بمشهد سياسي غائم.. السودان يعبر إلى 2019 بالاحتجاجات

بمشهد سياسي غائم.. السودان يعبر إلى 2019 بالاحتجاجات

عبر السودان إلى العام 2019 والاحتجاجات تخيم على أجوائه السياسية، فقد استمرت حتى عشية الأول من يناير/كانون الثاني الذي يوافق الذكرى الثالثة والستين للاستقلال، وهو ما يفتح المشهد القادم على متغيرات محتملة.
وإذا كان الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس عمر البشير في يناير/كانون الثاني 2014 وقاد إلى ما يسمى الآن بحكومة الوفاق، نتيجة حتمية لاحتجاجات سبتمبر/أيلول 2013، فإن احتجاجات الشهر الماضي ستؤثر على طبيعة الحكم وشكله.
ومنذ 19 ديسمبر/كانون الأول -الذي يوافق ذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان- يشهد السودان احتجاجات تعد الأوسع والأشرس التي يعايشها البشير القابض على السلطة منذ ثلاثة عقود.
وإن كان الخبز وطوابير الوقود والنقود شكلت شرارة الاحتجاجات، فإن سقف المطالبات سرعان ما ارتفع مع مطالبة تجمع المهنيين بتنحي الرئيس وتشكيل حكومة انتقالية.
فإلى أي المراسي ستمضي سفينة السودان؟ وهل يعي ربان السفينة الخيارات التي أمامه أم أنه سيناضل ليبقى الوضع على ما هو عليه؟
شهور صعبة
قطبي المهدي القيادي في حزب “المؤتمر الوطني” الحاكم، يرى أن النصف الأول من العام الجديد سيكون صعبا على السودان، بسبب حالة الاستقطاب الحادة في الخارطة السياسية التي أفرزتها احتجاجات الشارع.
ويقول قطبي للجزيرة نت إن ما حدث كان سلبيا لأن الصدامات الناتجة عن الاستقطاب السياسي ستشكل انتكاسة ستسود وتخيم على أجواء البلاد، و”سنكون بين فريقين، أحدهما يدعو لإسقاط وتدمير النظام، وآخر يرى في هذه النوايا أنها تخريبية. وكان من المفترض أن نبدأ العام موحدين”.
ويعتقد الرجل الذي يعد من دعاة الإصلاح أن من الممكن حدوث تسوية مشابهة لما حدث بعد احتجاجات سبتمبر 2013، إذا اقتنعت الحكومة بمطالب الشعب وقدمت المعارضة رؤى ايجابية أكثر من التظاهر، ويعتقد أن “هذا ممكن في النصف الثاني من العام بعد انتهاء التوتر”.
حوار جديد
لكن أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية عبده مختار موسى يذهب إلى أن السودان بعد الاحتجاجات الأخيرة في حاجة إلى حوار جديد.
ورغم أن موسى كان ضمن عملية الحوار السابقة التي أطلقها البشير وانتهت بتشكيل حكومة الوفاق الوطني، فإنه يجزم بأن “من قاد الحوار تسبب في فشله، واختزل توصياته في المناصب”.
ويشير موسى في حديثه للجزيرة نت إلى أن “الحوار الوطني لم يؤد إلى تغيير ديمقراطي حقيقي وإتاحة الحريات، فلا تزال الصحافة والأحزاب تعاني من الكبت، كما لا توجد فدرالية كاملة، ولم تتوسع المشاركة بشكل حقيقي”.
ولا يجد موسى غضاضة في أن يصف البرلمان بأنه “عبارة عن فرع للحزب الحاكم، بسبب عدم تحقق المؤسسية وإحداث تحولات حقيقية في الوضع السياسي والاقتصادي”.
ويرى أن الأزمة الاقتصادية انعكاس للعقلية السياسية التي تدير البلاد وتعاني من فقدان الثقة، “لذا فإن الحل في تنحي الحكومة، وتشكيل أخرى انتقالية إسعافية من تكنوقراط (كفاءات) تعد لانتخابات نزيهة تحت إشراف دولي، عدا ذلك فلا استقرار. الاستقرار الذي تحرسه البندقية غير مأمون لا بد أن يحرس بثقة الناس”.
