ضجة كبرى بالعراق بعد كشف زيارة مسؤولين لإسرائيل

ضجة كبرى بالعراق بعد كشف زيارة مسؤولين لإسرائيل

ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل بشأن زيارة ساسة عراقيين إلى إسرائيل، بل سبقتها زيارات وعواصف جدل أخرى فجرت انقسامات جديدة في مجتمع تمزقه الصراعات والأزمات.

وقد أثارت تغريدة لوزارة الخارجية الإسرائيلية وتقارير صحفية عن قيام مسؤولين عراقيين بزيارة تل أبيب ضجة كبرى في الشارع العراقي، ودعا النائب الأول للبرلمان حسن الكعبي إلى فتح تحقيق مع هؤلاء النواب لتعديهم “خطوطا حمراء” في السياسة العراقية.

ولم يمر الأمر بسلام في مواقع التواصل الاجتماعي التي انقسم العراقيون فيها بين بعض المؤيدين لهذه الزيارة “المفترضة” وأكثرية معارضة لها، وعلا صخب النقاش ليصل إلى حد تبادل الاتهامات بين الطرفين.

نفق التطبيع
ويتخوف المعارضون من أن تكون هذه الخطوة مقدمة لدخول العراق فيما يصفونه بـ”نفق التطبيع” مع إسرائيل التي “تنتهك حقوق الإنسان وقوانين المجتمع الدولي”، إلا أن بعض المؤيدين لها اعتبروها خطوة في سبيل تحسين علاقات العراق الخارجية ونزع فتيل الأزمات بالمنطقة.

وزارة الخارجية العراقية حسمت موقفها من القضية بإعلان التزامها بموقف العراق “التاريخي” من القضية الفلسطينية، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني في تحرير الأرض والإنسان وإقامة دولته المستقلة كما جاء في حساب الوزارة على تويتر.

غير أن تصريحا نسب لوزير الخارجية الجديد محمد علي الحكيم أكد فيه دعم العراق مبادرات السلام العربية والدولية أثار شكوك البعض بشأن التوجه المقبل للحكومة العراقية، وإمكانية الانخراط في هذه التسوية بعد أن كان العراق طوال تاريخه الحديث أبرز الدول التي قاومت التوجه لإقامة علاقات عربية مع تل أبيب.

نفي واتهامات
وقد نشرت بعض وسائل الإعلام العراقية استنادا إلى تقارير صحفية إسرائيلية أسماء بعض الذين قاموا بالزيارة المذكورة، وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أسماء عدد من النواب، من بينهم عبد الرحمن اللويزي وأحمد الجبوري وآخرين قالت عنهم المصادر إنهم من مختلف المكونات المذهبية والقومية.

لكن أحد الذين وردت أسماؤهم في هذه التسريبات نفى للجزيرة نت مشاركته في مثل هذه الزيارة بشكل قاطع، وأكد النائب عبد الرحمن اللويزي أن موقفه من إسرائيل ثابت ليس سياسيا فحسب، بل وإنسانيا وقوميا وعقائديا، بحسب قوله.

وأضاف أن العامل المشترك بين الذين وردت أسماؤهم في هذه التسريبات هو أن لديهم موقفا مما وصفها بـ”الأطماع الكردية” التي تسعى إلى التغول على مناطق واسعة في نينوى وديالى وكركوك ومحافظات أخرى.

واتهم اللويزي جهات كردية بالوقوف وراء هذه الشائعات لغرض تشويه صورته وتسقيطه في الشارع بعد مواقفه ضد حكومة إقليم كردستان، واصفا المشروع الكردي في العراق بأنه “إسرائيل العراق”، والذي تربطه علاقات وثيقة بإسرائيل “الأم” كما جاء على لسانه.

واعتبر النائب أن العراق كان ولا يزال حائط الصد باتجاه أي توجه عربي للتطبيع مع إسرائيل، وأن أي شخصية سياسية أو عامة تقرر فتح خطوط تواصل مع إسرائيل تصبح منبوذة في الشارع، وأن موقف العراقيين سيظل داعما للشعب الفلسطيني حتى استعادة كامل حقوقه من هذا الكيان الغاصب.

قنوات سرية
ويعيد هذا الجدل إلى الأذهان زيارات سابقة لعدد من الشخصيات العامة في العراق إلى إسرائيل مثلما فعل النائب السابق مثال الآلوسي، والفائزة بجائزة نوبل للسلام عام 2018 ناديا مراد، بالإضافة إلى ملكة جمال العراق لعام 2017 سارة عيدان.

