صراع عقول المقاومة والاحتلال: تفوق لصالح “القسام”

صراع عقول المقاومة والاحتلال: تفوق لصالح “القسام”

بإعلانها، مساء السبت، بعض تفاصيل عملية التسلل الإسرائيلية شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشفت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة “حماس” الستار عن معلومات مهمة في عملية “حدّ السيف”، موجّهة رسائل في كل الاتجاهات، داخلياً وخارجياً.

وسلمت الكتائب، قائدها العام محمد الضيف، التفاصيل الدقيقة لعملية التسلل، نتيجة بحث مطول أجرته قيادتها وجهاز مخابراتها، لأكثر من شهرين، في قضية من أعقد ما واجهت “حرب العقول” بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي. ولم تعلن الكتائب كل تفاصيل تحقيقاتها، وأبقت على ما يبدو على الكثير من المعلومات “الحساسة” طي السرية والكتمان، لكنها فاجأت الجميع بتفسيرها أسباب الرقابة العسكرية والمنع الإسرائيلي المشدد على انتشار صور وأخبار الوحدة المتسللة، بالقول إن الوحدة المنفذة نفذت سابقاً “عمليات في أقطار عربية وإسلامية”.


الاحتلال بات اليوم في حيرة من أمره بعد حالة الغموض والصمت المخابراتي


وحسمت القسام محوراً كان متضارباً فيما سبق، حين كان يتمّ الحديث عن أهداف متعددة للعملية المخابراتية الإسرائيلية في عمق غزة بين اغتيال قادة أو الوصول للجنود الإسرائيليين الأسرى. وأكدّت تحقيقات الكتائب أنّ “الهدف كان زرع أجهزة تنصت ومراقبة على شبكة اتصالات المقاومة التي تستخدمها داخلياً”.

وأنشأت المقاومة، تحديداً كتائب القسام، في السنوات الماضية، شبكة اتصالات داخلية شبيهة بشبكة حزب الله في لبنان، وهي غير موصولة بأي أجهزة ذكية. ونجحت هذه الشبكة في إدارة العمليات خلال الحروب الإسرائيلية على القطاع.

وهذه الشبكة سلكية بدائية، ممتدة في معظم مناطق قطاع غزة، وليس من السهل معرفة أماكنها والوصول إليها، وصعّبت على الاحتلال الإسرائيلي استهداف المقاومين، تحديداً اجتماعات قيادات المقاومة في الميدان خلال الحروب، وسهّلت من التواصل بين القيادات والعناصر في الميدان.

في هذا السياق، اعتبر الباحث في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة لـ”العربي الجديد”، أن “إعلان الكتائب حمل رسائل مهمة على الصعيد المحلي، وأثبت دور الحاضنة الشعبية في احتضان المقاومة عبر المعلومات التي وفّرتها لها وحجم التواصل الذي تبع عملية التسلل الفاشلة شرق خان يونس”.

وأضاف أن “الرسالة الأخرى كانت للمجتمع الإسرائيلي وزيادة حدة التأثير عليه وتشكيكه بقياداته ووحداته الخاصة، أما الرسالة الثالثة فموجّهة للمجتمع الدولي والخارجي، بأن المقاومة في غزة ليست عملاً عبثياً، وأن ما كشف عنه أمن المقاومة يثبت عبث الاحتلال بأمن الوطن العربي”.

وأشار إلى أن “المقاومة الفلسطينية وتحديداً كتائب القسام استخدمت الصمت المخابراتي في عملها، واحتفظت بجزء كبير من المعلومات من أجل تحقيق مكاسب مستقبلية”. ولفت إلى “احتمالية وجود بعض الخلايا العاملة على الأرض وحديث القسام عن باب العفو ومبلغ المليون دولار كمكافأة، قد يدفع بعض المتخابرين مع الاحتلال لاستدراج قوة خاصة أو بعض ضباط الشاباك إلى القطاع”.

