التدخل العسكري المتزايد لروسيا في سوريا

التدخل العسكري المتزايد لروسيا في سوريا

في السنوات الأخيرة، بدأت روسيا تلعب دوراً مؤثّراً بشكل متزايد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث قامت ببناء جسور إلى مصر وليبيا وتركيا والسعودية وإيران. وخلال العام الماضي، أصبحت أكثر نشاطاً أيضاً في مناطق أخرى من أفريقيا – باستخدام الشرق الأوسط  كنقطة انطلاق مفيدة.

وفي عام 2015، وبعد أن لاحظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضعفاً من الغرب، قرر التدخل في سوريا من أجل إحراز تقدّمٍ في تحقيق عدة مصالح أساسية هي: صقل مكانة روسيا كقوّة عظمى، وإلزام الولايات المتحدة وأوروبا على التعامل مع موسكو على قدم المساواة، ومساعدة الأسد في غمر أوروبا باللاجئين، وصرف انتباه الغرب عن أوكرانيا. كما وفّرت سوريا ساحة تدريب للقوات العسكرية الروسية، مما شكّل طريقةً للترويج عن الأسلحة المحلية الصنع لزيادة كمية المبيعات، ووسيلةً لتخفيف قدرة المناورة الأمريكية في المنطقة. وبالإضافة إلى المساعدة في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ساعدت المعدّات العسكرية الروسية بشكلٍ أساسي على دعم الأسد وإنشاء فقّاعة من أجل منع الوصول/منع الدخول لمناطق معينة. ومن خلال ذلك، وضع بوتين حدّاً للعمليات الغربية في حين وضَعَ روسيا في موقعٍ أفضل لجمع الاستخبارات الإقليمية.

وقبل إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية “إلـ 20” في أيلول/سبتمبر، حقق بوتين عدة أهداف رئيسية في سوريا. فجعل من روسيا الوسيط الأساسي للمنطقة، وأبقى الأسد في السلطة، وعزز مبيعات الأسلحة، وصرف الجمهور الروسي مؤقّتاً عن القضايا الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، ضمنت موسكو حالياً تواجد عسكري طويل الأمد في سوريا ونقطة وصول إلى باقي المنطقة.

ويريد بوتين إيجاد حل للأزمة السورية، لكن وفقاً لشروطه الخاصة. وشكّل إسقاط طائرة “إلـ 20” إحراجاً كبيراً. فبغَضّ النظر عن كمية اللوم الذي توجّهه موسكو إلى إسرائيل، أظهر هذا الحدث عدم الكفاءة النسبية لكل من بوتين والأسد. ومع ذلك، فمن خلال تسليم صواريخ أرض-جو من طراز “إس-300” إلى سوريا، ما يزال بإمكان موسكو تعزيز هيمنتها، وتقوية نفوذها، وإضعاف واشنطن. ويقيناً، تبقى عدة عناصر مهمّة غير معروفة، مثل نموذج صواريخ “إس-300” المنقولة وكميتها وموقعها وسعرها، وسواء ما إذا كانت ستخضع للسيطرة السورية الكاملة أم لا.

وقد تجد موسكو صعوبةً في الحفاظ على التوازن مع الجهات الفاعلة المتعددة في المنطقة. وفي النهاية، تعتمد قدرتها على تحقيق ذلك على واشنطن. ويعود الكثير من النجاح الذي حققته موسكو في السابق إلى عدم وجود ضغط كبير من الغرب. وبالتالي، فإن قرار واشنطن البقاء في سوريا قد يعقّد الأمور بالنسبة لبوتين، الذي يريد أن تغادر القوات الأمريكية.

