إذا أراد ترامب “الصفقة النهائية”، فعليه ألا يكرّر هذه الأخطاء

إذا أراد ترامب “الصفقة النهائية”، فعليه ألا يكرّر هذه الأخطاء

قبل خمسة وعشرين عاماً، تم التوقيع على معاهدة أوسلو للسلام. واستمرّت هذه المعاهدة لفترة طويلة، ولكنّها فشلت في إرساء السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وخلال تلك الفترة، سعت ثلاث محاولات – من قبل الرؤساء الأمريكيين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما – إلى حلّ النزاع، إلّا أن جميعها باءت بالفشل.

لقد حاول كلينتون دمج المفاوضات المباشرة المكثفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بمشاركة أمريكية واسعة، في حين غالباً ما تَمثّل نهج إدارة بوش بتعامل الطرفين بشكل مباشر مع بعضهما البعض، بمشاركة عرضيّة من وزيرة الخارجية الأمريكية. أما مشاركة إدارة أوباما فقد كانت بقيادة وزير الخارجية، مع حد أدنى من المفاوضات المباشرة بين الطرفين، حيث شغل جون كيري دور الوسيط. ولعب كاتبا هذه السطور أدواراً مختلفة خلال إدارة أوباما؛ فقد شارك أحدنا بعمق في قناة خلفية خلال العام الأول من جهود كيري، في حين شارك الآخر كعضو في فريق السلام التابع لوزارة الخارجية الأمريكية خلال المحادثات الرسمية.

نحن لا نوافق على الحجة القائلة بأنّ الولايات المتحدة مسؤولة عن انعدام السلام. فواشنطن لا تستطيع تحقيق السلام بين طرفين غير قادريْن على تحقيقه. وإذا كانا يفتقران إلى الإرادة والوسائل – ويواجهان انقساماً حادّاً بينهما كما هو الحال اليوم – فإنّ أيّ خطّة ستبوء بالفشل، حتى وإن كانت الأفضل. والأهم من ذلك، يجب على الطرفين أن يمتلكا السلام ليتمكّنا من الوقوف في وجه المقاومة الحتمية التي سيواجهانها من الرافضين المحليين الذين لا يستطيعون ببساطة التخلّي عن أساطيرهم الوطنية.

ومع ذلك، فهذه ليست حجة للولايات المتحدة لكي تقف متفرجة أو لا تلعب أيّ دور. فالدور الأمريكي يمكنه توفير التغطية والشرح والطمأنة – والالتزامات، مما يجعل من السهل على الطرفين اتخاذ قرارات صعبة. إن التعلّم من أخطاء واشنطن في الماضي – بالإضافة إلى الأخطاء السابقة للإسرائيليين والفلسطينيين – يمكن أن يساعد في عملية صنع السلام، وينبغي أن يمثل ذلك ركيزة لإدارة ترامب في وضع خطّة السلام التي تنوي الكشف عنها في مرحلة ما. إن المَيْل إلى إلقاء اللوم، دون تحمّل أيّ مسؤولية عن سبب فشل عملية السلام، هو أيضاً عامل مساهم في عدم تحقق السلام بعد مرور 25 عاماً على معاهدة أوسلو.

فيما يلي الخطوط العريضة للأخطاء الخمسة الرئيسية التي ارتكبتها الولايات المتحدة والفلسطينيون والإسرائيليون منذ عملية أوسلو.

