“عين على العراق”.. تفاصيل بلاد الرافدين كما لم ترها من قبل

“عين على العراق”.. تفاصيل بلاد الرافدين كما لم ترها من قبل

تبدو صورة العراق لدى الكثيرين مشوشة وملتبسة، تنبعث منها رائحة البارود وحمرة الدم، وذكريات كانت سعيدة زاهية يوما ما قبل أن تتحول إلى كتلة من الحزن والبؤس، هذه الصورة المتشظية قرر أن يجمع أجزاءها الصحفي والمصور الفوتوغرافي معن حبيب، الذي أخذ على عاتقه أن يرسم عراقا آخر في أذهان جمهوره.

“ليست بالمهمة اليسيرة أبدا” يقول معن، وهو ينشغل بمتابعة ردود الفعل والترحيب الكبير بمشروعه التوثيقي الذي أطلقه وحمل عنوان “عين على العراق”، والذي نقل فيه صورا من بلاد الرافدين بقيت نابضة بالحياة رغم كل الظروف والتحديات.
أماكن ووجوه عراقية
أماكن أثرية وطبيعية ووجوه عراقية تركت عليها الهموم بصماتها، إلا أنها ظلت متمسكة ببصيص أمل يلوح في الأفق، وجولات شملت محافظات ومناطق عدة في العراق، وخاصة الأهوار بكل ما فيها من غموض وسحر غير مكتشف حتى الآن.

يقول معن للجزيرة نت إنه حاول رصد الحياة بمختلف تفاصيلها، ونقل كل حالة يصادفها بواقعية وصدق، مع الأخذ بعين الاعتبار الالتزام بقواعد وأخلاقيات المهنة، مضيفا أن أعماله تعرض رؤيته الشخصية وفهمه لواقع يسوده الاضطراب والأمل في الوقت نفسه، بحسب تعبيره.

الصورة في حياتنا
ويعتقد معن أن الصورة أصبحت اليوم أداة مؤثرة في حياتنا، “فقد غيرت تواريخ بلدان وأوقفت حروبا مستعرة”، مشيرا إلى أنه يركز على السرد القصصي في مشاريعه المصورة، لأنه الأسلوب الأفضل والأقوى لنجاح أي عمل صحفي وبقائه على قيد الحياة أطول مدة ممكنة.

ويقوم المصور الفوتوغرافي بالبحث عن مواضيعه بعناية من خلال متابعة مقالات الصحف المحلية والعربية والعالمية، وعبر التواصل مع الأصدقاء للبحث عن القصص المميزة، مركزا بشكل خاص على المشاكل الاجتماعية التي تعانيها مختلف البلدان.

كنوز فنية دفينة
وتبدأ خطوات العمل لدى معن بعد أن يقع الاختيار على موضوع محدد، حيث يحدد جدولا زمنيا لتنفيذ المشروع، ويبحث بشكل أعمق عن تفاصيله وطريقة الوصول إليه لتغطيته.

“أنا أبحث عن الدعم لمشاريعي من خلال منظمات تعنى بحقوق الإنسان، وأطمح أن تصل قصصي إلى العالم”، يقول المصور الفوتوغرافي، الذي لم تمنعه الإقامة في الولايات المتحدة الأميركية من الاهتمام بالتنقيب عن “كنوز فنية دفينة” في وطنه الأم.

الإنسان في صور
أحب معن التصوير مذ كان في الرابعة عشر من عمره، ودرسه في معهد نيويورك للتصوير، وقرر أن يتخصص في التصوير الوثائقي والصحفي، ويوظف اهتمامه بالتصوير الفوتوغرافي بروافده كافة في خدمة مسيرة عمله صحفيا ومذيع أخبار في إحدى القنوات.

يؤكد معن أن كرامة الإنسان الذي يظهر في صوره حتى وهو في قمة مأساته هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو التلاعب به، حتى تكتمل رسالته بأن الحياة في العراق لا تزال مستمرة رغم الألم والمعاناة.

سرد بصري
ويسعى المصور الفوتوغرافي من خلال هذا المشروع الوثائقي لتقديم سرد بصري لواقع الحياة اليومية بعيدا عن العنف في بلاد الرافدين التي تعيش ظروفا استثنائية حساسة، حالت دون وصوله للعديد من المناطق أثناء تجواله للتصوير، لذا فقد قرر تقسيم المشروع إلى مراحل عدة، يستمر العمل فيها مستقبلا حتى اكتمالها.

وصلت أصداء المشروع الذي يعمل عليه معن إلى أماكن كثيرة داخل العراق وخارجه، مما جعله يحظى باستضافة ومحاورة أشهر المصوريْن العالميين المتخصصين في تغطية الحروب البريطاني دون ماكلين والأميركي ديفد بورنيت في مهرجان سابق.

عراقيل أمام الكاميرا
ويشتكي كثير من الفنانين والعاملين في مجال التوثيق بالعراق من عراقيل ومشاكل تعيق مهمتهم، بالإضافة إلى غرق البلاد في مشاكل أمنية وسياسية واقتصادية، وهو ما يجعل الاهتمام بأمر مثل هذا مجرد “ترف فكري” في نظر البعض.

ويرى المصور أسامة زين العابدين أن تسويق الصور السلبية هو أكثر سهولة من التعاطي مع نظيراتها الإيجابية، بسبب وجود من يستقبل هذه الصور بسرعة، سواء كانوا منظمات إنسانية أو سياسيين يستخدمونها في مهاجمة خصومهم وخدمة مصالحهم.

كما أن الصور السلبية هي أسهل التقاطا في الشارع بكل ما يعج به من مشاكل وأزمات، على عكس الصور الإيجابية التي تستلزم تهيئة وترتيبات مستمرة، فمن يريد تصوير البنايات التراثية والأثرية مثلا لا بد له من استخراج موافقات وكتب رسمية، قد يستغرق الحصول عليها أسابيع عدة.

لكن زين العابدين يلفت إلى أن الاتجاه زاد مؤخرا نحو تسليط الضوء على المظاهر الإيجابية التي تضج بالحياة، رغم أن ذلك يكلف المصور كثيرا من الأموال والجهود.

ويشير إلى أن الاحساس بالظلم قد يولّد روحا تبحث عن المشاكل والأزمات من أجل التنفيس عن حجم الغضب من تردي الأوضاع في الكثير من المجالات، “وهو ما تتلقفه وسائل الإعلام بسهولة وسرعة”.
الفن قبل السياسة
أما الطالب في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد علي إسماعيل فيرى أن محاولة تحسين صورة العراق يجب أن تبدأ بالفن قبل السياسة، لأن الأعمال الفنية هي التي ترسخ في وجدان الشعوب الصور النمطية التي تتوارثها الأجيال، وهي ثغرة سعى معن حبيب إلى سدها عبر مشروعه.

أما سجى محمد، وهي مصممة أزياء شابة، فتشير إلى أن الوعي يتزايد بين كثير من العراقيين بأهمية رسم صورة مغايرة لبلادهم، والاستفادة من أجواء الانفتاح والاستقرار النسبي الذي يعيشه العراق، وضرورة الاهتمام بالكفاءات العراقية المهاجرة والاستفادة من خبراتها وتجاربها في مثل هذا المشروع الضخم.

المصدر : الجزيرة