الآلوسي عاد ودعا -معقبا على ما يتردد بشأن الزيارة الأخيرة- إلى فتح قنوات علنية مع تل أبيب، معللا سريتها بالخشية من تصفيتهم من قبل الجماعات المرتبطة بإيران والقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، معتبرا ذلك مؤشرا على تراجع الحريات في العراق والخشية من الإرهاب المنظم، على حد قوله.

ولفت الآلوسي إلى وجود ممثلين لأحزاب “إسلامية” شاركوا في الزيارة، مما يدل على “ازدواجيتهم”، مطالبا الحكومة بفتح قنوات تواصل مع إسرائيل كما فعلت إيران في زمن الخميني، على حد قوله.

ووفقا للعضو السابق في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب عبد الباري الزيباري، فإن هذه الزيارات ما زالت غير مؤكدة، لكنها تشبه ما حصل في الدورة الأولى عندما زار النائب السابق مثال الآلوسي تل أبيب، ثم أقاله مجلس النواب من عضويته إلا أن المحكمة الدستورية أعادته إلى منصبه.

وبشأن ما يشاع عن وجود علاقات بين إقليم كردستان وتل أبيب ينفي الزيباري وجود أي قنوات تواصل رسمية وصريحة مع إسرائيل، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود اتصالات سرية تتم في أطر خاصة خارج النطاق الرسمي، على حد قوله.

ويطالب النائب السابق العراق بالانشغال بمشاكله الداخلية بدل الانخراط في جهود لدعم عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأنه يعاني من تمزق وأزمات داخلية، ولن تقدم أو تؤخر مشاركته في هذه المباحثات شيئا، وفق تعبيره.

رفض شعبي
وعلى الرغم من عدم وجود جهات تتبنى التطبيع مع تل أبيب لمخالفة ذلك للقوانين العراقية التي تجرم هذا الفعل ولوجود مزاج شعبي يغلب عليه رفض هذه الفكرة فإن بعض مواقع التواصل الاجتماعي تشهد بشكل مستمر خلال السنوات الأخيرة دعوات يطلقها ناشطون تطالب بإعادة النظر في الموضوع.

وقد حاولنا التواصل مع بعض أولئك الناشطين من أجل الحصول على تصريح إلا أن محاولاتنا ووجهت بالرفض بسبب ما اعتبروه “تهويلا” لمطالباتهم، ومحاولة تجييرها لصالح تأليب الرأي العام ضدهم.

ويعتقد الكاتب الصحفي أحمد الشيخ ماجد أن عدم وجود جهات حزبية عراقية تدعو إلى التطبيع يعود لأسباب عدة، من بينها الخوف من فقدان رصيدها الجماهيري، فضلا عن إرث العراق العروبي والثقافة التي تعمقت خلال عقود ضد الصهيونية.

كما أن المنهاج الحكومي الذي قدمه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي قد شدد فيه على الالتزام بالقضية الفلسطينية، وهو ما يعبر عن موقف العراق من هذا الملف.

ويرجع الشيخ ماجد سبب وجود توجهات لدى بعض الناشطين المطالبين بالانفتاح على إسرائيل إلى ما مارسه الرئيس الراحل صدام حسين من “استبداد” باسم القضية الفلسطينية والشعارات القومية، وهو ما ولد ردود فعل قاسية تجاه الموضوع.

لذا لجأ البعض الناس إلى التركيز على الخصوصيات المحلية للعراق باعتبار أنها ستأتي لهم بالرخاء والاستقرار إلا أن هذه العزلة لن تكون حلا، حيث إن تجارب العديد من الدول مثل مصر والأردن شاخصة في ضعف الاقتصاد ومشاكل أخرى مفصلية في الدولة “على الرغم من علاقتهما الجيدة بإسرائيل”.

ويؤكد الكاتب الصحفي أن “داعمي فكرة التطبيع مع إسرائيل ما زالوا أقلية في المجتمع العراقي، وهم ضحايا للتضليل والتجهيل المتعمد الذي تقوده مؤسسات إعلامية مدفوعة تحاول الدخول دائما من باب الترويج لقضية يهود العراق على الرغم من أن المشكلة بالأساس هي مع الصهاينة وليست مع اليهود العراقيين”.

الجزيرة