تاريخ الإسلام أم تاريخ المسلمين؟

تاريخ الإسلام أم تاريخ المسلمين؟

ينتشر فى حياتنا العامة استخدام وصف إسلامى لكثير من الامور مثل الحديث عن نظم الحكم الاسلامية والاقتصاد الاسلامى والعمل الخيرى الاسلامى والحركات الاسلامية وغيرها وفى كثير من الاحيان فإن هذا الاستخدام يكون توظيفا سياسيا أو اجتماعيا للإسلام واسباغ نوع من الشرعية على تلك المؤسسات والأنشطة، لجعلها اكثر جاذبية وقبولا لدى جمهور الناس. وأعتقد انه من الضرورى مراجعة هذه الاستخدامات والتمييز بوضوح بين الاسلام والمسلمين وان تلك المؤسسات والأنشطة هى جهد بشرى ربما لا يختلف فى جوهره وأساليبه وأهدافه عن المؤسسات والأنشطة الاخرى التى لا تسمى نفسها «إسلامية» بل قد يكون فيها ما يخالف أحكام الإسلام وقواعده. وأكبر مثال لذلك هو استخدام تعبير التاريخ الاسلامى, فنقول مثلا التاريخ الاسلامى فى العصر الاموى أو تاريخ النظم السياسية الاسلامية ففى هذا التاريخ أحداث وأفعال وتجاوزات لا يمكن نسبتها إلى مبادئ الاسلام بأى شكل من الأشكال وإنما هى أنماط للسلوك وترتيبات فرضتها التوازنات السياسية والصراع من أجل الحكم. وللدلالة على ذلك أشير إلى لقطات مما نسميه «تاريخ الاسلام» أو «التاريخ الاسلامى».

فعقب الخلافة الراشدة تولى الحكم معاوية بن ابى سفيان وإلى الشام الذى أسس الخلافة الأموية عام 41هـ ونقل عاصمتها إلى دمشق وفى حياته دعا إلى مبايعة ابنه يزيد خليفة من بعده وأصبح نظام الحكم وراثيا فى بنى أمية. وعندما امتنع الحسين بن علىّ وعبدالله بن عٌمر وعبدالله بن الزبير عن المبايعة شهدت السنوات التالية عددا من المناورات السياسية والصدامات العسكرية التى انتهت بمصرع الحسين فى معركة كربلاء بالقرب من الكوفة عام 61هـ.

ثم سعى الخليفة الاموى الخامس مروان بن عبد الملك إلى فرض سيطرته على الحجاز التى كانت تحت ولاية عبدالله بن الزبير حفيد الخليفة الأول ابو بكر الصديق وابن اسماء «ذات النطاقين» ، حيث فأرسل جيشا بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفى الذى حاصر مكة المكرمة عدة شهور وهزم جيش الزبير الذى قتل فى المعركة .واشتهر الحجاج بالقسوة والعنف فى تعامله مع خصومه والمخالفين له وارتبط اسمه بكثير من المظالم والتجبر واستبداده بالحكم، ويدل على ذلك كلمته الشهيرة إلى اهل العراق: اننى لأرى رءوسا قد اينعت وحان قطافها، وانى لصاحبها، وكأنى انظر إلى الدماء بين العمائم واللحى.

بوفاة هشام بن عبدالملك ضعفت الخلافة الاموية وانتهت بالثورة التى اقامت الخلافة العباسية ثم تلاها الخلافة العثمانية. وعلى مدى تلك القرون والحقب كانت هناك صفحات مليئة بالتقدم والنهضة وتطبيق مبادئ الاسلام وصفحات أخرى بعيدة كل البعد عن ذلك وسادها الاستبداد السياسى والاقتصادى. وعلى سبيل المثال ما حدث فى الدولة العثمانية من ضعف وسوء إدارة وانتشار الفساد وانفراد السلطان عبدالحميد الثانى بالسلطة ثلاثين عاما وجمعه بين الخلافة والسلطنة. فأحاط السلطان نفسه بهالة من التبجيل حيث كان تتم مخاطبته رسميا بأنه: ولى النعم مالك رقاب الامم الملك المعظم أمير المؤمنين وحامى حوزة الدين سلطان الاسلام والمسلمين وخليفة رسول رب العالمين أدام الله العز والتمكين إلى يوم الدين. ثم اتبعت الدولة العثمانية سياسة التتريك التى تبناها حزب الاتحاد والترقى والتمييز ضد العرب، وكانت هذه الممارسات إحدى مصادر نمو الشعور بالانتماء العربى فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

