ناقوس خطر “ديون العراق” يرهن بلد النفط للدائنين

ناقوس خطر “ديون العراق” يرهن بلد النفط للدائنين

 

 

شذى خليل *

   العراق يدخل دائرة الخطر بسبب تضاعف الديون المترتبة عليه وارتفاعها ، حيث اكد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي العراقي الدكتور عبد الرحمن نجم المشهداني تحذير نائب رئيس صندوق النقد الدولي للحكومة العراقية في “مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق” من أن سياسة الاقتراض أصبحت خطرة على العراق وستبلغ الفوائد التي يجب على العراق أن يسددها سنة 2022 نحو (60%) من عائداته ، أي انه سيكون عاجزا عن تسديد ديونه وعن تسديد الفوائد المترتبة عليها أيضا ، العراق يسير نحو كارثة حقيقية لا توليها الحكومة أي انتباه.
وأكد المشهداني ان العراق خلال عامي 2014 و 2016 أهدر (202) مليار دولار ، جاءت من (36) مليار دولار قروض اجنبية ، و (23) مليار دولار انخفاض احتياطي البنك المركزي ، و (33) مليار دولار ارتفاع الدين الداخلي ، و (120) مليار دولار عوائد نفطية.

وأضاف المشهداني ، ان العراق يحتاج الى (30) عاما لتسديد ديونه الداخلية والخارجية ، وهو ما سيخضع مقدرات العراق النفطية لسنوات طويلة تحت رهن البنوك والدول الدائنة.
وفي ذات السياق ، اكد مختصون ما ورد في تقرير إخباري حديث ومهم اكد ان أكثر من (4) ملايين موظف حكومي و (3.7) مليون متقاعد ، يُضاف إليهم (2) مليونا عراقي مسجلون ، في إطار ما يُعرف بشبكة الإعانة الاجتماعية ويحصلون على مرتبات شهرية لانتشالهم من الفقر.
وزارة التخطيط وفقا للأرقام والإحصائيات ، تدق ناقوس الخطر الذي بدأ يهدد جسم الدولة العراقية ومستقبل التنمية ، في بلد تضطر حكومته إلى الاقتراض وللعام الثالث على التوالي لتأمين (42) بليون “مليار” دولار سنوياً لتغطية موازنتها التشغيلية ، ووصف خبراء القطاع الخاص بالمنقذ ، في حال شرعت الدولة بدعمه وحضه على العمل مجدداً في السوق المحلية.
وانتقد المشهداني موازنة 2019 كونها غير منطقية ، وهناك مبالغة بالأرقام التشغيلية ، مستغربا سياق توزيع النسب على المحافظات والوزارات ، ولفت الى انه كان يتوقع ان تضغط النفقات ، لا ان تعظم ، واضاف ان الموازنة بحاجة الى تعديل كبير لأن ما فيها من زيادة كبيرة يعد انتحارا ، لما فيها من عجز كبير واقتراض ، مؤكدا انه في عام (2022) لن يستطيع العراق سداد الديون الخارجية إلا بدفع (60%) من وارداته !!

واكد اقتصاديون وخبراء ، ان مشروع قانون موازنة (2019) المقترحة ، يتبين لأي متابع بأن العراق غارق في ديونه وفوائد الديون السابقة ، التي قد تصل الى حد انه سيفقد اكثر من (15%)‎ من ميزانيته لتسديد هذه الديون ، ولولا صعود اسعار النفط ، لكان من الممكن ان تكون هذه الديون وتسديداتها تأخذ حيزا يصل إلى (70%) من موازنة العراق السنوية.
وقال عضو اللجنة المالية العراقية في البرلمان العراقي رحيم الدراجي ، إنه منذ عام 2003 وإلى اليوم ، ترتبت على العراق ديون كثيرة بسبب السياسات الخاطئة للحكومات المتتالية ، ‎وان الحكومات التي استلمت دفة الحكم ليس لديها حكمة بإدارة السياسة المالية والنقدية للبلد ، وكانت الموازنات السابقة للعراق موازنات متضخمة ، وتفتقر إلى التدبير ، ولم تقم على أساس الدراسة والتخطيط ، إنما قامت على أساس ما يطلق عليه ملء الفراغات ، ان الأجيال القادمة ستتحمل أعباء الديون الحالية .

وقالت عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان العراقي نوره البجاري ، إن الديون التي أثقلت الاقتصاد العراقي أسبابها الفساد المستشري في البلاد ، ودخول العراق الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي ، يضاف إلى ذلك قيام المسؤولين والأحزاب التابعة لها بالاستيلاء على مشاريع ضمن صفقات فساد.

