أردوغان يستعجل خلافة الأميركيين شرق الفرات

أردوغان يستعجل خلافة الأميركيين شرق الفرات

أنقرة – لا يخفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته في أن تتولى واشنطن تسليمه مهمة إدارة المناطق السورية الواقعة تحت نفوذ الحركات الكردية المدعومة أميركيا، لكن طلب الوكالة التركي يلقى معارضة كبرى من دوائر أميركية ذات نفوذ بدأت بالالتفاف على قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا وتبحث عن إبطائه ووضع الشروط أمامه.

وتأتي هذه الرغبة في أجواء من التوتر التركي ـ الأميركي ظهرت بشكل جلي في تصريحات جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي الذي زار أنقرة، الثلاثاء، وكذلك في تصريحات إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية، والتي رفع فيها كل طرف من منسوب الغضب تجاه الطرف الآخر في ما يتعلق بالمواقف من سوريا.

ورفض الرئيس التركي مقابلة بولتون، بعد أن قال إن بولتون أخطأ بالقول إن القوات الأميركية لن تنسحب من شمال شرق سوريا إلى أن توافق تركيا على عدم مهاجمة القوات الكردية السورية، التي قاتلت إلى جانب الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش.

وقال بولتون “لا نعتقد أن على الأتراك القيام بعمل عسكري دون تنسيق كامل وموافقة الولايات المتحدة عليه عند الحدّ الأدنى.. كي لا يعرضوا جنودنا للخطر، ولكن أيضا حتى يلبوا طلبات الرئيس بأن قوى المعارضة السورية التي حاربت معنا ليست معرضة للخطر”.

وردا على سؤال بشأن ما إذا كان الانسحاب الأميركي من سوريا لن يحدث إلى أن تضمن تركيا سلامة المقاتلين الأكراد، قال بولتون “هذا صحيح بشكل أساسي”.

وقال الرئيس التركي، في مقال بصحيفة نيويورك تايمز نشر، الاثنين، إن التخطيط للانسحاب الأميركي من سوريا يجب أن يتم بعناية ومع الشركاء المناسبين، وإن تركيا هي البلد الوحيد الذي يملك “القوة والالتزام لأداء هذه المهمة”.

وقدم مقاربة تفصيلية لكيفية إدارة المناطق الكردية عسكريا وسياسيا، ووضع حلفاء لأنقرة على رأس مجالس محلية، وكأن الإقليم أصبح منفصلا بشكل كامل عن سوريا، ما يكشف عن استمرار تركيا في مساعيها لإقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا.

وعرض أردوغان إقامة “قوة استقرار تضم محاربين من كافة أطياف المجتمع السوري”، على أن يجمع الكيان الجديد “بين كافة الأطياف”، ويمكنه “تحقيق الأمن والنظام” طبعا بعد التخلص من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية والمجموعات التي تصنفها أنقرة إرهابية.

كما قال إن ثمة أولوية أخرى لتركيا في سوريا، “تتمثل في تحقيق التمثيل السياسي الكافي لكل الأطياف”، وذلك عبر مجالس محلية منتخبة و”تحت رقابة تركية”، واعدا بأن يقدم “المسؤولون الأتراك من ذوي الخبرة”، الاستشارات اللازمة لهذه المجالس في العديد من المجالات مثل شؤون البلديات والتعليم والصحة وخدمات الطوارئ.

وسيكون هذا العرض بمثابة الانتداب الذي يتيح لتركيا إدارة تلك المناطق عبر انتخابات صورية وبوجود قوات محلية تأتمر بأوامر أنقرة وقياداتها العسكرية. ولم يشر الرئيس التركي إلى أي علاقة بين الإقليم والسلطة المركزية في سوريا، وهل أن الأمر يتعلق بمرحلة انتقالية أم بحكم ذاتي دائم تحت الوصاية التركية.

ووصف المحلل السياسي جوليان بورغر مهمة مستشار الأمن القومي الأميركي بالصعبة في أنقرة لأنه أجرى محادثات متوترة مع المسؤولين الأتراك بشأن سوريا بعد أن وضع شروطا بشأن الانسحاب.

وأثار بولتون غضب أردوغان الذي برّر عدم برمجة لقاء مع مستشار الأمن القومي الأميركي بكونه ليس من مستواه، وأن المتحدث باسم الرئاسة كالين هو نظير بولتون.

واعتبر أردوغان أن مستشار الأمن القومي الأميركي ارتكب خطأ جسيما في تصريحاته بشأن سوريا، وأن بلاده لن تستطيع تقديم تنازلات في مجال “مكافحة الإرهاب” كردّ على شرط حماية الأكراد.

ويتناقض الغضب التركي من تصريحات بولتون عن اطمئنان الحلفاء من الأكراد مع تطمينات يحملها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الحلفاء في المنطقة.

وحاول المتحدث باسم الرئاسة التركية تهدئة التوتر بعد أن قال إنه ناقش خلال الاجتماع مع الوفد الأميركي كيفية الانسحاب والهيكلية التي سيخلفها ومصير الأسلحة الثقيلة التي وزعتها أميركا وقواعدها العسكرية ومراكزها اللوجستية في سوريا.

وقال كالين في مؤتمر صحافي بعد لقائه بولتون “ما نتوقعه، هو استرداد كل الأسلحة التي تم تسليمها”.

وأضاف “لقد قالوا لنا إنهم يعملون على ذلك، لكن التفاصيل ستتضح أكثر في الأيام المقبلة”، مشيرا إلى أنه ليس هناك بالنسبة لتركيا “أي بديل مقبول” من استرداد هذه الأسلحة.

وقال سنان أولجن، الدبلوماسي التركي السابق والباحث الزائر في مركز أبحاث كارنيجي، “هناك خيبة أمل كبيرة في أنقرة مع الإدارة الأميركية، والآن يحاول صناع السياسة التركية تقييم ما إذا كان هذا تغييرا في السياسة أم أنه مجرد تصريحات تعبر عن رأي أشخاص وليس قرار إدارة كاملة”.

ويتركز الغضب التركي على بولتون لكونه واجهة لفريق الصقور الذي يرفض تقديم تنازلات لأي قوة إقليمية يمكن أن تهدّد المصالح الاستراتيجية الأميركية، مثل تركيا وإيران. ويعارض هذا الفريق بشكل واضح خطة ترامب لانسحاب غير مؤمّن لا يضرّ فقط بمصالح واشنطن ولكن بمصالح حلفائها في المنطقة بشكل يقلّص الثقة مستقبلا في دورها.

وبمجرد إعلان واشنطن قرارها بالانسحاب بادر الأكراد إلى فتح قنوات التواصل مع نظام بشار الأسد في دمشق، كما أنهم عرضوا على روسيا أن تتولى رعاية هذا التقارب مع دمشق، ما يعني أن حلفاء واشنطن قفزوا بسرعة إلى الضفة المقابلة بحثا عن حماية بمواجهة التهديدات التركية، وهو ما قد يعرض مصداقية الولايات المتحدة بين حلفائها الإقليميين الآخرين إلى الضرر.

وعبر نيكولاس هيراس، الزميل في مركز الأمن الأميركي الجديد، عن اعتقاده بوجود معركة داخلية تجري داخل الإدارة الأميركية من قبل الفريق السياسي الذي يتولى الملف السوري، في محاولة لإصلاح الأضرار التي أحدثها إعلان الرئيس ترامب الانسحاب من سوريا.

العرب