“دبلوماسية الباندا” اليابانية مع الصين لاحتواء ضغوط ترامب

“دبلوماسية الباندا” اليابانية مع الصين لاحتواء ضغوط ترامب

من حيث لا يدري يسهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تقارب المصالح بين الصين واليابان، الذي توج أثناء زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى بكين، التي اختتمها السبت بتوقيع عدد من الاتفاقيات، وأبرزها المتعلقة بتبادل العملات بين البلدين، اللتين تجاوزتا بذلك إرثا ضاغطا من الخلافات التاريخية بينهما.
والخلافات بين طوكيو وبكين قديمة، وتاريخهما شهد حروبا أليمة، منها الحرب الصينية-اليابانية الأولى التي نشبت عام 1894، وانتهت في 1895، واحتلت اليابان خلالها الجزء الشمالي الشرقي من الصين.

وفي تلك الحقبة أيضا شنت اليابان حملة إبادة للعديد من الصينيين، راح ضحيتها ملايين الصينيين، وفي الحرب الصينية اليابانية الثانية احتلت اليابان كامل الجزء الشرقي من الصين مع هونغ كونغ البريطانية -في ذلك الوقت- خلال الحرب العالمية الثانية، ولم ينته الاحتلال إلا سنة 1945 بهزيمة اليابان في تلك الحرب.

هذا الإرث التاريخي لا يزال حاضرا في ذاكرة الصينيين، حيث تتهم بكين طوكيو بين الحين والآخر بعدم التكفير بشكل مناسب عن تلك الحقبة المؤلمة من تاريخها.

وفي عام 2013 تدهورت العلاقات بين البلدين عندما زار رئيس وزراء اليابان مقبرة ياساكوني لقتلى جيش اليابان في الحرب العالمية الثانية، التي يعتبرها الصينيون مقبرة تكرم العدوان الياباني على بلادهم في ذلك الوقت، كما تشهد العلاقات بين البلدين خلافات بسبب نزاع على مجموعة من الجزر في بحر شرق الصين.

رئيسا الوزراء الصيني (يمين) والياباني شهدا توقيع عشرات الاتفاقيات خلال الزيارة (رويترز)
اتفاقيات
لم تحل تلك الخلافات دون توقيع البلدين معاهدة سلام وصداقة بينهما عام 1972، والتي اختار رئيس الوزراء الياباني ذكرى مرور أربعين عاما عليها لزيارة الصين يوم الخميس الماضي، وهي أول زيارة رسمية لرئيس وزراء ياباني إلى الصين منذ سبع سنوات.

رافق آبي في زيارته -التي استغرقت ثلاثة أيام- وفد يضم نحو ألف ممثل عن شركات يابانية أبرموا خمسين اتفاقا، بقيمة إجمالية بلغت 2.6 مليار دولار، تشمل تبادل العملات، وآلية لتفادي وقوع حوادث تؤدي إلى مواجهات بين جيشيهما اللذين غالبا يحصل تماس بينهما في بحر جنوب الصين المتنازع عليه.

هذا التطور في علاقة البلدين لم يكن واردا عندما تولى السياسي الياباني المحافظ شينزو آبي منصب رئيس الوزراء في ديسمبر/كانون الأول 2012، خاصة أنه حقق شعبيته عبر نشر الخطاب المعادي للصينيين والكوريين بين الناخبين اليابانيين.

لكن انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 غيّر المشهد بين الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بعد الولايات المتحدة، تليها اليابان في المرتبة الثالثة.

وفي ظل تصاعد النزاع التجاري مع الولايات المتحدة، تحوّل الرئيس الصيني شي جين بينغ نحو آبي، مدفوعا برغبة قوية في تحسين وتعميق العلاقات مع اليابان.

طموحات
وتريد الصين أن تنضم اليابان إلى مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى بناء طرق للتجارة والبنية التحتية عبر القارات، وهو أمر حساس بالنسبة لليابان في ضوء تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، وافقت بكين وطوكيو على التعاون في مشاريع البنية التحتية في البلدان النامية.

