الاحتجاجات تفرض إيقاعها على السياسيين في تونس

الاحتجاجات تفرض إيقاعها على السياسيين في تونس

تراجعت حركة النهضة الإسلامية عن خطابها الاستفزازي ضد الاحتجاجات المتصاعدة في البلاد وذلك في محاولة لإبراز نفسها كطرف مقرب من الضعفاء والمهمشين، وسط توقعات باستمرار الحراك الاحتجاجي خاصة بعد فشل اجتماع قرطاج في اختراق الأزمة الاجتماعية.

تونس – بدأت الاحتجاجات الشعبية المُتصاعدة في عدة مناطق تونسية تفرض نفسها على الائتلاف الحاكم، وخاصة حركة النهضة الإسلامية التي لا تزال تلعب على جميع الحبال، في مسعى لحفظ ماء الوجه، ولتفادي الاهتزازات داخلها بسبب دعوتها الحكومة إلى الزج بالأمن والجيش ضد المُحتجين ووأد حراكهم.

ودفعت هذه الاحتجاجات بإيقاعها الميداني الذي اتسعت رقعته، حركة النهضة إلى التنصل من خطابها الاستفزازي والتصعيدي، وذلك في الوقت الذي تباينت فيه مواقف بقية الفاعلين السياسيين، في عملية فرز سياسي واضح، كشفت اصطفافاتهم ومقارباتهم للمشهد السياسي القادم.

وعلى وقع هذه الاحتجاجات التي تحولت إلى ورقة ضاغطة على مُجمل المشهد في البلاد، بأبعاده السياسية والاجتماعية والأمنية، تراجعت حركة النهضة عن ذلك الخطاب الاستفزازي الذي عبّر عنه في وقت سابق رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني.

وبدا هذا التراجع واضحا في دعوة رئيس كتلتها النيابية نورالدين البحيري الحكومة إلى “تفادي المواجهات مع الاتحاد العام التونسي للشغل، والمحامين والمهندسين والخبراء المحاسبين والأطباء وغيرهم من أصحاب المهن الحرة”.

وطالب في تدوينة نشرها في صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، بـ“التعجيل بضرب المحتكرين والفاسدين وتوفير الأدوية وبعض المواد الأساسية التي أقر بأنها مفقودة، مثل الحليب والزيت والبيض والدقيق، إلى جانب التخفيض في الأسعار، والتوصل إلى حل معقول لمطالب الوظيفة العمومية والجهات والفئات المهمشة”.

ورأى مراقبون في هذا الموقف الجديد، مُحاولة جديدة للالتفاف على الحراك الاجتماعي، عبر الابتعاد قليلا عن الموقف الرسمي للحكومة، والإيحاء بأنها تقف إلى جانب الفئات الهشة والمُهمشة، رغم إدراكها بأن تبديل خطابها السياسي والإعلامي لن يحجب حقيقة أن خياراتها وصلت إلى حالة العدم، بعد أن استنفدت كل ما لديها من المُراوغات السياسية دون أن تحقق مآربها.

وقال زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب لـ”العرب”، إن حركة النهضة الإسلامية التي حاولت تشويه وشيطنة الحراك الاجتماعي، لن تُفلح بهذا التراجع في خداع المواطن التونسي الذي خبر ازدواجية خطابها السياسي.

وأضاف أن “حركة النهضة تمارس بهذا الخطاب الجديد النفاق السياسي وتُريد مُسايرة الأحداث وذلك في مُحاولة للركوب على موجة الاحتجاجات الشعبية التي ترى حركة الشعب أنها مشروعة، ومُبرراتها موضوعية، وتعكس فشل الائتلاف الحاكم الحالي، الذي تُعتبر حركة النهضة أبرز ركائزه”.

واعتبر أن حركة النهضة التي لم تخرج من دائرة الحكم منذ العام 2011، “هي المسؤولة عن الخراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني في البلاد، وبالتالي لا يمكنها التنصل من هذه المسؤولية مهما تنوعت مواقفها أو تبدلت بسبب مشروعية غضب الشارع”.

وتوقع المغزاوي استمرار الاحتجاجات الشعبية واتساع رقعتها طالما واصلت الحكومة التنصل من مسؤوليتها في إيجاد الحلول. واعتبر أن الصراع الحالي في تونس يجري بين قطبين أساسيين، الأول رأسمالي متوحش والثاني ليبيرالي اجتماعي.

وتُشير التطورات الميدانية المُتسارعة إلى أن هذه الاحتجاجات ستتواصل، وستُعيد ضبط الإيقاع السياسي العام في البلاد، بالنظر إلى أن كل الجهود الرامية إلى احتواء تداعياتها، بما في ذلك الاجتماع المُفاجئ الذي ترأسه الرئيس الباجي قائد السبسي قبل ثلاثة أيام، بحضور أعضاء الائتلاف الحاكم والأطراف الاجتماعية الفاعلة، انتهى إلى حيث بدأ دون تحقيق الاختراق المطلوب.

وأكدت السلطات الأمنية التونسية الأحد تجدد الاحتجاجات في حي التضامن بالضاحية الغربية لتونس العاصمة، ليل السبت-الأحد، رغم الإجراءات الأمنية المُشددة.

وقال العقيد حسام الدين الجبابلي، الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني (الدرك) في تصريحات إذاعية بُثت الأحد، إن “عمليات الكر والفر تواصلت ليلة السبت-الأحد، بين وحدات الحرس الوطني وعدد آخر من الشبان في منطقة حي التضامن”.

وأشار إلى أن الوحدات الأمنية لجأت إلى استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق المُحتجين الذين أقدموا على غلق الطرقات وإشعال العجلات المطاطية.

وأكد اعتقال سبعة أشخاص من المحتجين في منطقة حي التضامن التي تشهد لليوم الثالث على التوالي احتجاجات ليلية، تخللتها أعمال شغب، دفعت قوات الأمن إلى التصدي لها.

ومنذ بداية الأسبوع الماضي، تعيش عدة مناطق تونسية على وقع احتجاجات ليلية للمطالبة بالتنمية وتوفير فرص عمل جديدة ورفضا للتهميش والإقصاء وغلاء المعيشة، أعادت إلى الأذهان تلك الاحتجاجات التي عرفتها البلاد قبل نحو ثماني سنوات، والتي انتهت بسقوط النظام السابق في 2011.

وبدأت تلك الاحتجاجات في مدينة القصرين (200 كلم غرب تونس العاصمة)، في أعقاب إقدام مُصور تلفزيوني على الانتحار حرقا، ثم اتسعت رقعتها لتشمل محافظات سيدي بوزيد وصفاقس والقيروان وقفصة إلى أن وصلت إلى محيط العاصمة تونس، أي حي التضامن الذي يُعد من اكبر الأحياء الشعبية الذي تكثر فيه العشوائيات.

العرب