عشرون عاما على اليورو: عملة موحدة تعاني من مشكلة التضامن

عشرون عاما على اليورو: عملة موحدة تعاني من مشكلة التضامن

تتزايد المؤشرات حول ثقة الأسواق والمستثمرين في صلابة العملة الأوروبية الموحدة، التي كانت مجرد أداة افتراضية في التعاملات المالية حينما تم إطلاقها للمرة الأولى مطلع 1999.

وأصبحت عملة اليورو حقيقة ملموسة للأوروبيين بعد ثلاثة أعوام منذ ذلك التاريخ، والآن تستخدم عملته المعدنية والورقية من جانب أكثر من 340 مليون شخص في 19 دولة أوروبية.

ولم تدخل العملة الأوروبية الموحدة القلوب على الفور، حيث لام البعض عليه التسبّب في ارتفاع الأسعار، ففي ألمانيا أطلق عليه اسم “تورو” في تحريف لكلمة ألمانية تعني غالي الثمن.

ولكن سهولة السفر وإجراء الأعمال عبر الحدود دون قلق إزاء خسارة الأموال نتيجة تقلبات أسعار الصرف سرعان ما حققا له قبولا.

ولم يخل التحول إلى اليورو من الجدل، ورغم الفوائد الكبيرة للعملة الموّحدة، ومنها تسهيل الأعمال التجارية والسفر في أنحاء أوروبا، إلا أن بعض البلدان أبدت مخاوفها من الفوضى والتزوير والتضخم وفقدان السيطرة على السياسات الاقتصادية الفردية، ولذلك اختارت بريطانيا والسويد والدنمارك عدم استخدام اليورو.

والآن، يحظى اليورو بشعبية كبيرة غير مسبوقة رغم تصاعد النزعات المشككة في الاتحاد الأوروبي والحركات الشعبوية في عدد من بلدان التكتل، فضلا عن صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد (بريكست).

ويرى الرئيس السابق لمجموعة اليورو يورون ديسلبلوم، الذي أشرف على ملف الأزمة اليونانيّة، أن منطقة اليورو ضمانة “استقرار” بوجه تصاعد الأحزاب الشعبويّة في أوروبا.

ويعتبر ديسلبلوم الهولندي الذي ترأس اجتماعات وزراء المالية لدول منطقة اليورو بين 2013 و2018، أن نجاح الاتحاد النقدي يكمن في قدرته على الصمود بوجه الصدمات الاقتصادية بمتانة أكبر بكثير من الماضي.

وفي استطلاع نشره البنك المركزي الأوروبي الشهر الماضي، أشار 74 بالمئة من الأوروبيين إلى أنّ اليورو أفاد الاتحاد الأوروبي، فيما رأى 64 بالمئة منهم أنّه أفاد بلادهم.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية لنيكولاس فيرون الباحث في مركز بروغيل للأبحاث في بروكسل ومعهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن قوله إن “اليورو بات راسخا لدى السكان، حتى الأحزاب المناهضة للمؤسسات أقرت بذلك”.

وبات اليورو ثاني أهم عملة في العالم بعد الجنيه الإسترليني، إلا أنه يبقى بعيدا عن تحدي هيمنة الدولار الأميركي.

وواجه اليورو لحظة حاسمة بعد أن أدت تداعيات الأزمة المالية التي ضرب العالم في العام 2008 إلى أزمة ديون ضخمة في منطقة اليورو بلغت ذروتها بتقديم صفقات إنقاذ لعدة دول، ما دفع التكتل النقدي إلى نقطة الانهيار وشكل اختبارا قاسيا لوحدة صفوفه.

لكن خبراء قالوا إنّ ذلك الوقت المضطرب كشف الثغرات الحقيقية لمشروع اليورو، ومن بينها افتقاره للتضامن النقدي ووجود مقرضين كملاذ أخير.

كما أبرزت الأزمة التفاوت الاقتصادي الكبير بين أعضاء منطقة اليورو، خصوصا بين الشمال الحذر ماليا والجنوب الغارق في الديون.

ويحسب لمحافظ البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي إنقاذ الاتحاد الأوروبي في عام 2012 حين أرسى مبدأ أساسيا في ذلك الوقت، مفاده أنّ المؤسسة التي تشرف على السياسة النقدية الأوروبية من مقرها في فرانكفورت ستقوم “بكل ما يتطلبه الأمر” للحفاظ على اليورو.

وتعهد المركزي الأوروبي بشراء، إذا تطلب الأمر، عدد غير محدود من السندات الحكومية من الدول المديونة. وقد اتخذ المركزي إجراءات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة من أجل ضمان تدفق الأموال في منطقة اليورو ودرء مخاطر الانكماش الاقتصادي.

وحدد معدلات فائدة منخفضة في شكل قياسي ومنح قروضا رخيصة لمصارف كثيرة  في أنحاء أوروبا. كما قام بشراء سندات حكومية وتجارية بأكثر من 2.6 تريليون يورو (3 تريليونات دولار) بين عامي 2015 و2018 من أجل حماية اقتصادات دول منطقة اليورو من التعرض لأي مخاطر محتملة.

ومع اقتراب معدل التضخم في منطقة اليورو من أقل من 2 بالمئة وهو الهدف الذي حدده البنك المركزي الأوروبي، اعتبر كثير من المحللين أن تلك المحفزات للاقتصاد الأوروبي قصة نجاح في السياسات النقدية لأي تكتل في العالم.

لكن مراقبين قالوا إنّ دول منطقة اليورو الـ19 لم تفعل ما هو كاف لتنفيذ الإصلاحات السياسية الضرورية لتهيئة المنطقة بشكل مناسب لأي انكماش في المستقبل وتحقيق تقارب اقتصادي أكبر.

ولم يكمل أعضاء منطقة اليورو إجراءات التوصل إلى الاتحاد المصرفي الذي طال انتظاره، وسط خلافات حول إنشاء نظام تأمين على الودائع في جميع أنحاء أوروبا.

وخفت اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باستحداث موازنة لمنطقة اليورو إلى حد كبير، إذ وافق قادة المنطقة في ديسمبر الحالي فقط على النظر في صيغة مصغرة من المقترح، فيما لا يزال الغموض يخيم على التفاصيل.

وسيتم التفاهم في يونيو المقبل على أبرز مواصفات هذه الموازنة التي سيتم إدراجها في موازنة الاتحاد الأوروبي.

وتم تجاهل خطط ماكرون الطموحة بشأن استحداث وزير مالية لمنطقة اليورو أو نسخة أوروبية من صندوق النقد الدولي.

وقال خبير الاقتصاد السابق في البنك المركزي الفرنسي جيل مويك إنّ البنك المركزي الأوروبي فعل “كل ما يمكن فعله” لدعم اليورو. لكن المحلل فيرون يتبنى نظرة متفائلة، مشيرا إلى أنّ اليورو تم تقويته عبر تصحيح مالية المصارف والجهود لكبح الديون العامة وإجراءات المصرف المركزي الأوروبي الاستثنائية. وأكّد أنّ اليورو الآن “عملاق ذو أقدام من الطوب وليس من الطين”.

العرب