وتواجه اليابان ضغوطا من إدارة ترامب لاستيراد المزيد من السيارات والمنتجات الزراعية الأميركية، في محاولة للحد من العجز التجاري المزمن للولايات المتحدة.

لكن المحللين يعتقدون بأن الضغوط الأميركية يمكن أن تدفع رئيس الوزراء الياباني المتهم من قبل المنتقدين له بالرقص على إيقاعات واشنطن، إلى التقارب مع الصين لكي يوجه رسالة إلى ترامب بأنه لن يرضخ للابتزاز الأميركي.

وخلال الزيارة الأخيرة، نقلت وكالة “كيودو” اليابانية عن الرئيس الصيني قوله “يتعين على الصين واليابان أن تتحركا بالعلاقات صوب اتجاه تاريخي جديد، حيث يتزايد عدم الاستقرار والغموض في أنحاء العالم”، منبها إلى أن الجارتين “تتقاسمان مصالح مشتركة وهموما أوسع نطاقا وأكثر تعددية”.

أما آبي فقال “أريد أن أرتقي بالعلاقات بين اليابان والصين إلى عصر جديد، والتحول من المنافسة إلى التعاون؛ فاليابان والصين جارتان وشريكتان، لن نصبح تهديدا لبعضنا البعض”. معتبرا أن علاقات البلدين “عادت إلى مسار طبيعي”.

وكان آبي تعهد هو ونظيره الصيني لي تشيانغ بالعمل على تعزيز التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية، ويأمل آبي أيضا أن تمنح هذه الرسالة غير المباشرة بلاده موقفا قويا في المحادثات التجارية المقرر انطلاقها في يناير/كانون الثاني المقبل مع الولايات المتحدة.

دبلوماسية الباندا
وذكرت وسائل إعلام يابانية أن آبي يأمل أن تؤكد الزيارة فوز القوة الناعمة من خلال ما تسمى “دبلوماسية الباندا”، إذ إن حديقتي حيوان سينداي وكوبي اليابانيتين تسعيان للحصول على مزيد من هذه الحيوانات الفريدة من الصين.

أما الفزاعة الأميركية في وجه هذا التقارب فهي القول إن تهديدات القرن 21 على الأمن والازدهار الإقليميين خاصة من الصين وكوريا الشمالية تتزايد”.

لكن المحلل السياسي الياباني مينورو موريتا يقول “إن هذه الحجة الأميركية عفا عليها الزمن في ضوء تحسن العلاقات الصينية اليابانية، وقرار كوريا الشمالية تعليق تجاربها الصاروخية”.

ويرى موريتا -مثل غيره من المحللين اليابانيين- أن واشنطن تحاول منذ وقت طويل تعميق الخلافات بين العملاقين الآسيويين الصين واليابان، مضيفا أن “اليابان تتبنى معيارا مزدوجا في التعامل مع الصين”.

ويضيف أن “أمين عام الحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني توشيهيرو نيكاي الذي يتزعمه رئيس الوزراء، يقيم علاقة شخصية مباشرة مع الرئيس الصيني”، مشيرا إلى أن نيكاي يرى أن اليابان لن يكون لها مستقبل إذا لم تعزز علاقاتها مع الصين وكوريا الشمالية ودول آسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا).

وتقر صحيفة “غلوبل تايمز” الحكومية الصينية بأنه على الرغم من أن الولايات المتحدة عامل مؤثر جدا في العلاقات الصينية اليابانية، فإن تأثيرها محدود”.

وترى الصحيفة الصينية أنه إذا كانت بكين وطوكيو “تنويان التخطيط لمستقبل العلاقات الثنائية بينهما بناء على نمط سلوك واشنطن، لما نجم عن ذلك سوى الضياع”.

المصدر : الجزيرة