 

 


ويبلغ المجموع التقريبي لهذه الفوائد والتسديدات على العراق نحو 12423.5 مليار دينار عراقي ، أي ما يساوي حوالي 12770 مليار دولار أميركي.
متى يكون الاقتراض إيجابي ؟!
اقتراض الدول يمكن أن يكون مفيدا وإيجابيا في العديد من الحالات أبرزها:
• ان تكون للدول خطط وأهداف للاقتراض ، مع أسبابها ومدياتها ومصادرها وليس لأجل الترقيع.
• أن لا يكون الافتراض بضمانات سيادية وبشكل يضمن وحدة البلاد ، وعدم التدخل في شؤونها.
• أن يكون الافتراض لضرورات ملحة كما في الحروب أو للاستثمار لتعظيم العوائد.
• أن تتوفر للدولة القدرات الأكيدة على خدمة الديون وتسديدها بآجالها المحددة دون تجديد.
• أن تكون الدولة المقرضة ميسرة وتستطيع ان تعطي بعض السموحات كإعادة برمجة القروض.
• أن لا يكون الاقتراض مع دول طامعة أو لها أهداف معادية أو تدخر ضغينة مع المقترضين.
• أن تتوفر النوايا المسبقة في إعادة جدول القروض أو إطفائها أو تسويتها وديا دون إذعان.
• أن يكون الاقتراض بقرار جماعي تضامني وليس استنادا إلى رأي فردي وينطوي على فساد.
• أن تتوفر الإرادة الحقيقية لتسديد القروض بمواعيدها وليس التوسل لتأجيلها عاما بعد آخر.
اللجنة المالية العراقية:
لم تضع اللجنة المالية النيابية تصنيفا للقروض الخارجية التي تزيد قيمتها عن (70) مليار دولار ، فالبعض منها من الديون (البغيضة) التي احتسبت ديون رغم انه قدمت من باب الدعم في حرب الخليج الأولى ، كما ان بعضها يمكن تسويتها في نادي باريس للديون ، وهناك ديون أخرى يمكن التفاوض بشان إطفائها أو تحويلها الى استثمارات أو أية صيغة يتم الاتفاق عليها ، باعتبار ان جزءا من غاياتها سياسية وعسكرية ، وتمت مع نظام سياسي انتهى ولا يمكنه الوفاء بأي دولار ، ووفقا للبيانات المقدمة من العراق عام 2012 ، فإنه يقع في الترتيب الـ(60) بين الدول من حيث المديونية ، وهو ترتيب جيد فيما لو كانت هناك سياسات جادة لمعالجة الديون ، ولكن واقع الحال لا يبشر بالخير ، فالقروض الخارجية والمديونية الداخلية تتكاثر عاما بعد آخر ، ففي مشروع الموازنة الاتحادية لسنة 2018 ، تم التخطيط لمعالجة العجز في الموازنة الذي يبلغ (12) ترليون دينار ، عن طريق تخويل وزارة المالية بإيجاد مصادر خارجية للاقتراض ، فضلا عن إدراج فقرات للنفقات يتم تمويلها من خلال القروض المتفق عليها سابقا ، مع ترك الباب مفتوح للاقتراض من البنك المركزي بحوالات الخزينة والسندات والائتمان والوسائل المتاحة الأخرى.
ويعني ذلك ، ان القروض تتوالد سنويا على أمل ارتفاع أسعار النفط ، وهو احتمال صعب التحقق ، إن لم يكن مستحيلا ، لأن بدائل النفط باتت ممكنة ، وباستطاعتها الحؤول دون أية أزمات لإمداد الذهب الأسود (النفط) ، بعد أن أصبح هناك إمكانيات أوسع للتصدير ، والحد من أزمات ارتفاع الأسعار ، والأمر الأخطر في الموضوع ، هو ان صندوق النقد الدولي أصبحت له اليد الطولي في العراق ، وبإمكانه التأثير على الحكومة لاتخاذ قرارات لا تراعي مصالح الفقراء الذين يزداد عددهم سنويا ، كما ان الإجراءات للإصلاح الاقتصادي ، وزيادة الدخل القومي ، بحاجة إلى إدارة وإرادة غير متوفرتين حاليا ، وهناك حاجة فعلية إلى (200) مليار دولار ، لكي تعاد الأمور إلى نصابها المهترئ ، ما يتطلب الاهتمام بهذا الموضوع قبل فوات الأوان .

 

ملاحظة : الجداول خاصة بمركز الروابط

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية