السوري الحاليّ نحو إسرائيل برعاية روسيّة الكثير من الصور والكليشيهات التقليدية التي تستخدمها آلة الدفاع عن النظام وعن حلفه المفترض (والمتراجع وزناً) مع إيران ضد إسرائيل وأمريكا، فلا روسيا فلاديمير بوتين هي روسيا فلاديمير لينين والاتحاد السوفييتي السابق، ولا بشار الأسد هو «قائد المقاومة والممانعة» ضد الامبريالية و«الكيان الصهيوني»، وأما دعوات الردّ في الوقت المناسب على تل أبيب فكانت تصرّف بالعملة المحلّية هجمات على شعبه وقصفا للمدنيين بأشكال السلاح الاستراتيجي الذي كان مجهزـ حسب الادعاءات التاريخية ـ ا لصراع الصهيونية.
الأغرب من كل ذلك أن التقارب الذي يجري «طبخه» مع إسرائيل قد يكون تذكرة عودة النظام السوري إلى المنظومة العربية التي تكاثرت رؤساء أركان الكثير من بلدانها اجتماعاتهم مع المسؤولين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين، أما عودته للمجتمع الدولي فتلك قصّة أخرى.

القدس العربي