الأخطاء الأمريكية

1. ضعف تدخل إدارة كلينتون | منذ البداية، خلال إدارة كلينتون، لم يكن المسؤولون الأمريكيون متشدّدين أو ثابتين بما يكفي بشأن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي أو الإصرار على تنفيذ الفلسطينيين مسؤولياتهم الأمنية. وأدّى النشاط الاستيطاني إلى شعور الفلسطينيين بالعجز – وهو شعور غذّى الحاجة إلى إثبات أنّهم ليسوا ضعفاء في مواجهة التصرفات الإسرائيلية، مما قلل من حافزهم للوفاء بالتزاماتهم في مجال الأمن. وكَوْن موضوع الأمن القضية الأساسية التي تحدّد الدعم الإسرائيلي العام للسلام، لا سيّما مع وجود زعيم فلسطيني تم ربطه بالإرهاب، كان ينبغي على واشنطن أن تكون أكثر إصراراً مع ياسر عرفات، وتوضح أنّه إذا لم يفِ بمسؤولياته، فسيتم تعطيل عملية [السلام]، مع تفسير علني بعدم استئنافها قبل اتخاذ الفلسطينيين بعض الخطوات. وخلال تلك السنوات، كانت إدارة كلينتون تضغط على عرفات وتهدّده، ثمّ تعود وتستأنف المحادثات، وكثيراً ما كانت تُفسر ذلك بفشل الفلسطينيين في اتخاذ الخطوات اللازمة.

2. تردّد بوش | تجنّبت إدارة بوش عملية صنع السلام حتى وقت متأخر من ولايتها الثانية. نعم، إنها دعمت الانسحاب الإسرائيلي من غزة. ولكن، عندما تعلّق الأمر بالضفة الغربية، غالباً ما سمحت بوجود فراغ. وحتى بشأن غزة، أدّى التردّد في لعب دور الوسيط إلى قيام الإدارة الأمريكية بتقديم تطمينات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، آريئيل شارون، كجزء من انسحاب إسرائيل، في حين فشلت الإدارة في الإصرار على اضطلاع الفلسطينيين بمسؤوليات أمنية أثناء عملية الانسحاب الإسرائيلي أو الالتزام بمساعدة الفلسطينيين على القيام بذلك على الأرض.

3تساهل أوباما مع عباس | كان الخطأ الرئيسي لإدارة أوباما هو عدم انتقاد الفلسطينيين أو محاسبتهم إطلاقاً. وحتى عندما لم يستجب الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمبادئ أوباما الخاصة بإنهاء الصراع بعد اجتماعهما في 17 آذار/مارس 2014، ألقت الإدارة الأمريكية اللوم على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسياسات الاستيطان الإسرائيلية – وليس على خيار عباس بالابتعاد عن المفاوضات، أو تحرّكاته لتدويل النزاع في لحظة حساسة، أو عدم استجابته لمبادئ واشنطن المقترحة بإنهاء الصراع. وكان يُنظر إلى إسرائيل على أنّها قوية وإلى الفلسطينيين على أنّهم ضعفاء – وبالتالي، دائماً ما كان يُلقى العبء على إسرائيل. وبالطبع، كان تقييم مواطن القوة والضعف النسبية للطرفين صحيحاً، إلّا أن ذلك لم يعفِ الفلسطينيين من المسؤولية؛ ومثل هذا النهج سمح للفلسطينيين بتجنّب الاضطرار إلى اتخاذ أيّ خيارات صعبة.

4. غياب قاعدة بناء السلام | لم تضع أيّ إدارة أمريكية تركيزاً كافياً على بناء خطة شاملة للسلام. ولم تبذل إدارتي بوش وأوباما جهوداً وموارد كافية من أجل تحقيق السلام، خاصة عندما كان سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني. وكانت لدى الولايات المتحدة مصلحة ضخمة في إظهار نجاح اسلوبه – الذي تمثل بتحمّل الفلسطينيين المسؤولية وبناء المؤسسات. ولكنّ جاذبية “الصفقة النهائية” كانت كبيرة جداً، بمعنى أنّ الإدارة الأمريكية لم تضغط على نتنياهو وعلى وزير الدفاع آنذاك إيهود باراك بما يكفي لتسهيل انتقال الناس وعبور البضائع والسماح بتطوير مشاريع البنية التحتية، فضلا عن السماح لعباس بالتوقف عن التعامل مع قضايا مثل حكم القانون والفساد. وإذا كان ذلك يدلّ على شيء، فهو يُظهر أنّ جاذبية الصفقة النهائية لا تنفرد برئاسة دونالد ترامب. نعم، يجب استخدام نهج من القمة إلى القاعدة يشمل رؤية أو أفق للسلام، ولكن من المحتّم أن يكون أكثر مصداقية إذا كان ما يحدث على الأرض يؤدّي إلى حلقة مثمرة من الخطوات المتبادلة.