وحالة الصمت المخابراتي، ستضع الاحتلال الإسرائيلي تحت ضغط أمني وعسكري عن حجم المعلومات التي تحصّل عليها القسام وطبيعتها. وأوضح أبو زبيدة أنّ “الاحتلال بات في حيرة من أمره بعد حالة الغموض والصمت المخابراتي ومدى تعلق المعلومات بالشقين العسكري والأمني، فضلاً عن كون هذه المعلومات ستساهم في منح القسام ميزة مستقبلية في العمل ضد الاحتلال”.

ولفت إلى أن “الخطاب الأخير للقسام يمكن تقسيمه إلى أربعة أجزاء وأهداف نجح من خلالها عبر التهديف المخابراتي والتهديف العسكري والتهديف السياسي واستخدام الحرب النفسية للضغط على الاحتلال وجمهوره في التعامل مع هذا الملف”.

أما الكاتب ثابت العمور، فأكد لـ”العربي الجديد”، أنّ “ما سمح بنشره للآن عن العملية، يدل على أنّ هناك معركة عقول حقيقية بين المقاومة والاحتلال. وهذه المعركة لم تكن في الكشف الذي تمّ فحسب، بل في دافعية الاحتلال بالمخاطرة والمجازفة بإرسال هذه القوة وهو يعلم أنها قد تُؤسر أو تُقتل”.


المقاومة الفلسطينية وتحديداً كتائب القسام استخدمت الصمت المخابراتي في عملها


ولفت العمور إلى أنّ “ندرة المعلومات وحصانة جبهة المقاومة في القطاع، هما ما دفع الاحتلال للمخاطرة وإرسال القوة المتسللة”، مضيفاً أنّ “العملية أثبتت أنّ هناك قدرات وامكانيات لدى المقاومة لا يعلمها الاحتلال وهذه تشكل فجوة بين الجانبين”.

وتابع قائلاً إن “الحيثيات التي تم الكشف عنها تعني أنّ القطاع ليس مستباحاً، وتعني أنّ هناك عقولا وقدرات أمنية مقدرة ويشاد بها، على الرغم من ضعف الإمكانيات، مقارنة بما هو متاح للدول العربية”. وأوضح أنّ “المقاومة استطاعت في مدة وجيزة اكتشاف خط سير القوة وتحركاتها ووثقت صورها في مناطق عدة وفي محلات تجارية. الأمر الذي يعني أن هناك ما يزيد عن ألف ساعة مراقبة تم تفريغها وتتبعها”.

ولفت العمور إلى أنه “في أحد معاني هذا التفوق العملياتي، هناك حاضنة شعبية داعمة للمقاومة، وهناك حس أمني جماعي واجتماعي، والأهم أنّ هناك رسائل مررتها المقاومة بأنها باتت تعلم كيف تعمل هذه الوحدة، وأنّ هناك عمليات تمت في مناطق أخرى خارج فلسطين تم اكتشافها وتتبع كل الخيوط والكشف عن سلسلة العملاء الذين ساعدوا القوة وقدموا لها خدمات. حتى غطاء الجمعية الخيرية تم كشفه وتتبعه”.

وشدّد على أن “المعركة ليست مقتصرة على العمل العسكري، بل تمتد لمعركة الوعي والمعركة الأمنية ومعركة العقول ومعركة المواجهة في الساحات الخلفية للجبهة الداخلية للمقاومة، وتعني أنّ المقاومة تعلم ذلك وتمتلك قدرات وأدوات تستطيع العمل على كل الجبهات ومختلف المعارك”.

غير أنّ العمور دلّ على نقطة حساسة، مشيراً إلى أن “القوة دخلت منذ مدة طويلة واستقرت وعملت في غزة وتجولت، ما يعني أنّ هناك خللا أمنيا ما كان قد حدث سمح بهذا الاختراق، وهذه نقطة ضعف أيضاً تجب معالجتها من جذورها”.

العربي الجدبد