منهكة بالتحديات.. ثورة تونس تطوي عامها الثامن

منهكة بالتحديات.. ثورة تونس تطوي عامها الثامن

تشهد تونس بداية 2019 أحداثا ساخنة مع توقع إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل إضرابا عاما بقطاع الوظيفة العمومية لزيادة الرواتب، إضافة إلى تحركات في عدد من المناطق المحرومة؛ احتجاجا على البطالة والفقر، وهذه قطرة من محيط الأزمات المعقدة التي تطارد الحكومة.
ورغم أنها حققت العام الماضي نموا إيجابيا بلغ 2.6% بفضل تحسن الإنتاج الفلاحي ونمو السياحة، فإن الحكومة لم تفلح في كبح جماح ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة الدينار وتدهور الخدمات الاجتماعية واستشراء البطالة والفقر وارتفاع هجرة الكفاءات وانتشار الأوبئة.

وتشهد البلاد نهاية 2019 انتخابات تشريعية ورئاسية، يعتقد مراقبون أن التجاذبات ستتغذى أكثر مع اقترابها بسبب الخطابات المتشنجة والصراعات القائمة، خاصة حول اتهام حركة النهضة بامتلاك جهاز سري، وحول مشروع قانون المساواة بالميراث المثير، وقضايا الفساد.

احتجاجات قادمة
وتنقل تونس معها هذا العام العديد من الأزمات، وعلى رأسها العلاقة المتوترة بين الرئيس الباجي قايد السبسي ونجله حافظ من جهة ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي لم يتضح بعد مشروعه السياسي رغم أن كتلته بالبرلمان تقوم بمشاورات لتشكيل حزب جديد، ربما يكون هو زعيمه، من جهة ثانية.

وفي مايو/أيار الماضي، أجرت تونس أول انتخابات محلية بعد الثورة، لكنها كشفت عن عزوف الناخبين، وتراجع مهم لمكانة الأحزاب مقابل بروز المستقلين، وهو مؤشر يعكس أزمة الثقة لدى المواطنين في الطبقة السياسية، وتحميلها مسؤولية تردي الأوضاع في جميع المستويات بالبلاد.

وهذا الوضع سيدفع الموظفين الحكوميين للإضراب في 17 من الشهر الجاري إذا لم تتوصل الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل لاتفاق بزيادة رواتب الموظفين. وللآن لم تسفر المفاوضات عن اتفاق لحل هذه الأزمة؛ مما يهدد البلاد بالدخول في مرحلة احتقان وتوترات اجتماعية.

ويقول الأمين العام المساعد باتحاد الشغل صلاح الدين السالمي للجزيرة نت إن الاتحاد متمسك بزيادة مجزية في أجور الموظفين لمواجهة الغلاء، مؤكدا أن الإضراب ليس رهانا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة للدفاع عن الموظفين المنهكين بالزيادات بالأسعار واستفحال التهريب والاحتكار.

ولكن حتى إن تم تجنيب البلاد الإضراب مثلما ألغي إضراب الصحفيين الذي كان مقررا في 14 يناير/كانون الثاني، فإن الخلافات بين الحكومة والنقابات لا نهاية لها؛ إذ تستمر حالة الاحتقان وسط الأساتذة الذين قرروا حجب العلامات في الثلاثية الثانية المقبلة للحصول على منح.

حسابات انتخابية
وتعهدت الحكومة بإعادة الأمل للتونسيين، وتحقيق 3.1% من النمو العام الجاري، ومقاومة التضخم، ومراقبة الأسعار، والحد من الاحتكار، ودفع التنمية والتشغيل عبر بنك الجهات المزمع إقامته في النصف الأول من هذا العام، لكن ضيق الوقت سيصعّب عليها تنفيذ وعودها.

وتبلغ موازنة العام الجاري نحو 14 مليار دولار، يتجه منها نحو 6.15 مليارات دينار (2 مليار دولار) للتنمية بزيادة 4% عن العام السابق. لكن الخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي يقول إن نفقات التنمية تراجعت إذا تمت مقارنتها بارتفاع التضخم إلى 8% وانهيار الدينار.

ولم تفرض الحكومة في 2019 ضرائب جديدة على المواطنين، بل خفضت رسوم الإنترنت والمساكن والسيارات الشعبية وغيرها، لكن بالنسبة إليه فإن تلك الإجراءات تدخل ضمن “الحسابات الانتخابية”، معتبرا أن الإجراءات الحكومية “محتشمة ولا تناسب تدهور الأوضاع”.

ويؤكد للجزيرة نت أن الحكومة ستواصل في 2019 المنحى التقشفي؛ مما سينتج عنه إعطاء الأولوية للتوازنات المالية على حساب دفع التنمية، مشيرا إلى أن الحكومة ستظل ملتزمة بشروط صندوق النقد الدولي للحد من عجز الموازنة، والضغط على كتلة الأجور وتجميد التعيينات الجديدة.