5. السلام كعمليّة مجرّدة | لطالما عمدت جميع الإدارات الأمريكية، ومن بينها إدارة ترامب، إلى التعامل مع السلام باعتباره مبادئ عامة. وإذا كان من المتوقع أن يَنظر الإسرائيليون والفلسطينيون العاديون إلى التصريحات الجريئة أو المؤتمرات كإشارة إلى خطوة جديدة [في المساعي الأمريكية وجدّيتها]، فلا بد أن ينعكس ذلك على سلوكيات كلا الطرفين بالكلمات والأفعال ويجب أن يُنظر إليها بأنها آخذة في التغيّر أيضاً. وقد يؤمن الفلسطينيون أنّ شيئاً قد تغيّر إذا توقفت إسرائيل عن البناء خارج التكتلات الاستيطانية القائمة – مما يشير بشكل فعّال إلى قبول نتنياهو المُعلن لفكرة إقامة دولة فلسطينية. وبالمثل، سيأخذ الإسرائيليون بجدّية أكبر التزام الفلسطينيين بالسلام إذا أظهر قادة “السلطة الفلسطينية” أنّهم لن يضفوا شرعية على العنف ضد الإسرائيليين من خلال إنهاء ممارسة دفع الأموال لعائلات أولئك الذين يسعون إلى قتل الإسرائيليين.

الأخطاء الفلسطينية

1. خطأ في التسمية | لطالما حدّدت القيادة الفلسطينية بأن صنع السلام ليس عملية مصالحة، بل إنهاء الاستعمار بشكل أساسي. وقد حرّم هذا النهج عملية السلام من جاذبيتها في إسرائيل. فبدأ الإسرائيليون يؤمنون بأنّ الفلسطينيين يريدون الأرض وليس السلام. ومن المفارقات أنّ هذه الرؤية ساعدت اليمين الديني الإسرائيلي في صناديق الاقتراع، مما يعني أنّه لم يكن يتعين عليهم تقديم حججهم فيما يتعلق بالإرث التوراتي للأرض – بل كان عليهم ببساطة أن يقولوا إنّ الفلسطينيين ليس لديهم مصلحة في السلام. وعلاوة على ذلك، هناك عواقب أخرى في عدم تحديد السلام كعملية مصالحة. فقد سمح للفلسطينيين بتبرير تقديم المساعدات المالية مدى الحياة لأُسر أولئك الذين ارتكبوا أعمال عنف ضد المدنيين الإسرائيليين – وهي ممارسة أقنعت الإسرائيليين بأنّ الفلسطينيين مستمرّون في تحفيز العنف. وبدوره، يعزّز هذا المفهوم الإجماع الإسرائيلي المتنامي بعدم وجود شريك لهم.

2. الانتفاضة الثانية | تسببت الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و2005 في إعاقة احتمالات السلام حتى يومنا هذا. وفي حين ستتواصل النقاشات لسنوات طويلة حول ما إذا كان عرفات قد تعمّد إثارة الانتفاضة الفلسطينية في أعقاب محادثات كامب ديفيد في صيف عام 2000 – حيث تم بذل الجهد الجدّي الأوّل لحلّ قضايا الحدود والأمن والمستوطنات واللاجئين والقدس – فمن المؤكد أنّه لم يَبذل أيّ جهد حقيقي لوقفها. فقد قُتل حوالي 4000 فلسطيني و1000 إسرائيلي في الانتفاضة الثانية. وبعيداً عن الخسارة البشرية المأساوية، أدّت الانتفاضة إلى فقدان معسكر السلام الإسرائيلي مصداقيته، لا سيما وأنّ العنف جاء ردّاً على أكثر الحكومات انفتاحاً في تاريخ إسرائيل على حل المسائل الجوهرية للصراع، وبعد رفض عرفات لمقترحات كلينتون. وشعر معظم الإسرائيليين أنّه إذا لم يستطع الفلسطينيون قبول مقترحات كلينتون، فإنّهم لن يقبلوا أبداً بأيّ مبادرة سلام. وتبقى الحقيقة البسيطة أنّ النظام السياسي الإسرائيلي لم يتعافَ قط.

3. إجبار فياض على الاستقالة | كان قرار عباس بإجبار رئيس الوزراء فياض على الاستقالة عام 2013 خطأً أيضاً. فقد كان فياض، الذي يدرّس الآن في جامعة برينستون، يركّز على إنشاء واقع الدولة الفلسطينية من خلال بناء المؤسسات، وإضفاء الطابع الاحترافي على قوات الأمن، ومكافحة الفساد وفرض سيادة القانون. ونالت فكرة فياض بالمساءلة تقديرات دولية ومساعدات كبيرة. فاستاء عباس من هذا الاهتمام ولكنّه لم يكن راغباً أيضاً في التخلّي عن شبكات المحسوبية التي رأى فياض بحق أنها عقبة أمام التعيينات القائمة على القدرة والجدارة. وأظهرت الإطاحة بفياض عدم اهتمام عباس بالحوكمة الفعالة والمستجيبة.

4. فرصة عباس الضائعة | لم يردّ عباس على اقتراح أوباما وكيري بشأن حلّ الصراع، في [اجتماع في] البيت الأبيض في 17 آذار/مارس 2014. ودعا الاقتراح إلى [قيام دولة فلسطينية] على أساس  حدود عام 1967، وتبادل للأراضي متفق عليه، وترتيبات أمنية تضمن قدرة إسرائيل على الوفاء باحتياجاتها الأمنية بمفردها، وحلّ قضية اللاجئين بطريقة لا تغيّر الطابع اليهودي لإسرائيل، وإقامة عاصمتين لدولتين في القدس. لكن لم يصدر أي ردّ من عباس بهذا الشأن حتى يومنا هذا. إن عدم تجاوبه وغياب اقتراح مضاد، يعكس للأسف نمطاً على الجانب الفلسطيني: عدم رد عباس بتاتاً على العرض البعيد المدى لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود أولمرت، في أيلول/سبتمبر 2008، والذي تضمّن كذلك بنداً خاصاً [بقيام] اتحاد مؤسسات دولي بحكم جبل الهيكل/الحرم الشريف في القدس. وتبدو إخفاقات عباس في الرد مختلفة بعض الشيء عن رفض عرفات لمقترحات كلينتون. ويدّعي بعض الفلسطينيين أنّهم لم يحصلوا على المبادئ كتابةً، وبالتالي لم يتمكّنوا من الاجابة؛ ولكنّ هذه الحجة مخادعة كلياً لأن المفاوضين الفلسطينيين ناشدوا الإدارة الأمريكية بعدم وضع الاقتراح خطياً لأنّه سيتعيّن عليهم توزيعه على جميع هيئات “منظمة التحرير الفلسطينية”. إن القاسم المشترك لهذه الجهود الثلاثة الفاشلة في الأعوام 2000، و2007 إلى 2008، و2013 إلى 2014 هو غياب اقتراح فلسطيني مضاد وجدّي للعروض الأمريكية أو الإسرائيلية لإنهاء الصراع.

5. المزيد من انعدام التصرف من جانب عباس | لم ينتهز عباس الفرصة للاضطلاع بالمسؤولية تجاه المخافر الحدودية في نهاية الصراع في غزة عام 2014، الذي استمر 51 يوماً. فقد عانى سكان غزة بشكل رهيب، ولم تحقق «حماس» أيّ نتيجة جوهرية، وتوقع الفلسطينيون أن تحسّن “السلطة الفلسطينية” أوضاعهم على الفور في غزة. وفي تلك الفترة، كان هناك أمل بين الأمريكيين والإسرائيليين والمصريين والفلسطينيين بالخروج من المأزق الذي سبّبه استيلاء «حماس» على غزة عام 2007. إلّا أنّ عباس رفض اتخاذ أي إجراء.

