تغيّر المزاج السياسي يعيد دمشق إلى محيطها العربي

تغيّر المزاج السياسي يعيد دمشق إلى محيطها العربي

دمشق – يتيح التحوّل الكبير الذي طرأ على المزاج العربي، التطبيع الكامل للعلاقات مع سوريا في المستقبل القريب، متمثلا في زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق الأسبوع الماضي واللقاء الذي جمع قيادات في المخابرات السورية مع نظرائهم المصريين في القاهرة، وإعلان الإمارات العربية المتحدة، الخميس، فتح سفارتها في دمشق، ثم وصول أول رحلة طيران تجارية سورية إلى تونس بعد سنوات من المقاطعة.

وذكرت مصادر خليجية مراقبة أن الإمارات تقود تيارا عربيا لا يريد أن يكرّر تجربة عزل العراق التي أوصلت الوضع فيه إلى لحظة الغزو الأميركي ودخوله في المدار الإيراني كاملا.

وأعادت الإمارات فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق بعد إغلاق دام سبع سنوات. ووفق بيان لوزارة الخارجية الإماراتية، “أعلنت أبوظبي عودة العمل في سفارة الدولة بالعاصمة السورية دمشق”.

وأضافت المصادر الخليجية أن العزلة العربية هي فرصة إيران التامة، وأن نظام الرئيس بشار الأسد تحت التأثير الإيراني الآن، ولكن ضمن توازنات مع قوى أخرى خصوصا روسيا. وتوقعت أن تقوم القمة العربية المقبلة المؤمّل عقدها في تونس، بإعادة تأهيل نظام الأسد واستيعابه في المحيط العربي.

وعدّ وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، قرار الإمارات بعودة عملها السياسي والدبلوماسي في دمشق، وليد قناعة بأن المرحلة القادمة تتطلب الحضور والتواصل العربيين مع الملف السوري حرصا على سوريا وشعبها وسيادتها ووحدة أراضيها.

وكتب قرقاش في تغريدة على حسابه الشخصي على تويتر أن “الدور العربي في سوريا أصبح أكثر ضرورة تجاه التغوّل الإقليمي الإيراني والتركي”، وأن “الإمارات تسعى اليوم عبر حضورها في دمشق إلى تفعيل هذا الدور وأن تكون الخيارات العربية حاضرة وأن تساهم إيجابا تجاه إنهاء ملف الحرب وتعزيز فرص السلام والاستقرار للشعب السوري”.

ويعزو محللون التحوّل الحالي والمقبل في الموقف العربي إلى انحسار دور قطر وتغير موقف السعودية من طبيعة الصراعات في المنطقة.

ويرى هؤلاء أن الدوحة كانت قد مارست تحريضا غير مسبوق وترهيبا إعلاميا للضغط على الدول العربية لتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية. واعتبر أميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي تخاصم مع الرئيس السوري شخصيا، أن محور سياسته يقوم على تدمير النظام السوري وأوكل المهمة عربيا لوزير خارجيته في حينه الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.

وكانت سوريا قد تحوّلت إلى ساحة لمنافسة قطرية سعودية على كسب النفوذ والحصول على الولاءات من فصائل سورية مختلفة، سرعان ما كان الكاسبان الأكبران من هذه المنافسة هما تركيا وإيران.

ولفتت مصادر دبلوماسية خليجية إلى أن الموقف العربي المستجدّ يأتي مكملا للتحوّلات التي ستشهدها الساحة الدولية والتي تمثلت أعراضها الأولى بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من الأراضي السورية.

وكشفت هذه المصادر أن موسكو كانت قد سألت، في بداية التدخل الروسي الواسع في سوريا عام 2016، قيادات عربية أساسية هل أن الخيار المطروح على الأرض هو ترك الأمر تماما لإيران وتركيا، أو أن يتقبلوا تدخلا روسيا عنيفا جدا، لكنه محسوب الآفاق، خصوصا وأن الولايات المتحدة لم تكن جادة في التعاطي مع الملف السوري، سواء في عهد الرئيس السابق باراك أوباما أو في عهد الرئيس دونالد ترامب.

وتجسّد غموض الأميركيين عمليا قبل أيام بإعلان ترامب الانسحاب الكامل من سوريا ضمن ترتيبات ترجح كفة الأتراك، وليس كفة النظام السوري فقط، على حساب الفصائل الكردية الموالية لواشنطن.

وتقول مصادر دبلوماسية عربية إن عددا من العواصم العربية سوف تتخذ تدابير ممهدة من شأنها فرض أمر واقع جديد في العلاقة مع دمشق يبدل من توازن القوى داخل جامعة الدول العربية لصالح تفعيل عضوية سوريا داخل الجامعة.

وأكدت أنه من المرجح أن يتم هذا التطبيع ليكون ناجزا قبل أو أثناء القمة العربية المقبلة المؤمل انعقادها في تونس في 31 من شهر مارس المقبل. وهبطت طائرة تابعة لشركة “أجنحة الشام” السورية، الخميس، بمطار المنستير بتونس لأول مرة منذ نحو ثماني سنوات.

وقال مدير ديوان الموانئ والمطارات لطفي محسين “إن رحلة شارتر تؤمنها طائرة تابعة لشركة أجنحة الشام الخاصة، هبطت بمطار المنستير (200 كم جنوب شرق العاصمة) قادمة من دمشق”.

وأوضح محسين أن الرحلة تقل سائحين قادمين من سوريا لقضاء عطلة نهاية رأس السنة الميلادية بتونس وستعود إلى دمشق في الثاني من يناير 2019، وتضم الطائرة قرابة 150 مسافرا.

ويعتبر مراقبون أن زيارة الرئيس السوداني الأخيرة المفاجئة إلى دمشق شكلت حدثا صادما هدفه كسر محرمات داخل الدبلوماسية العربية المشلولة حيال الوضع في سوريا منذ قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية عام 2011.

وقال مصدر خليجي مطلع إن دول الخليج لاحظت أن النظام السوري لم يعمد إلى الانتقام من التدخل في بلاده أو إنفاق الأموال على الفصائل السورية الإسلامية المسلحة وظل يتعامل على أساس أن الحرب الأهلية السورية شأن داخلي، رغم كل اللوم الإعلامي الذي كانت وسائل إعلامه تصبه على الدول التي تبنت الفصائل المسلحة إعلاميا وماليا وتعبويا.

إلا أن الكاتب السياسي جيمس دورسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اعتبر عودة الأسد إلى الرابطة العربية قد تشكل نكسة أخرى لقوى التغيير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكنها لا تعني بالضرورة زوال هذه القوى بالكامل.

وطالب دورسي الحكام في المنطقة العربية بأن يوفوا بوعودهم من خلال تنفيذ إصلاحات هيكلية جدية قد يأتي البعض منها على حساب المصالح المكتسبة.

العرب