إلى متى سيبقى الرئيس السوداني صامدا في مواجهة احتجاجات تزداد زخما

إلى متى سيبقى الرئيس السوداني صامدا في مواجهة احتجاجات تزداد زخما

يشهد السودان منذ 19 ديسمبر الماضي تظاهرات بدأت احتجاجا على رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، لكن تحولت إلى احتجاجات ضد حكم الرئيس عمر حسن البشير، وسط أزمة اقتصادية وارتفاع معدلات التضخم، يعاني منها السودان منذ سنوات، وانتهت إلى انفجار بعد أن ضاق مناخ الحريات العام كثيرا بالسودانيين.

بعد سنوات من الاحتقان الداخلي، يجد الرئيس السوداني اليوم نفسه في مواجهة مباشرة ومصيرية مع عامة السودانيين، الذين حاولوا مسايرة موجة الربيع العربي عند اندلاعها في سنة 2011، وجرت تحرّكات احتجاجية في سبتمبر 2013 وفي يناير 2017، وحتى قبل ذلك بسنوات، إلا أن صوت احتجاجاتهم كان في كل مرة يخمد إما عن طريق إصلاحات موضعية، لتهدئة الغضب مؤقتا، وإما عن طريق القمع.

اليوم، تعد هذه الاحتجاجات مصيرية بالنسبة لعامة السودانيين، المتمسكين بإسقاط النظام، لكنهم في نفس الوقت حائرون في بدائله، وفي موقف المجتمع الدولي، الحائر بدوره في التعامل مع وضع السودان في مثل هذه المرحلة الحرجة إقليميا ودوليا، خاصة وأن ما هو مطروح الآن لا يعطي آمالا كبيرة بتغييرات جذرية، بالنظر إلى سعي الإسلاميين إلى البقاء في السلطة وإن كان عبر الانقلاب على البشير، وإعادة السيناريو الذي حكم هو به؛ تحالف فانقلاب.

وتؤكّد نسرين مليك، الصحافية السودانية المقيمة في بريطانيا، أنه “يمكن للفراغ السياسي السوداني أن يحافظ على البشير في السلطة أو أن يخرجه منها”، مشيرة إلى أن الرئيس السوداني “واجه احتجاجات من قبل، لكن الموجة الحالية من المظاهرات فريدة. فهي تعكس قطاعا واسعا من المجتمع السوداني، يغذيه التخطيط التنظيمي والعاطفة التلقائية، مما يشكل تهديدا خطيرا على النظام”.

وينظم المحتجون مظاهرات شبه يومية منذ أسابيع للتعبير عن غضبهم من نقص الخبز والعملة الأجنبية. وتأتي الاضطرابات بينما يمضي الحزب الحاكم قدما في خطط لتعديل الدستور بما يسمح للبشير بالبقاء في السلطة لما بعد فترته الحالية التي تنتهي في 2020.

وضع أخطر

منذ تولي البشير الحكم، قبل ثلاثين عاما، تدهورت المؤسسات الأساسية والمدنية، والاقتصادية والنظام التعليمي والجيش، والثقافة في السودان، من أجل تسهيل سيطرة الحكومة على السلطة بشكل أفضل وضمان احتكارها على الاقتصاد.

واليوم، ومثلما هي مصيرية بالنسبة للسودانيين، فإن هذه الاحتجاجات تعد الأكثر خطورة على نظام البشير منذ أن تولى السلطة إثر انقلاب عام 1989، وهي مصيرية بشكل قد يكون أكبر بالنسبة للبشير، الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بحقه مذكرتي توقيف. وطالما ظل في السلطة فإنه سيكون محصنا ضد هذه الملاحقات الدولية.

ومنذ إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحقّه في 2009 و2010 لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور في غرب السودان، أعيد انتخاب البشير مرّتين رئيسا للسودان في انتخابات قاطعتها المعارضة.

وعلى الرغم من اتّهام المحكمة الجنائية الدولية له والتحديات الداخلية الكثيرة التي تواجهه، تمكّن الرئيس السوداني، البالغ 75 عاما، من البقاء في الحكم. وانتخب البشير لولاية رئاسية خامسة في أبريل 2015 بعد أن حصل على 94 في المئة من أصوات الناخبين.