الأخطاء الإسرائيلية

1. تعزيز المستوطنات | روّجت إسرائيل لمشروع الاستيطان، الذي تضخّم بشكل كبير منذ اتفاقيات أوسلو. وبينما أظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين شجاعة سياسية مذهلة في سعيه للتوصل إلى اتفاق سلام، ودفع بحياته ثمناً لذلك، إلّا أنه ابتعد عن تجميد النشاط الاستيطاني أو حتى الحد منه بشكل كبير – وهو واقع جعل الفلسطينيين يشعرون بالعجز. ومن الواضح أنّ رابين لم يحلم قطّ بأن يتفوق المستوطنون على جهود السلام، حيث ازداد عدد سكان المستوطنات من100,000  عام 1993 إلى أكثر من400,000 حالياً (ولا يشمل ذلك الأحياء المتنازع عليها في القدس الشرقية التي لا تعتبرها إسرائيل مستوطنات). صحيح أنّ المناطق الجغرافية التي يعيش فيها معظم المستوطنين في التجمعات الاستيطانية تقع داخل الحاجز الأمني ​​في الـ 8٪ من أراضي الضفة الغربية المتاخمة للمناطق الحضرية الإسرائيلية، مما يعني أنّ الباب لم يُغلق بعد أمام حلّ الدولتين. ومع ذلك، وفي ظل رفض الحكومة الإسرائيلية الحالية الحدّ من النشاط الاستيطاني خارج الحاجز الأمني، فإنّ القدرة على الحفاظ على إمكانية الانفصال عن الفلسطينيين وخيار إقامة الدولتين ستتضاءل بشكل متزايد.

2. الفشل في دعم نهج فياض | بين حزيران/يونيو 2007 وحزيران/يونيو 2013، فشلت إسرائيل في اتخاذ خطوات لإثبات نجاح نهج فياض وتحقيق الفلسطينيين مكاسب منه. ويُعزى الفشل الإسرائيلي إلى مزيج من العادة والقصور الذاتي من جهة والمعارضة من قبل المستوطنين من جهة أخرى. ومن خلال قيام إسرائيل بعرقلة حركة الفلسطينيين وتجارتهم، وفشلها في معالجة احتياجات الضفة الغربية من المياه، وشنها غارات على المنطقة “أ”، التي تشكّل 18.2٪ من الضفة الغربية والتي تضطلع فيها “السلطة الفلسطينية” بمسؤوليات مدنية وأمنية، فإن الإجراءات الإسرائيلية قد جعلت من الصعب إظهار نجاح نهج فياض تجاه الفلسطينيين. (كما أُشير أعلاه، كان هذا أيضاً خطأ من قبل إدارتي بوش وأوباما).

3. اعتماد نتنياهو على اليمين المتطرّف | في أيار/مايو 2016، شعر نتنياهو بالتردد ولم يبرم الصفقة التي عمل عليها مع إسحاق هرتسوغ لإدخال أحزاب المعارضة من يسار الوسط إلى الحكومة، مما كان سيجعل منها ائتلافاً واسع النطاق – من شأنه توفير الدعم السياسي اللازم للحصول على تنازلات رئيسية – بدلاً من ائتلاف يعتمد على الأحزاب اليمينية والدينية. وفي وقت سابق من ذلك العام، اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله مع نتنياهو والمسؤولين الأمريكيين وأوضحا أنهما سيستضيفان مؤتمراً للسلام من أجل تحديد مسار جديد. إلا أنّ أعضاء ائتلاف حكومة نتنياهو أصرّوا على [استمرار] البناء خارج التكتّلات الاستيطانية وخارج الحاجز الأمني؛ ولم يعارضهم نتنياهو.