ويبدي أستاذ العلوم السياسية تشاؤمه من أن الاحتقان الذي تسببت فيه احتجاجات ديسمبر/كانون الأول سيستمر في عام 2019، لأن الحكومة وصلت إلى أفق مسدود.
بعيون الحكومة
في المقابل، يبدو عام 2019 في عيون الحكومة بلا أزمات، وفق تغريدة لرئيس مجلس الوزراء وزير المالية معتز موسى، أطلقها عند الساعة العاشرة من ليل 31 ديسمبر/كانون الأول.
وقال موسى في تغريدته “متوكلين على الله ندخل عامنا الجديد بموازنة العام 2019، وهي تحمل بشريات الإصلاح الاقتصادي تمكينا للإنتاج والصادر واهتماما بغذاء المواطن وتعليمه وعلاجه، ودون أعباء جديدة”.
لكن أغلب الذين تفاعلوا مع تغريدة رئيس الوزراء لم يشاركوه تفاؤله، فضلا عمن هاجمه من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبر حسابه في فيسبوك.
ورد الدهمشي على تغريدة معتز موسى قائلا “ضعوا في أولوياتكم التعليم والصحة والمتطلبات اليومية بدون تفصيل”، بينما قال أحمد عبد الحافظ “لم نر منكم سوى الكلام منذ 1989، أنتم وضعتم بلدنا في الحضيض.. ارحلوا وحلوا عن سمانا”.
وذكّره آخرون بدماء القتلى الذين سقطوا خلال الاحتجاجات، كما لوّح البعض بتنظيم المزيد من المواكب السلمية المطالبة بتنحي البشير واضعين شعار “إلى القصر حتى النصر” على صورة للرئيس.
رؤية المحتجين
لكن الفئات المهنية المنضوية تحت لواء تجمع المهنيين السودانيين، لا ترى حلا للأزمات التي تحاصر البلاد سوى بالبقاء في الشوارع حتى سقوط النظام الحاكم.
ويتمسك عضو لجنة المحامين الديمقراطيين هيثم الزين بضرورة دفع كلفة التغيير، كحل ينهي ثلاثين عاما من حكم ظل دائما يتخذ من سياسات التخدير ما يتخذ لوقف حراك الشارع كلما ثار عليه.
ويعلق الزين في حديث مع الجزيرة نت على دعوة الرئيس البشير قوى المعارضة للحوار في خطابه بمناسبة الاستقلال عشية ذكراه الـ63، قائلا إن “الحوار لن يفضي إلى تغيير حقيقي”.
ويمضي ليقول إن “المعارضة تتحدث عن بديل ديمقراطي بينما تقمعها الحكومة بالسلاح. العقلية هي ذاتها، لقد كان احتفالهم بالاستقلال في القصر وكأنه احتفال بالنصر على الشعب الذي خرج في ظهر نفس اليوم ليقول لهم ارحلوا”.
ويؤكد هيثم الزين أن أي تحولات سيقترحها “النظام” لا يمكن أن تساعد، كما أن الإصلاحات الاقتصادية التي يبشر بها غير فعالة لأن الأزمة ستظل تراوح مكانها، وستكون أسوأ في 2019 فنظام الحكم مشكلته بنيوية.
في ليلة رأس السنة الميلادية غابت عن الخرطوم مظاهر الاحتفال المعهودة، ومع إطلالة أول ساعة في عام 2019 علت أصوات المحتفلين -على قلتهم- في شارع النيل بود مدني والساحة الخضراء في الخرطوم بالحرية والسلام والعدالة.
أكثر من أسبوعين ولم يكف الشارع السوداني عن الاحتجاج، ومن رحم طوابير النقود والوقود والخبز تشكل الهتاف بذهاب “النظام” ورأسه، وبدأت حكومة الوفاق تتآكل بسقوط الحلفاء، كل هذا وغيره يؤذن بسنة جديدة ربما تكون حبلى بالمفاجآت.
الجزيرة