إضراب عام في تونس يُربك حسابات الشاهد

إضراب عام في تونس يُربك حسابات الشاهد

تونس – تنجرف الأزمة السياسية في تونس نحو توتر اجتماعي غير مسبوق بدأت ملامحه تتراكم بتصعيد جديد للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) الذي يلوّح بتنفيذ إضراب عام خلال الفترة القادمة بعد الإضراب الجزئي الذي نفذه أمس.

ويُنذر هذا التلويح الذي جاء على لسان نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد، في كلمة ألقاها، الخميس، أمام تجمع عمالي احتجاجي أمام البرلمان، شارك فيه الآلاف من المحتجين، بشتاء ساخن ينتظر تونس قد تنقلب فيه حسابات رئيس الحكومة يوسف الشاهد والائتلاف الحزبي الداعم له بقيادة حركة النهضة الإسلامية.

وتجمّع الآلاف من المحتجين أمام مقر البرلمان بالعاصمة. كما تجمع الآلاف أيضا في عدد من المدن مثل صفاقس والقصرين وسيدي بوزيد وقابس ونابل.

وأبدى الطبوبي خلال هذه الكلمة التي جاءت بمناسبة الإضراب العام لمنتسبي الوظيفة العمومية، تصميما على المُضي قدما في تنفيذ إضرابات واحتجاجات أخرى، مشددا “سنُصعد من نضالنا، ولن نستسلم”، ولافتا إلى أن الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد ستتخذ، السبت، “قرارات تصعيدية”.

وأعلن الطبوبي ولأول مرّة أن الاتحاد “معني بالانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية”، ما يؤشر إلى أن المنظمة قد تشارك في الانتخابات القادمة بقوائم خاصة بها بدل سياسة الحياد التي كانت تتبعها في السابق.

ويعد هذا التصعيد اختبارا حقيقيا لقدرة الشاهد على إدارة معركة قوية وما إذا كان بوسعه المضي قدما في خطط إصلاحات اقتصادية معطلة وسط أزمة سياسية واقتصادية حادة تعصف بالبلاد.

وقال بوعلي المباركي الأمين العام المساعد للاتحاد إن زيادة الرواتب “لم تؤخذ بالاعتبار في ميزانية الدولة لعام 2019″، مشددا على أن المطالب برفع الرواتب مرتبطة بـ”الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، وتدهور القدرة الشرائية لدى المواطنين.. وتدهور الحياة اليومية”.

ونفذ الآلاف من أفراد الوظيفة العمومية في تونس، الخميس، إضرابا عاما عن العمل، احتجاجا على تدهور طاقتهم الشرائية، وللمطالبة بزيادة في رواتبهم لمواجهة الغلاء الفاحش في الأسعار.

وشمل الإضراب كافة العاملين بالوزارات والإدارات المركزية والجهوية والمحلية، والمؤسسات الخاضعة لأحكام القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، الذين يبلغ عددهم 690.091 موظفا بحسب سفيان عبدالجواد المدير العام المكلف بالإصلاحات الكبرى بالوظيفة العمومية برئاسة الحكومة.

وهتف المتظاهرون “الزيادة في الأجور ليست منة” و”تونس ليست للبيع″ وأطلقوا شعارات شهدتها ثورة 2011 ومن بينها “شغل، حرية، كرامة وطنية”.

كما رفعوا شعارات مناهضة للحكومة وأخرى تستهدف حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي وتحذر من خطر سيطرة الإسلاميين على السلطة.

وطالب اتحاد الشغل بحصول موظفي الحكومة البالغ عددهم 673 ألف موظف على زيادة في الرواتب تساوي تلك التي منحت هذا العام للمؤسسات الحكومية والتي تتراوح ما بين 15 و30 يورو (17 إلى 34 دولارا) في الشهر.

وتقول الحكومة إنها لا تقدر على الإيفاء بتعهدات جديدة لزيادة الأجور في ظل الوضع الاقتصادي الصعب. كما أنها تتعرض لضغوط من صندوق النقد الدولي الذي يحثها على تجميد الأجور في إطار إصلاحات للقطاع العام تهدف إلى الحدّ من عجز الميزانية.

وحسب بيانات حكومية، تقدّر كتلة الأجور في القطاع الحكومي بتونس بنحو 16.485 مليار دينار (5.887 مليار دولار)، تشكل نسبتها 14.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وأظهرت مؤشرات رسمية لمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية أن المقدرة الشرائية تراجعت في تونس بنحو 40 بالمئة في السنوات الأربع الأخيرة فقط. وقال المعهد الوطني للإحصاء بدوره أن راتب الموظف التونسي لا يكفيه سوى لأسبوع واحد.

وجاء هذا الإضراب، الذي شل أغلب مؤسسات الدولة في مختلف أنحاء البلاد، في سياق سياسي يتسم بتزايد التوتر بين الحكومة الحالية، وغالبية الأحزاب، وخاصة منها حركة نداء تونس التي شارك أنصارها ونوابها بالبرلمان في التجمع الاحتجاجي.

وبحسب عبدالعزيز القطي، القيادي في حركة نداء تونس، فإن إضراب أفراد الوظيفة العمومية، شرعي ودستوري، وقد لجأ الاتحاد إلى تنفيذه بسبب انسداد أفق الحوار مع الحكومة التي عجزت عن تقديم الحلول لتخفيض نسبة التضخم وارتفاع الأسعار، وبالتالي تراجع القدرة الشرائية للمواطن إلى حدّ الانهيار.

وقال القطي لـ”العرب” إن التطورات التي عرفتها تونس خلال الأسابيع الماضية “تؤكد أن الحكومة الحالية التي فرضتها حركة النهضة بصريح التأكيدات السابقة لرئيسها راشد الغنوشي، ليست لها القدرة على فرض السلم الاجتماعي الذي يبقى الركيزة الأساسية لأي استقرار سياسي”.

واعتبر أن بلوغ هذه الدرجة من التوتر الاجتماعي، مرده “خضوع رئيس الحكومة إلى ضغوط حركة النهضة الإسلامية، والغنوشي الذي وصفه بـ’المرشد الأعلى’، لتتمكن مما تبقى من مفاصل الدولة بعد أن اخترقت الإدارة التونسية، وأخضعتها لمنطق الولاء”.

وشدد في المقابل على أن الإضراب هو “صيحة فزع يُطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل، للتصدي لعودة قوى الإسلام السياسي مُمثلة في حركة النهضة للهيمنة على الدولة، عبر استعراض القوة الذي أبداه الغنوشي في تصريحاته السابقة التي اعتبر فيها أن حركته هي التي شكلت الحكومة الثالثة للشاهد، عبر فرض بعض الوزراء واستبعاد آخرين”.

ويرى مراقبون أن هذا الإضراب الذي خلخل المشهد العام في البلاد، من شأنه إرباك الحكومة الحالية التي لجأت إلى الصمت، وبالنظر إلى حجم المشكلات التي تواجهها، والإكراهات التي لا طاقة ولا قدرة على تحمل تبعاتها، ما يعني أن متاعب الشاهد، لن تتوقف عند حدود هذا الإضراب، وإنما هي مُرشحة لأن تستفحل أكثر فأكثر.

العرب