4. عدم الاستعداد لتقديم تنازلات | كانت الحكومات الإسرائيلية قلقة للغاية من الظهور بمظهر الغباء، وأصرّت على الحصول على شيء ما مقابل أيّ شيء تمنحه. ولكن هناك أوقات يمكن أن تكون فيها التحرّكات الإسرائيلية استثماراً للمستقبل من خلال تمكين أولئك الفلسطينيين الذين يحاولون فعل الشيء الصحيح. وكان التردّد الإسرائيلي في السماح بوصول المياه إلى مدينة روابي الجديدة أو فتح الطريق للاتصال بها مثالاً تقليدياً على ذلك، الأمر الذي أعاق تطوّر المدينة لعدة سنوات. ويعيش في هذه المدينة الجديدة، التي تم تصميمها لتشمل 22 حيّاً، 4000 شخص؛ فهي تضمّ قطاعاً للتقنية المتقدمة والتجارة، وبيوت سكنية لائقة ومناسبة من الناحية البيئية – وكلّ ذلك بهدف خلق واقع حياة للطبقة المتوسطة للفلسطينيين. ومن الواضح أنّ لإسرائيل مصلحة في ذلك؛ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا تجعل [إسرائيل] هذا الأمر أكثر صعوبة؟ ولم يكن للعوائق الإسرائيلية علاقة بالأمن، بل بكل شئ يتعلق بالفكرة بأنّه لا يجب عليها أن تفعل شيئاً من أجل الفلسطينيين طالما تحاول “السلطة الفلسطينية” وضع إسرائيل في موقع دفاعي دولياً – أو تخفق في منح إسرائيل تنازلاً بشأن قضية أخرى.

5. انعدام عملية إقناع من أجل السلام | لا يستخدم نتنياهو قدراته الخطابية الفذّة في إسرائيل لإقناع المواطنين الإسرائيليين بأنّ الانفصال عن الفلسطينيين لا يشكّل خدمة للفلسطينيين، بل أمراً ضرورياً لإسرائيل إذا أرادت الحفاظ على دولة ديمقراطية ويهودية. وقال نتنياهو علناً وسرّاً أنّ إسرائيل لن تصبح دولة ثنائية القومية – لكنّ سياساته تقود في هذا الاتجاه. ويستطيع على الأقل أن يؤكّد للجمهور الإسرائيلي التزامه بمنع حدوث مثل هذه النتيجة. وبدلاً من ذلك، يستخدم قوته الإقناعية الهائلة من أجل إقناع الإسرائيليين بشكل أساسي بأنّهم يعيشون في مجتمع ما بعد الصراع وأنّ إيجاد حلّ للنزاع ليس مسألة وجودية لإسرائيل.

ولا يسع المرء إلا أن يأمل في أن تتعلّم إدارة ترامب من أخطاء الماضي – أي تلك التي اتركبتها واشنطن وكلا الطرفين. ومن الواضح أنّ البيت الأبيض يرتكب خطأً واحداً بالفعل، إذ تَواصَلَ مع الإسرائيليين وفعل العكس تماماً مع الفلسطينيين. إن صنع السلام ليس مسرحية أخلاقية يكون فيها أحد الأطراف على صواب كامل والآخر على خطأ كامل. ولا بد أن تكون التوقعات الفلسطينية أكثر واقعية، وعلى الفلسطينيين التعامل مع القضايا بنظرة تتّجه نحو تضييق هوة الخلافات وليس تسجيل النقاط – وكانت الإدارة الأمريكية على حق في الاعتراف بذلك. لكنّ الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الإدارة – نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وخفض ميزانية “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين” التي تعاني من مشاكل كبرى إلى الصفر دون الإعلان عن آلية مؤسسية بديلة لتلبية الاحتياجات الإنسانية الحقيقية للاجئين الفلسطينيين، وخفض المساعدات للمستشفيات، وإغلاق مكتب “منظمة التحرير الفلسطينية” في واشنطن – تُظهر جميعها سياسة متّسقة تتجاهل الاحتياجات والمخاوف الفلسطينية. ولن يؤدّي ذلك إلى استجابة من شعب اتّسم تاريخه بالمواجهة والتضحية – كما لن يجعل القادة العرب أكثر احتمالاً للتوقيع على خطة سلام عندما يتم عرضها في النهاية.

ومن المرجح أن تكون خطة السلام موضع البحث وعَرْضِها وعملية تنفيذها ناجحة إذا أخذت في الاعتبار دروس الماضي – والاعتراف بالخطوات الغير سليمة من جميع الأطراف. إن فهم أخطاء الماضي هو خطوة أولى نحو تشكيل مستقبل مختلف.

دينيس روس

معهد واشنطن