وأخيراً، عند تقييم الأنشطة الدولية لموسكو، من المهم دائماً أن نأخذ في الاعتبار الوضع الروسي المحلّي: فالاقتصاد الروسي يتدهور ببطء، وإصلاحات الحكومة في مجال التقاعد لا تحظى بشعبية كبيرة، ولا تزال الاحتجاجات المحلية مستمرة. وفي أيلول/سبتمبر المنصرم، خسر عددٌ من المرشّحين الذين يدعمهم بوتين في الانتخابات الإقليمية، مما قد يدل على تنامي شعور “أي شخص باستثناء بوتين”. ولهذا السبب كان الكرملين يشدد على قصة “القلعة المحاصَرة” في السنوات الأخيرة، ومن المرجح أن ينظّم بوتين عمليات تدخل أو تشتيت إضافية في المستقبل.

روبرت هاميلتون

منذ تدخّل موسكو في عام 2015، كانت القوات الروسية والأمريكية على مقربة شديدة داخل سوريا. وبحلول صيف عام 2017، بدأت هذه القوات تستخدم قنوات أرضية وجوّيّة لتفادي التصادم، ومناطق عمليات مستقلة، وطرق تواصل عبر البريد الإلكتروني والهاتف لمنع أي اشتباك غير مقصود. وتشمل مواضيع النقاش الجارية اقتراحات إنشاء مناطق لتفادي التصادم وحيث يمكن لكل جانب العمل مع توجيه إشعارٍ مسبق.

غير أن روسيا تَحدّت شرعية الوجود الأمريكي إذ اعتبرت أن حكومة سوريا الشرعية لم تدعُ واشنطن للتدخّل. كما نشرت معلومات مضللة مفادها أن الولايات المتحدة تدعم تنظيم «الدولة الإسلامية». بالإضافة إلى ذلك، قامت القوات الروسية في عدة مناسبات بضرب «قوات سوريا الديمقراطية» – الشريك الرئيسي لواشنطن على الأرض – التي غالباً ما تضم مستشارين أمريكيين في صفوفها.

وفي أيلول/سبتمبر الماضي، أقامت القوات الروسية نقطة عبور عبر نهر الفرات، ثم هاجمت مقرّاً لـ «قوات سوريا الديمقراطية» على الجانب الشرقي من النهر. وردّت الولايات المتحدة عسكريّاً، فقتلت عدة مقاولين عسكريين خاصين من الروس. وليس من الواضح ما إذا كان هؤلاء قد عبروا النهر للوصول إلى البنية التحتية النفطية، أو لمنع «قوات سوريا الديمقراطية» من التقدّم جنوباً، أو لطرد القوات الأمريكية.

وتشمل النجاحات العسكرية الروسية في سوريا الاستفادة من السفن البحرية للنقل البحري، والحفاظ على معدلات طلعات الطائرات، وشن غارات جوية بمعدّلٍ تعتبره واشنطن خطيراً. ولم تتمكّن غارات القاذفات الطويلة المدى من إصابة أهدافها باستمرار، ولكنّ هذا الوجود نفسه يُظهر قدرة الكرملين على القيام بمهام قصف استراتيجية. كما تحسّنت روسيا كثيراً في إدارة تحالف [عسكري]، لكنّها واجهت مشاكل أوّلية في نشر القوات في سوريا، ونقصاً في الذخائر الدقيقة، ومشاكل في تنفيذ عمليات الإنزال البرمائية.

وكانت القاعدة الأمريكية الكبيرة في “التنف” هي السبب الأساسي لإنشاء آليّة لتفادي التصادم البرّي. وتقع هذه القاعدة في منطقة عبور حدودية مهمة وهي بمثابة شوكة لروسيا لأنها قد تقيّد القوات الموالية للنظام.

كما تشكّل إدلب تحدّياً وتُظهر وجه انشقاقٍ بين تركيا وروسيا. فلا يستطيع كلٌّ من نظام الأسد وموسكو العمل بحرّيّة في إدلب لأنها تقع على الحدود مع تركيا. بالإضافة إلى ذلك، لا تستطيع روسيا تحمُّل أزمتيْن متزامنتيْن مع تركيا وإسرائيل، لذا أطلق بوتين على عملية إسقاط طائرة “إلـ 20” بأنها “سلسلةً من الظروف المأساوية”، وفقاً لبعض التقارير. ومن المثير للاهتمام أن القوات العسكرية الروسية استمرت في عدائيتها الشديدة تجاه الإسرائيليين رغم تهدئة لهجة بوتين. وتوصّل البلدان إلى ترتيبات منع التصادم الجوي على غرار الترتيبات القائمة بين روسيا والولايات المتحدة، وكانت الأمور تسير على ما يُرام نوعاً ما إلى حين عملية الإسقاط.