كان الاستبداد والتضييق على الحريات سياسة عثمانية مما دفع الشيخ عبدالرحمن الكواكبى من علماء حلب إلى مغادرة بلده والمجيء إلى مصر عام 1899 ونشره سلسلة من المقالات فى جريدة «المؤيد» التى أصدرها الشيخ على يوسف عن الاستبداد وأسبابه وتأثيراته ثم جمعها فى كتاب بعنوان: «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد», والتى اعتبر فيها أن الاستبداد هو الآفة الرئيسية التى تدمر الدين والعلم والتربية والأخلاق والمجد والمال وتؤدى إلى ضياع العمران والحضارة. وذكر فى مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب التى صدرت فى 1902 انه وصل إلى هذا الرأى بعد بحث لمدة ثلاثين عاما حول اسباب تأخر المسلمين وأنه: تمحص عندى أن اصل هذا الداء هو الاستبداد السياسى، ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية.

وفى ظل نظام الخلافة نشأ فى بلاد المسلمين عديد من الممالك والسلطنات والإمارات والأسر الحاكمة وكان الانتقال من نظام حكم لآخر وأسرة حاكمة لأخرى يتم بالقوة التى فسرها ابن خلدون «دورة العصبية». ففى مصر مثلا توالى حكم الاسر الطولونية والإخشيدية والفاطمية والأيوبية ثم المماليك البحرية والبرجية فالحكم العثمانى وصولا إلى محمد على باشا. وفى المغرب تعاقب على الحكم الادارسة والمرابطون والموحدون والمرينون والوطاسون والسعدون والعلويون وهى الاسرة التى ما زالت تحكم حتى الآن. وفى الاندلس وبعد ضعف الخلافة وتفككها نشأ ملوك الطوائف فنظم حكم المرابطين والموحدين.

وشهد هذا التاريخ السياسى للمسلمين حروبا بين الاسر والجماعات التى تصارعت من أجل الوصول إلى الحكم والاحتفاظ به .وأكبر دليل على ان تاريخ المسلمين ليس هو تاريخ الاسلام ان كثيرا من تلك الممالك والسلطنات والإمارات ساده نظم حكم استبدادية مطلقة. ومن الغريب أن يحدث ذلك فى نظم انتسبت إلى الاسلام فى الوقت الذى لفظ فيه القرآن الكريم الاستبداد بكل اشكاله وصوره، حيث ورد فيه اسم العلم «فرعون» كرمز للاستبداد- وليس بالضرورة كما هو شائع كلقب لحاكم مصر فى العصور القديمة – 74 مرة وهو عدد يفوق عدد مرات الاشارة إلى بعض أمور العبادات كالوضوء والحج أو الاحوال الشخصية كالزواج والميراث.

أن ما نسميه «تاريخ الاسلام» هو فى حقيقة الامر تاريخ المسلمين بأفعالهم وسلوكياتهم فما نتحدث عنه هو تاريخ البشر الذين اعتنقوا الاسلام والذين ينتمون إلى أقوام وشعوب عديدة يتحدثون اكثر من 100 لغة وتختلف ألوانهم وأصولهم العرقية وتقاليدهم الاجتماعية والثقافية السابقة على الإسلام واتسمت افعالهم على مدى التاريخ بالخير احيانا وبصفحات اخرى من الاستبداد السياسى وعدم العدالة. فهل يمكن ان نسمى ما تقدم «تاريخ الاسلام» او «التاريخ الاسلامى» ام نسميه باسمه الصحيح وهو «تاريخ المسلمين»؟.

علي الدين هلال

الاهرام