احتقان في سامراء يهدد المدينة بمصير الموصل

احتقان في سامراء يهدد المدينة بمصير الموصل

تنظيم داعش وقبله تنظيم القاعدة لم ينفذا إلى العراق إلاّ من نافذة الإقصاء والتهميش والتمييز الطائفي والعرقي. وهي نافذة لم تغلق رغم المأساة التي شهدها العراق منذ سنة 2014، بدليل ما يجري في مدينة سامراء التي انطلقت منها سنة 2006 شرارة حرب أهلية يُخشى من أن بقايا من جمرها ما تزال متقدة تحت رماد السياسات الخاطئة.

سامراء (العراق) – بدأت حالة الاحتقان المكتومة التي تعيشها مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين شمالي العاصمة العراقية بغداد، تخرج إلى العلن مع تصاعد التذمّر من قبل أهاليها ممّا يصفونه بـ“الوضع الشاذّ” الذي تعرفه مدينتهم منذ أكثر من قرابة الثلاث عشرة سنة.

فأهالي المدينة السنيّة شبه مغيبين عن إدارة شأنها العام بما في ذلك ملفّها الأمني لمجرّد أنها تضمّ معلما شيعيا بارزا هو مرقد الإمامين العسكريين (علي الهادي وابنه الحسن العسكري) ويتعرّض عدد منهم لضغوط شديدة للتخلّي عن ممتلكاتهم والتفريط فيها بأثمان بخسة في إطار عملية تبدو أقرب إلى محاولة إحداث تغيير ديموغرافي في المدينة، لتصبح رابع الأماكن المقدّسة لدى الشيعة في العراق بعد كربلاء والنجف بجنوب البلاد، والكاظمية ببغداد.

ويذهب البعض إلى المقارنة بين حالة الاحتقان السائدة حاليا في سامرّاء، وتلك التي سادت مدينة الموصل مركز محافظة نينوى قبل غزوها سنة 2014 من قبل تنظيم داعش، وكانت قد مهّدت له الطريق بأن أوجدت له حواضن بين الأهالي المهمّشين والغاضبين من استشراء الفقر والبطالة وفساد السلطات المحلّية.

ويقول هؤلاء إنّ فلول داعش ما تزال تعشّش في جنوب وشمال سامراء وتبحث عن منفذ إليها، فيما شبح الحرب الطائفية التي انطلقت شرارتها من سامراء منتصف العشرية الماضية يعود ليطلّ برأسه من خلال الظلم المسلّط على الأهالي.

وتصاعدت الخلافات مؤخّرا بين أهالي سامراء والجهات الدينية والسياسية والأمنية. وتدور الخلافات حول إدارة الملف الأمني وإدارة مرقدي الإمامين العسكريين اللذين يتولى الوقف الشيعي حاليا إدارتهما، دون إشراك الوقف السني الذي يمثل أبناء مدينة سامراء الواقعة على بعد حوالي مئة كيلومتر شمال العاصمة بغداد، فيما تتولى قيادتا عمليات سامراء التي تتبع قيادة العمليات المشتركة في بغداد، وميليشيا سرايا السلام التابعة للتيار الصدري، إدارة الملف الأمني بصورة مشتركة دون مشاركة من قوات الشرطة المحلية التابعة للمدينة في إدارة هذه الملف.

أجواء تعيد إلى الأذهان الحرب الطائفية التي انطلقت شرارتها من المدينة سنة 2006 بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين

ومنذ تفجير المرقدين في فبراير عام 2006، تولّت القوات الأمنية التابعة للحكومة العراقية إدارتهما، وأغلقت منافذ المدينة القديمة التي تضم المرقدين، ورحّلت جميع أصحاب المحال التجارية ومنعتهم من مزاولة أعمالهم فيها، وهذا الأمر ينطبق كذلك على بيوت الأهالي القريبين من المرقدين.

