طاقة العراق النفطية بين الطموح والتحديات 2019

طاقة العراق النفطية بين الطموح والتحديات 2019

شذى خليل *
العراق.. طاقة إنتاجية وتحديات عالمية
منذ اكتشاف النفط في العراق في أوائل القرن الماضي من قبل مجموعة من الخبراء الألمان ثم الإنكليز ، أصبح النفط عاملاً أساسياً في تحديد سياسات وتوجهات القوى العظمى في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والعراق بشكل خاص.
هناك آراء متباينة حول حجم الاحتياطيات النفطية المثبتة والمحتملة في العراق ، إلا أنها تتفق على أن هناك خزيناً هائلاً ربما لا مثيل له في منطقة أخرى من العالم ، حيث يبلغ حجم الاحتياطيات المثبتة (Proven) وفق الأرقام الرسمية الأخيرة لوزارة النفط العراقية والمعتمدة من قبل معظم المراجع النفطية المختصة عالمياً ما مقداره (112) مليار برميل.

أما حجم الاحتياطيات المحتملة ، فهناك اختلاف في تخمينها ، إلا أنها تزيد في كل الأحوال عن (200) مليار برميل ، يمكن تحويل جزء أساسي منها وبما لا يقل عن (50%) إلى احتياطيات مثبتة باعتماد التكنولوجيا الحديثة في عمليات المسح الزلزالي والحفر الاستكشافي والتقييمي ثم الحفر التطويري ، ويضاف إلى ذلك عامل مهم يتعلق بكلفة عمليات الاستكشاف والحفر ، وبالتالي كلف العثور على النفط وتطويره والذي يعتبر من أوطأ الكلف ليس على مستوى العالم فحسب ، بل وحتى بالمقارنة مع المخزون النفطي في منطقة الشرق الأوسط ، وتتراوح تلك الكلف بين (1.5-2) دولار للبرميل الواحد.
طاقة العراق الإنتاجية:
يتضح ان أهداف العراق أصبحت أمراً ممكناً وواقعياً في تصدير أربعة ملايين برميل يومياً ، وإنتاج خمسة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020 ، على الرغم من الصعوبات والتحديات التي ماتزال تواجه قطاعي الإنتاج والتصدير ، بحسب نشرة أبحاث الطاقة الشهرية للشركة العربية للاستثمارات البترولية (ابيكورب) في عددها الأخير ، بأن الحكومة الفيديرالية الحديثة العهد تعمل على تحقيق واستدامة هذه الأهداف الإنتاجية والتصديرية بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والقلاقل التي أدت الى تأخير تطور الصناعة النفطية العراقية.

وترجع لأسباب كثيرة منها ، مشكلة التخصيصات الاستثمارية ، وضعف مساهمة القطاع الخاص ، وغياب الثقافة بالصناعة النفطية التي لها أبعاد فنية بحتة ، وعدم الاطلاع على تجارب الدول النفطبة الأخرى ، والاختلافات السياسية التي كانت ولا زالت انعكاسات سلبية على تطوير الصناعة النفطية.
والعامل الأهم هو التدخل الخارجي: ان الصناعة النفطية كغيرها من الصناعات تخضع للمنافسة الاقتصادية الدولية ، وان تقدم الانتاج النفطي العراقي يشكل تهديدا لاقتصاديات الدول المنتجة ، وخاصة لتك الدول التي تستمد قوتها اقتصاديا وسياسيا منه ، وليس غريبا ان تعمل ما بوسعها لمعارضة تطور الصناعة النفطية العراقية للحفاظ على وضعها ، ويتعزز هذا القول عندما نجد ان هذه الدول متدخلة بالشأن السياسي العراقي .

