الاغتيالات تلاحق قادة احتجاجات البصرة

الاغتيالات تلاحق قادة احتجاجات البصرة

البصرة (العراق) – طالت موجة الاغتيالات التي تلاحق نشطاء الحراك الاحتجاجي في محافظة البصرة بجنوب العراق، رجل دين شيعيا شابّا معروفا بنشاطه ضمن الاحتجاجات على الفساد وسوء الأوضاع الاجتماعية وتردّي الخدمات، والتي انطلقت في يوليو الماضي من المحافظة وامتدّت إلى عدد من المحافظات المجاورة، مشكّلة تحدّيا كبيرا للسلطة القائمة بقيادة الأحزاب الشيعية الموالية لإيران.

وسقط الشيخ وسام الغراوي برصاص مسلحين مجهولين هجموا عليه أمام منزله في منطقة الموفقية وسط مدينة البصرة، في عملية ربطتها أغلب المصادر بنشاط رجل الدين الثلاثيني ضمن الحراك الاحتجاجي ومواقفه المؤيدة لمطالب المحتجّين.

ويعد الشيخ الغراوي من أبرز منسقي التظاهرات الشعبية في البصرة وشارك في جميع التظاهرات بالمحافظة، كما توعد في آخر مشاركة له في التظاهرات بإصدار “فتوى للجهاد” ضد المسؤولين الفاسدين.

كما ربطت المصادر اغتيال الغراوي بحادثتي اغتيال مماثلتين طالتا في وقت سابق ناشطة وناشطا في الاحتجاجات، محذّرة من أنّ نشطاء آخرين موجودون على لوائح التصفية الجسدية وذلك بالاستناد إلى شهادات عدد من النشطاء، قالوا إنّهم يشعرون بتحرّكات مريبة حولهم وعمليات مراقبة وتتبع دائمة لتحرّكاتهم، بما في ذلك التجسّس على هواتفهم المحمولة.

وكان مسلّح بمسدّس مزود بكاتم للصوت قد أردى في سبتمبر الماضي الناشطة والحقوقية البارزة في محافظة البصرة سعاد العلي. وحاولت السلطات الأمنية توصيف الحادثة باعتبارها جريمة ذات بعد جنائي ناجمة عن خلافات عائلية، لكنّ نشطاء محليين أكّدوا أنّ قتل العلي له علاقة بمواقفها ونشاطاتها ضمن احتجاجات البصرة.

ميليشيات وضعت قوائم للاغتيالات ونشطاء يشعرون بتحركات مريبة حولهم وعمليات مراقبة دائمة لتحركاتهم واتصالاتهم

ولفت هؤلاء إلى بروز الجانب الاحترافي في عملية القتل منذ تتبع الضحية إلى تنفيذ الجريمة ما “يدلل على أنّ العملية مخابراتيّة بامتياز”.

وفي أواخر شهر سبتمبر الماضي قتل مسلّحون مجهولون المعاون الطبي الشاب حيدر شاكر في مدينة البصرة. وأظهرت لقطات صوّرتها كاميرا مراقبة، المسلّحين الذين كانوا يمتطون سيارة رباعية الدفع، وهم يتوقّفون خلف الشاب أثناء عبوره الطريق بعد خروجه من المستشفى التعليمي في البصرة ويطلقون عليه الرصاص بدم بارد ويغادرون على مهل.

وصُنّفت العملية أيضا ضمن عمليات الترويع لشباب البصرة لردعهم عن الاحتجاج، بعد أن توسّعت في صفوفهم موجة الغضب وتدرّجت من مجرّد المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية وتوفير الخدمات ومناصب الشغل إلى مناهضة النظام القائم على حكم الأحزاب الشيعية.

وشكلّت الاحتجاجات التي اندلعت الصائفة الماضية في البصرة وعدد من محافظات جنوب العراق تحدّيا استثنائيا للأحزاب الحاكمة كونها تفجّرت هذه المرّة في المناطق التي لطالما اعتبرتها تلك الأحزاب المعروفة بموالاتها لإيران معقلها الرئيسي وموطن خزّانها البشري.

وكان التحدّي واضحا في طبيعة الشعارات التي رفعت خلال الاحتجاجات والتي حملت بشكل مباشر على أحزاب وسياسيين شيعة وقادة ميليشيات واتهمتهم بالفساد والفشل في قيادة الدولة. ومع محاولة السلطات التصدّي لموجة الاحتجاج بالقوّة، وسقوط قتلى وجرحى في صفوف المحتجّين، تدرّج الغضب الشعبي في البصرة وباقي محافظات الجنوب نحو الهجوم على مقرّات أحزاب وميليشيات شيعية منتمية إلى الحشد الشعبي.

وطال الغضب قنصلية إيران في البصرة التي هاجمها المحتجون أوائل سبتمبر الماضي وأضرموا فيها النيران، مردّدين شعارات مناهضة لنفوذ إيران في العراق. ولا يبدو للكثير من الدوائر السياسية والإعلامية العراقية أنّ موجة الاغتيالات التي تلاحق نشطاء الحراك الاحتجاجي منفصلة عن استهداف المحتجّين للأحزاب والميليشيات ولداعمتها إيران.

وسبق لوسائل إعلام أن نقلت عن مصدر حقوقي عراقي قوله إنّ ميليشيات موالية لإيران أبرزها عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله العراق وحركة النجباء، وضعت قوائم للاغتيالات تشمل على وجه الخصوص المشاركين والمساندين لاستهداف القنصلية الإيرانية في البصرة.

ويلفت متابعون للشأن العراقي إلى أنّ الأحزاب العراقية التي يمتلك أغلبها ميليشيات مسلّحة، لا تهدف من وراء ملاحقتها لنشطاء البصرة، فقط، إلى الانتقام منهم وردّ الاعتبار لإيران التي ترى في حرق قنصليتها إهانة كبيرة لها، ولكّنها تريد أيضا قمع حركة المعارضة المتنامية في صفوف الشباب العراقي، لا سيما شباب المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، لتجربة الحكم القائمة في العراق بقيادة الأحزاب الموالية لإيران، بعد أن آلت تلك التجربة إلى فشل ذريع على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحتّى الأمنية.

وتتّجه أغلب التوقّعات إلى أنّ خفوت موجة الاحتجاج بالعراق في الوقت الراهن، ظرفي ومرتبط بحالة الانتظار المصاحبة لتشكيل حكومة جديدة برئاسة عادل عبدالمهدي، وأنّها ستعود بحدّة أكبر في مستقبل قريب نظرا لعدم حدوث أي تغيير، لا في طبيعة السلطة القائمة مع عودة ذات الأحزاب إلى الحكم على أساس المحاصصة، ولا في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي خرج الناس بسببها للتظاهر والاحتجاج.

العرب