بالذكرى الأربعين للإصلاح الاقتصادي.. هكذا صنعت الصين المعجزة

بالذكرى الأربعين للإصلاح الاقتصادي.. هكذا صنعت الصين المعجزة

من دولة عانى ماضيها من الحروب وأنهكتها أيديولوجيات لم تأت على مدى عقود إلا بالفقر والجهل، إلى بلد صار كل ما فيه من إنجازات على مختلف الأصعدة يوصف بالمعجزة عند كثيرين.
تلك هي الصين الحديثة التي أراد لها الزعيم الصيني الراحل دينغ شياو بينغ أن تبدأ مسيرة الإصلاح والانفتاح قبل أربعين عاما، غير آبه -كما أعلن وقتها- بلون القط إن كان أبيض أم أسود ما دام قادرا على الإمساك بالفئران، في إشارة إلى إمكانية التنمية حتى لو كانت بالانفتاح على أعداء الماضي.

وها هم الصينيون اليوم لا يتمتعون باقتصاد هو الثاني في ضخامته عالميا فحسب، بل غدوا يمسكون بكثير من خيوط الاقتصاد العالمي، حسب مراقبين.

تطور هائل
تضاعف حجم اقتصاد الصين خلال العقود الأربعة الماضية من نحو 300 مليار دولار عام 1980، ليقترب من 13 تريليون دولار مع نهاية العام 2017، وذلك بنسب معدلات للنمو تجاوزت 10%.

وتحولت الصين من بلد ارتبط اسمه بالفقر والمجاعات، إلى بلد يضمم أكبر عدد من أصحاب المليارات في العالم، وهو 620 مليارديرا صينيا يتصدرهم مؤسس شركة “علي بابا” للتجارة الإلكترونية “جاك ما” بثروة تقدر بنحو 40 مليار دولار.

وخلال الفترة نفسها، تزايد تمتع الصينيين بحياة رغيدة لم يكونوا ليحصلوا عليها قبل الإصلاح وانفتاح اقتصادهم على العالم الخارجي.

فقد ارتفعت قيمة تجارة السلع والخدمات الصينية من نحو 20 مليار دولار في أواخر سبعينيات القرن الماضي لتتجاوز تريليوني دولار خلال الأعوام الأخيرة، في المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة.

وعن تلك الإنجازات، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيجينغ للدراسات الدكتور ليو تشين للجزيرة نت إن الصين شهدت تغيرات هائلة في كل المجالات بفضل سياسة الإصلاح والانفتاح، وخاصة على مستوى معيشة الشعب.

فقد تمكنت الصين -يضيف ليو تشين- من انتشال أكثر من سبعمئة مليون شخص من الفقر، وقبل أربعين عاما، كان حلم الصيني امتلاك دراجة، بينما اليوم كل أسرة صينية تمتلك سيارة.

ولعل ذلك ما دفع رؤوس الأموال الأجنبية للتدفق على السوق الصينية باستثمارات تجاوزت 200 مليار دولار مع نهاية العام 2017، بعد أن كانت معدومة عام 1980.

تقدم تكنولوجي
أما على صعيد التقدم التكنولوجي، فلا شك أن خطة الصين الطموحة التي أطلق عليها “صنع في الصين 2025” تشير بوضوح إلى ما وصلت إليه البلاد من ريادة في قطاعات التقنية العالية على مستوى العالم، وعلى رأسها قطاع الذكاء الاصطناعي الذي ترصد بكين حاليا لتنميته 150 مليار دولار.

يضاف إلى ذلك مشاريع الطاقة النظيفة التي تجاوزت استثمارات البلاد فيها 40 مليار دولار، وفي مقدمتها الطاقة الشمسية، حيث غدت الصين تصنع أكثر من 60% من إجمالي الإنتاج العالمي من الألواح الشمسية.

يرى مراقبون للتجربة الصينية أنها جاءت بالدرجة الأولى لتعيد اندماج البلاد في القيم والنظم السائدة عالميا بعد أن عاشت الصين فترة انغلاق على العالم الخارجي.

نقائص
بيد أن الباحث في الشؤون الصينية الأستاذ خو شين دو قال للجزيرة نت إن عملية الاندماج تلك كانت صعبة ومضنية للغاية، وواجهت العديد من المشاكل والعقبات لأن الإصلاح والانفتاح في الصين لم يكن يسري على المسارات المختلفة بالوتيرة نفسها.

ويضيف أن التنمية الاقتصادية بدأت واستمرت بسرعة على حساب الإصلاحات الأخرى في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية، مما جعل الصين دائمة الخلافات مع الدول الأخرى.

ولعل مشكلة التلوث البيئي الناجم عن سرعة دوران عجلة التنمية خلال العقود الأخيرة، ضاعفت من كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وغدت نسب عالية من أنهار وبحيرات ومياه الصين الجوفية ملوثة، مما جعل التكلفة البيئية على الصينيين ثقيلة.

الجزيرة