وسجل الإنتاج العراقى (4.65) مليون برميل يوميا في أكتوبر الماضي ، بحسب نشرة «إبيكورب» ، وعلى الرغم من العراقيل والحصار الدولي خلال التسعينيات وما تلا ذلك من هزات داخلية مستمرة خلال العقدين الماضيين ، استطاع العراق زيادة طاقته الإنتاجية من نحو مليوني برميل يوميا في عام 2003 ، إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا في الوقت الحاضر ، ما يضعه في المرتبة الإنتاجية الثانية بعد السعودية في «أوبك» ، وتدل هذه الزيادات الإنتاجية ــ على الرغم من الأوضاع الصعبة ــ على طاقات العراق النفطية الكامنة.
وتكمن احتياطات العراق المهمة في جنوب البلاد ، وخصوصا في محافظة البصرة ، القريبة من موانئ التصدير ، وبلغت طاقتها التصديرية (3.6) مليون برميل يوميا خلال عام 2018.
تشير نشرة «إبيكورب» إلى ان الإنتاج الراهن من الحقول الجنوبية التالية: الناصرية (تديره شركة ذي قار العراقية) 90 ألف برميل يوميا ، والغراف (تديره شركة بتروناس البرازيلية) 87 ألف برميل يوميا ، وحلفايا (تديره شركة النفط الوطنية الصينية) 250 ألف برميل يوميا ، ومجموعة حقول ميسان (تديرها شركة سنووك الصينية) 230 ألف برميل يوميا ، والزبير (تديره شركة ايني الإيطالية) 454 ألف برميل يوميا ، والرميلة (تديره شركة بريتش بتروليوم) 1.475 مليون برميل يوميا ، وغرب القرنة (تديره شركة اكسون الأميركية) 455 ألف برميل يوميا.

وتدل المعلومات المتوافرة ان الطاقة الإنتاجية المستدامة لهذه الحقول الجنوبية تقدر بأكثر من ضعف مستوى إنتاجها الحالي ، إذ يؤكد  وزير النفط العراقي و نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ثامر عباس الغضبان،  الخبير النفطي الذي يمتلك خبرة رصينة في هذا المجال لأكثر من أربعين عاما، ان الوزارة تسير بخطوات علمية مدروسة لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمر بها البلد ، والنهوض بالتنمية الحقيقية لاقتصاده، والتخطيط لزيادة الايرادات المالية للشركات الوطنية .

إضافة إلى الطاقات الإنتاجية الكامنة في الحقول قيد التطوير ، الأمر الذى يشير إلى الطاقات الإنتاجية الإضافية المتوافرة للعراق.
وهناك الإنتاج من الحقول الشمالية ، وصادرات كل من الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان عبر ميناء جيهان في تركيا ، وهناك إمكانية لزيادات الصادرات في حال التواصل بعد الخلافات العديدة بين الطرفين ، حول مسئولية الإنتاج من حقل كركوك ، وهناك مسودة اتفاق بين وزير النفط السابق ورئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدى وحكومة الإقليم لإنتاج وتصدير الأخيرة 100 ألف برميل يوميا من كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها.
وهناك محادثات لزيادة الطاقة التصديرية لخط أنبوب الإقليم من 700 ألف برميل يوميا إلى مليون برميل ، وتم الاتفاق بين شركة نفط الشمال وشركة «بريتش بتروليوم» لتطوير الطاقة الإنتاجية لحقل كركوك من 750 ألف برميل يوميا ، هذه الطاقة التي انخفضت خلال السنوات الأخيرة إلى النصف تقريبا ، واعادتها إلى 750 ألف برميل ثانية ، بل رفعتها إلى مليون برميل يوميا.