ستيفن زالوغا

تسببت عملية النقل الأخيرة لصواريخ “إس-300” من موسكو إلى سوريا قدراً كبيراً من القلق. فقد بدأ تطوير هذه الصواريخ في عام 1968 وأسفر عن إنتاج ثلاثة أنظمة هي: “إس-300 پي” (الدفاع الجوي الاستراتيجي)، و”إس-300 إف” (الدفاع الجوي البحري) و”إس-300 ڤي” (الدفاع الجوي للجيش). وتم تشغيل نظام “إس-300 پي” للمرة الأولى عام 1979. وعلى الرغم من أنه يشبه إلى حد كبير نظام “پاتريوت” الأمريكي، إلا أن مهمته تبقى مختلفة تماماً. ففي حين تم تطويره في البداية للدفاع عن مدن ومراكز صناعية ومواقع استراتيجية سوفياتية كبرى، إلا أنه تطور بشكل مستمر. ويُزعم أن النموذج الذي يستلمه السوريون هو “إس-300 پي إم يو 2″، المعروف باسم التصدير “فيفوريت”.

وعندما بدأ الروس أولاً بتسويق نموذج “فيفوريت”، عرضوه مع صاروخيْن مختلفيْن هما: الصاروخ الأقدم الذي يبلغ مداه 200 كلم، والنموذج الأحدث والأصغرحجماً الذي تم تصميمه لتوفير قدرة أكبر ضد الصواريخ الجوّالة القصيرة المدى. وفي الاستخدام الروسي، تتكون بطارية “إس-300 پي” ما بين ست قاذفات إلى اثني عشرة قاذفة (تم تركيب أربعة صواريخ على كلٍ منها)، ومركبة قيادة وتحكّم، ورادار سيطرة على النيران محمول على مركبة ويُعرَف بإسم “فلاب ليد” [“غطاء السدادة”]. وتتعدد الخيارات أمام المشترين، وتشمل مزيجاً من الصواريخ ورادارت متنوعة للإنذار المبكر. ويبدو أن سوريا تستلم بطّارية نيران واحدة تتألف من أربع قاذفات ورادار محمول (“فلاب ليد”)؛ وليس من الواضح ما إذا كان سيتم تسليم رادارات إضافية. وباختصار، يبدو أن الأسد لا يحظى إلا بقدرة رمزية في الوقت الحالي.

وفي حين أن المدى الأقصى لصواريخ “إس-300” يبلغ 200 كلم، إلا أنه من المرجح أن يكون مداها الفعلي أقل من ذلك بكثير، ويعتمد ذلك جزئيّاً على طبيعة الأراضي وعلى موضع رادار السيطرة على النيران الخاص بها. وإذا لم يتم توحيد صواريخ “إس-300” مع أنظمة الأمن الأخرى لتوفير الدعم المتبادل والتغطية المتداخلة على عدة نطاقات وارتفاعات، فستكون الدفاعات الجوية السورية أقل فعالية، حيث أن تقنيات الدفاع الروسية صُمّمَت لكي تندمج.

وكانت دمشق تحاول شراء نظام “إس-300 پي” منذ عدة عقود. وتحدّثت مع روسيا أولاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهي تشتري الآن جزءاً صغيراً مما أرادته في البداية. وبما أن إنتاج صواريخ “إس-300 پي” قد توقّف، فربما قام الروس مؤخراً بتسليم صواريخ “إس-300 ” مجددة من المخزونات القائمة.