أوضاع مزرية
وحسب معهد الإحصاء، يصل معدل البطالة إلى 15.5%، ويبلغ عدد المعطلين عن العمل أكثر من ستمئة ألف، أغلبهم من حاملي الشهادات العليا. وهذا العام ستفتح الحكومة الباب لتشغيل 4184 شخصا فقط، أي تعويض واحد لكل أربعة مغادرين في إطار التقاعد أو المغادرة الاختيارية.

ويعيش المتقاعدون في تونس وضعا مترديا بسبب ضعف رواتبهم، كما تعاني الصناديق الاجتماعية من أزمة خانقة بسبب عجزها المالي المتفاقم. وينظر الموظف بالشركة التونسية للكهرباء فيصل بالحاج فرج (58 عاما) بحيرة لمصيره مع اقتراب موعد تقاعده بعد سنتين.

وتظهر هموم الحياة وقسوتها بوضوح على ملامح هذا الرجل الذي غزا الشيب رأسه. وعمل فيصل طيلة 28 عاما في تلك الشركة، لكنه يقول للجزيرة نت إنه أوشك على التقاعد ولم يجن إلا راتبا متواضعا يتبخر بتسديد ديون البنك ونفقات عائلته المتنامية في ظل ارتفاع الأسعار.

ويرى أن الأوضاع العامة زادت سوءا مقارنة بما كان عليه الواقع قبل الثورة رغم إقراره بانتعاش مناخ الحقوق والحريات. ويقول إن تدني مستوى الخطاب السياسي والصراعات الحزبية وغياب الكفاءة وتردي الأوضاع واستشراء الفساد؛ جعلته محبطا من المسار الثوري بالبلاد.

صراعات سياسية
ورغم استكمال التجربة التونسية لمحطات عديدة ضمن المسار الانتقالي، فإن عام 2019 سيشهد ارتفاعا ملحوظا في منسوب التوترات والتجاذبات السياسية، لا سيما مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية نهاية هذا العام، خاصة في ظل الصراعات الحادة بين اليساريين والإسلاميين.

وسينقل هذا العام معه التجاذبات القائمة على اتهام الجبهة الشعبية اليسارية لحركة النهضة الإسلامية بامتلاك جهاز سري متورط في اغتيالات سنة 2013. وتنفي حركة النهضة هذا الاتهام، معتبرة أنه محاولة لتشويه سمعتها قبل الانتخابات، في حين لم يبت القضاء بعد في هذا الأمر.

وتبدو حركة النهضة الأقرب لتحقيق الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة، بحسب استطلاعات، وفي ظل تشتت الأحزاب، وحركة نداء تونس المنهكة بصراعاتها. ولكن الانتخابات القادمة لم يتحدد موعدها بدقة بسبب تعطل انتخاب رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات.

وقال عضو هيئة الانتخابات أنيس الجربوعي للجزيرة نت إن عدم سد الشغور بانتخاب رئيس جديد للهيئة، وتجديد ثلاثة من أعضائها في أقرب وقت؛ ستكون له تداعيات خطيرة على جودة الانتخابات القادمة، وسيؤثر على احترام الآجال المضبوطة لإجراء الانتخابات.

ويبدو أن أزمة تجديد أعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات، وانتخاب رئيس جديد لها بالبرلمان، تسير نحو الانفراج بعد الاتفاق مؤخرا على تحديد جلسة للتصويت، لكن حتى إن تم هذا فإن دراسات واستبيانات حذرت من عزوف الناخبين عن التصويت بسبب عامل فقدان الثقة في السياسيين.

وإلى جانب انتخاب أعضاء الهيئة، ما زالت هناك الكثير من التحديات أمام البرلمان، وتتعلق باستكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وبعض الهيئات الأخرى، كهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة، وهيئة الإعلام السمعي البصري.

وينتظر أن يتصاعد الجدل هذا العام مع تمرير مشروع قانون المساواة بالميراث بين الرجل والمرأة على أنظار البرلمان في الفترة المقبلة. وبادر الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بطرحه لكنه يجد معارضة من قبل حركة النهضة وعدد من الفئات الاجتماعية.

وكان عدد من الأئمة دعوا إلى عدم انتخاب الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إذا جدد ترشحه بانتخابات 2019 بسبب طرحه مشروع قانون المساواة. ومع ذلك يرى مراقبون أن هناك إمكانية لدعم ترشحه بطريقة مبطنة من حركة النهضة التي ما تزال متمسكة بالتوافق معه.

ومن هنا حتى اقتراب موعد الانتخابات القادمة، ستواجه البلاد الكثير من التجاذبات المتعلقة باستكمال مسار العدالة الانتقالية وجبر الأضرار لضحايا النظام السابق ونشر قائمة ضحايا الثورة المعطلة وتأمين البلاد من العمليات الإرهابية في ظل استمرار المخاطر الأمنية المحدقة بتونس.

الجزيرة