وباشرت “العتبة العسكرية” التابعة للوقف الشيعي، التي شُكلت لإدارة المرقدين باستملاك منازل ومحلات وأراضي أبناء مدينة سامراء المحيطة بالمرقدين بعد التضييق عليهم، وبيعها بثمن يقل كثيرا عن قيمتها الحقيقية ثم نقل ملكيتها إلى الوقف الشيعي و“العتبة العسكرية”.

وأصدر مجلس محافظة صلاح الدين بيانا طالب فيه مراجع الدين الشيعية والسلطات العراقية، بإعادة النظر في وضع مدينة سامراء والانتباه إلى مطالب أهالي المدينة وتنفيذها.

وحذّر أحمد الكريم رئيس مجلس محافظة صلاح الدين في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية “من تحوّل مدينة سامراء إلى موصل ثانية، نتيجة للتعسّف والظلم والبطالة التي يتعرض لها سكان المدينة على أيدي الإدارتين الدينية والأمنية فيها، والتي دفعت أعدادا كبيرة منهم إلى مغادرتها بحثا عن أماكن أكثر أمنا تتوفر فيها سبل العيش”.

وطالب الكريم المرجعية الشيعية في النجف، وعلى رأسها المرجع الأعلى علي السيستاني، بوقف ما وصفه بـ“الظلم الذي يتعرض له أبناء سامراء” لتدارك الأوضاع قبل انفجارها.

وكانت شرارة حرب طائفية قد اندلعت من سامراء نفسها في عام 2006 لتشمل العراق بأكمله، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف، وأدت إلى عمليات تهجير قسري، وتغيير في البنية الديموغرافية لعدد من المحافظات التي كانت تضم خليطا من الطائفتين.

وتشهد مدينة سامراء حراكا سياسيا وشعبيا واسعا بهدف وقف التجاوزات الحاصلة على الأهالي أمنيا واقتصاديا، وقد تشكلت وفود رسمية وشعبية من أبناء المدينة للقاء مراجع الدين الشيعة، لا سيما مقتدى الصدر ولقاء أبرز القادة العراقيين ابتداء من رئيس الجمهورية ثم رئيس الوزراء وجميع الجهات المؤثرة والقادرة على اتخاذ قرار في هذا الإطار.

وتتلخّص مطالب أهالي سامراء، بحسب الشيخ أصفوك قحطان رئيس مجلس شيوخ عشائر المدينة، بـ”تخفيف الضغط الأمني وفق جدول زمني وتقليص أعداد القوات المتواجدة في المدينة وصولا إلى نزع السلاح فيها أسوة بمدن الكاظمية والنجف وكربلاء، وكذلك إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء طوال السنين الـ15 الماضية، وبيان مصير المغيّبين الذين فقدوا بعد تحريرها بوقت قصير من سيطرة داعش عليها عام 2014”.

ويطالب أبناء سامراء، بحسب الشيخ قحطان، بـ“فتح المنطقة القديمة وتعويض المتضرّرين، والسماح بافتتاح جميع المحال التجارية والفنادق والمرافق السياحية التي يملكها أبناء سامراء والقريبة من المرقدين، وتشكيل لجنة مشتركة للنظر في استملاك الأراضي المحيطة بالمرقدين عبر التوصل إلى صيغة تفاهم مع أبنائها”.

وتضم المنطقة المغلقة في محيط المرقدين نحو 2000 محل تجاري و50 فندقا ومثلها من المطاعم السياحية، وقد أغلقت جميعا وحُرم أصحابها من مزاولة العمل أو الاستفادة من أملاكهم منذ أحداث فبراير 2006.

وردّت “العتبة العسكرية”، الاثنين، على رئيس مجلس محافظة صلاح الدين أحمد الكريم في بيان وصفت فيه تصريحاته بالمتشنّجة و“لا تصب في مصلحة المدينة لا سيما في الظرف الراهن”، داعية إلى “تقدير حراجة الوضع الأمني لتجنّب تكرار الأحداث السابقة”

العرب