دخل عمر حسن البشير الكلية الحربية وترقى في المناصب ثم انضم إلى فوج المظليين، وشارك في حرب 1973. وفي عام 1989 قاد اللواء البشير انقلابا سلميا ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطيا برئاسة الصادق المهدي. ودعمته حينها الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي، الذي أصبح اليوم من أكبر معارضيه.

على الرغم من تخطيه العديد من التحديات خلال فترة حكمه، يشكك المحللون في قدرته على تخطي الاحتجاجات الأخيرة

وتحت تأثير الترابي، قاد البشير السودان نحو حكم إسلامي أكثر تشددا. واستضاف في التسعينات زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ثم عاد وطرده بطلب من الولايات المتحدة. وردا على اتهامات عدة من بينها انتهاك حقوق الإنسان، فرضت واشنطن حصارا تجاريا على السودان في العام 1997.

وفي 1993 أدرجت الولايات المتحدة السودان على قائمة “الدول الراعية للإرهاب” وبعد أربع سنوات فرضت على الخرطوم حظرا تجاريا على خلفية اتهامات عدة من بينها انتهاكات لحقوق الإنسان، رفعته في 2017.

ووصلت التوترات بين البشير والترابي إلى أعلى مستوى في أواخر التسعينات، إذ أنه وفي محاولة منه لإخراج السودان من عزلته، عمد في العام 1999 إلى إقصاء الترابي من دائرته المقربة. لكن تنفيذ الحكومة حملة عنيفة عام 2003 للقضاء على تمرد في منطقة دارفور الغربية عرّض البشير للمزيد من الانتقادات.

وأدى النزاع في دارفور إلى أكثر من 300 ألف قتيل وتشريد أكثر من 2.5 مليون شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة. ومنذ العام 2011 واجه البشير حركة تمرد بقيادة الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

لكن، ومنذ صدور المذكرتين بحقّه، أجرى البشير عدة زيارات خارجية إلى دول إقليمية، كما زار روسيا. وقبل أيام من قيام الاحتجاجات التقى البشير في دمشق نظيره السوري بشار الأسد في أول زيارة لرئيس عربي إلى سوريا منذ اندلاع النزاع فيها.

والعام الماضي استضاف البشير محادثات بين الزعيمين الخصمين في جنوب السودان، الرئيس سلفا كير ونائبه (السابق) رياك مشار، توصلت إلى اتفاق لإنهاء الحرب. واستقل جنوب السودان في 2011 بعد أن فاجأ البشير أشد منتقديه بتوقيعه اتفاق سلام أنهى نزاعا كان قائما بين الشمال والجنوب منذ أكثر من عقدين.

تحديات صعبة

في رده على الاحتجاجات، حاول الرئيس السوداني الظهور بمظهر الصامد. وظهر الأربعاء وهو يرقص ويلوّح بعصاه في الساحة الخضراء في الخرطوم حيث تم استقباله بهتافات التأييد في أول تجمّع مؤيد للنظام منذ قيام التظاهرات الشهر الماضي.

وحضر البشير برفقة زوجته وعدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين، وقال لمناصريه إن “هذا الحشد يرسل رسالة للذين يظنون أن السودان سيلحق بالدول التي انهارت”.

وتمسك البشير بالبقاء في السلطة على الرغم من المظاهرات. ولم يفلح خطابه في تهدئة الاضطرابات، حيث خاضت قوات الأمن معارك مع المحتجين في مدينة أم درمان على الضفة المقابلة من نهر النيل.

لكن، على الرغم من تخطيه العديد من التحديات خلال فترة حكمه، يشكك المحللون في قدرته على تخطي الاحتجاجات الأخيرة. وقال الصحافي خالد التيجاني إن “التظاهرات أضعفته”، مشيرا إلى أن “الرئيس البشير كان على وشك إجراء تعديلات دستورية تتيح له الترشّح مجددا للرئاسة في 2020، لكن بات عليه الآن أن يعيد النظر في ذلك”.

الأناضول