“حكومة ظل” أميركية تصفي حسابات مع ترامب والسعودية

“حكومة ظل” أميركية تصفي حسابات مع ترامب والسعودية

واشنطن – وضع التصويت الذي أجراه مجلس الشيوخ الأميركي بشأن المساعدة الأميركية في حرب اليمن وقضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، السعودية أمام امتحان دبلوماسي ومهمة علاقات عامة استثنائية في مواجهة “حكومة ظل” من لوبيات معادية.

وواجهت السعودية حملة تشويه غير مسبوقة في تاريخ أي دولة أخرى، وحاولت تيارات في الكونغرس الأميركي من الجمهوريين مدعومة من لوبي قطري ناشط وتيارات أخرى من الديمقراطيين تتعاطف مع إيران، أن تستغل قضية خاشقجي تحديدا لتصفية حسابات إقليمية بين السعودية وإيران وقطر وتركيا.

ويقف المحللون في حيرة أمام كثافة الحملة وتوقيتها، لأن الدوائر الرسمية الأميركية، ومثلها الإعلام، كانت من أكثر المرحبين بسياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولم تثر الأوساط الأميركية قضايا تتعارض مع السياسات السعودية، خصوصا في ما يرتبط بحرب اليمن.

وقال مراقب أميركي طلب عدم الكشف عن اسمه في تصريحات خاصة بـ”العرب” إن ما يثير الاستغراب هو تسليط الضوء على قضية حرب اليمن “حتى وكأن أعضاء الكونغرس انتبهوا اليوم إلى أن ثمة حربا دائرة هناك، أو أن الحوثيين فصيل غير تابع لإيران ولا ينفذ سياساتها”.

ولم يتردد المراقب الأميركي في إلقاء بعض اللوم على الرياض بالقول إن السعودية “استهانت بحجم تأثير اللوبيات المعادية واعتقدت أن الإصلاحات الجوهرية التي تجريها القيادة السعودية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ستكون هي الحكم في علاقتها مع الولايات المتحدة، سياسة وإعلاما”.

لكن التصويت الرمزي الذي أجراه مجلس الشيوخ بالأمس دق أجراس الخطر في الرياض وواشنطن على حد سواء، واعتبر مراقبون أنه يهدف إلى فتح الملفات ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سياسة لي ذراع أميركية داخلية بين مراكز النفوذ، من خلال أقرب حليف له.

ولاحظت مصادر أن التصويت رمزي في الشكل والمضمون ويعكس خللا داخل القيادة الأميركية. كما أنه يقدم الأعراض الأولى لتبدل موازين القوى النسبي الذي نتج عن الانتخابات النصفية التي جرت في نوفمبر الماضي.

وأضافت أن الأمر يأتي ليتعارض مع الموقف الرسمي الواضح للإدارة الأميركية في شأن علاقات واشنطن والرياض.

ونقل عن مصادر من داخل الكونغرس أن تقاطع الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري على تمرير هذا التصويت، يعود إلى التقاء مصالح الحزب الأول مع وجوه داخل الحزب الجمهوري تسعى لإحداث توازن داخل الحزب الجمهوري مع ترامب استعدادا لتموضع جديد يحضر بيئة أخرى للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2020.

واستغربت أوساط دبلوماسية أميركية سعيا حثيثا يجري داخل الطبقة الحاكمة في واشنطن لإحداث “حكومة ظل” تشوش على إدارة الرئيس ترامب في العلاقة مع السعودية بالذات.

ولاحظت هذه الأوساط أن هذا التشويش غائب تماما في ملفات سجال أخرى، مثل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي كما العلاقة مع كندا والمكسيك وجنوب شرق آسيا التي أحدثت سياسة ترامب داخلها إرباكا تاريخيا غير مسبوق.

ونقل عن أوساط مراقبة لأنشطة شركات اللوبي في الولايات المتحدة، أن تصويت مجلس الشيوخ، كما الحراك في الكونغرس ضد السعودية، يأتي على خلفية ما تمارسه شركات اللوبي العاملة لمصلحة قطر والتي باتت التقارير حول حجم تمويلها من قبل الدوحة تنشر علنا في الصحافة الأميركية.

ويعتبر محللون أن تقاطعا قطريا إيرانيا تركيا بدأ يبدي قلقا من تنامي الدور السعودي في تحديد مسارات التحولات الجارية في الشرق الأوسط. ورأى هؤلاء أن نجاح المفاوضات اليمنية في السويد بالاعتراف بالدور السعودي يؤكد الدور الاستراتيجي للرياض في المنطقة وفشل محاولات طهران وأنقرة والدوحة لعرقلته والنيل منه.

وقالت هذه الأوساط إن المال القطري، معطوفا على تطوير الدوحة لعلاقاتها مع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة واستقبال قياداته من قبل القيادة القطرية في الدوحة، يفسر تنامي الدعوات إلى ممارسة الضغوط على الإدارة في واشنطن لتبديل سياساتها حيال الرياض.

ولفت خبراء في الشؤون الإيرانية إلى أن السعودية تتعرض من داخل المؤسسات الأميركية إلى حملة من قبل منابر عهد الرئيس السابق باراك أوباما داخل البلاد.

ويضيف الخبراء أن تحول أوباما باتجاه إيران، والذي جاء على حساب العلاقات التاريخية مع دول الخليج، والذي فسّر أن يطلب أوباما من الخليجيين أن يذهبوا لـ”الاتفاق مع إيران على صيغة للتشارك في النفوذ في المنطقة”، استند على جهات ومؤسسات وتيارات ما زالت تعمل داخل الدولة العميقة للولايات المتحدة.

ورأى مراقبون خليجيون أن السعودية تنظر إلى التصويت الرمزي داخل مجلس الشيوخ بصفته شأنا أميركيا داخليا، له حساباته المحلية ويجري وفق قواعد اللعبة السياسية الأميركية. وأضاف هؤلاء أن العلاقات السعودية الأميركية والتي تعود إلى أربعينات القرن الماضي لا يمكن أن تتأثر بمماحكات داخلية أميركية تستخدم السعودية مادة لها.

لكن مراقبا سعوديا مطلعا رفض الكشف عن اسمه قال “إن المراهنة على العلاقات التاريخية فقط لا تكفي. نحن بصدد شن هجوم إعلامي مضاد”.

وأضاف “يمكن لخطة إعلامية سعودية أن تبنى على مواقف الإدارة الأميركية الواضحة والتي لا لبس فيها، والتوجه إلى الكونغرس بمنطق آخر”.

واعترف المصدر بأن الرياض ركزت على دائرة الحكم في واشنطن وأن المرحلة القادمة يجب أن تشمل الاهتمام بدوائر الكونغرس المتفرعة والمتشابكة في المصالح والولاءات.

ورأى المصدر بادرة إيجابية في عودة السفير السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى مقر عمله وشروعه بممارسة نشاطه.

وأكد الرئيس الأميركي، مرارا، دعمه للأمير محمد بن سلمان، مشددا على أنه “هو زعيم السعودية. وهي حليف جيد للغاية”. وقال ترامب في حديث مع وكالة رويترز، ردا على إذا ما كان دعمه للمملكة يعني دعمه للأمير محمد بن سلمان، “حسنا.. يعني ذلك بالتأكيد في الوقت الحالي”.

وتتسق مواقف البيت الأبيض مع ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في هذا الشأن، وكذا موقف وزير الدفاع جيمس ماتيس.

العرب