ويؤكد خبراء نفط عراقيون ان حجم الثروات النفطية وحجم الاحتياطيات العراقية كبيرة ، ولا تتناسب مع حجم الصناعات النفطية ومستواها.
ان التحدي الرئيس للبلاد لا يكمن في زيادة معدل الإنتاج النفطي وحسب ، بقدر ما هو مواجهة تحديات عدة في قطاع النفط وبقية المرافق الاقتصادية العراقية (الموازنة العامة، والتعيينات الحكومية) ، ومن التحديات المهمة تحسين أداء دوائر الدولة وموظفيها ، حيث أن الأداء لايزال متخلفا ومعرقلا.
وتفشى الفساد الذى أصبح الهم الأكبر عند الرأي العام المحلى ، والذى تكلم عنه بعض السياسيين أنفسهم عبر وسائل الإعلام المحلية ، ان الفساد المستشري في العراق هو ليس فقط شيوعه في معظم أجهزة الدولة ، وبالذات القطاع النفطي ، بل حجم المبالغ التي تتم سرقتها من خلال مناقصات القطاع العام ، أو تهريب النفط الخام ، وبما أن قطاع النفط الخام هو أكبر وأهم قطاع اقتصادي ، فقد شاع الفساد فيه أكثر من غيره ، وبالذات من قبل الأطراف السياسية المتنفذة ، والبلد بحاجة الى حملة قوية لمكافحة الفساد من خلال محاكمة المسئولين عنه واستعادة بلايين الدولارات المسروقة .
وضرورة تنفيذ خطط البنى التحتية لقطاع النفط من خطوط أنابيب ومحطات ضخ وخزانات في الحقول الجنوبية ومرافئ التصدير لتحقيق الزيادة المبتغاة في الطاقة الإنتاجية والتصديرية ، الأمر الذى يعنى أن مسألة استمرار زيادة التصدير هي قضية وقت إلى حين استكمال تشييد البنى التحتية اللازمة.

و مسائل نفطية عالقة ذات أبعاد سياسية داخلية ، تتعلق بأهمية توجيه مخصصات أكبر للمحافظات عموما ، فلم تخصص الأموال اللازمة لها ، وصاحب ذلك سوء إدارة محلية وفدرالية ما فاقم الأمور ، وما المظاهرات المستمرة في البصرة منذ أوائل الصيف الماضي إلا دليل على فقدان الثقة بين أهالي المحافظات ، إن استمرار مظاهرات البصرة لفترة أطول سيشكل تدريجيا خطرا على الصناعة النفطية ، في حال استمرار إهمال مطالب المحافظات.
والخلافات السياسية مع إقليم كردستان (علاقة مصير الكرد بالدولة العراقية) والاقتصادية (نفطية ومالية) ، ترك هذا التحدي مفتوحا من دون حلول ، ما خلق فجوة في النظام النفطي ، الذي اصبح منفصلا تقريبا عن نظام ومؤسسات الدولة النفطية.

والخلافات الجديدة حول نظم وطريقة تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية ، الأمر الذى قد يؤدى إلى بروز خلافات عدة وعراقيل متعددة أمام هوية صناعة النفط العراقية في المستقبل القريب والبعيد ، إذ لا تزال هذه الخلافات حول الشركة الوطنية أمام القضاء.
لذا يجب وضع خطط لمعالجة الوضع ، والمضي بأية سياسة نفطية يجب أن ينطلق من مبدئية كون الموارد الطبيعية يجب أن تبقى تحت السيادة الوطنية الكاملة للدولة ولينعم المواطن العراقي بثروات بلده .

يجب ان تبقى إدارة الصناعة النفطية خاضعة للسلطة المركزية بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي ، أما كيفية توزيع الموارد النفطية فهو مسألة أخرى يمكن معالجتها حسب حاجة المحافظات العراقية إلى تلك الموارد لغرض بناء البنى التحتية والمضي بسياسة تنموية واضحة المعالم ، ومراعاة ما عانته كل محافظة من دمار أو إهمال وحرمان في العهود السابقة.
يجب اعتماد خطط متوازية لمعالجة مشاكل الصناعة النفطية ، وأن لا يكون الهدف الاستراتيجي هو تطوير طاقات الإنتاج والتصدير على حساب قطاع التحويل ، وتوفير المشتقات النفطية للمستهلكين في الداخل بالكمية والنوعية المطلوبة ، وإنما السير ببرامج متوازية وإعطاء قطاع التحويل الأهمية نفسها والمضي بالخطط بشكل متوازي.

أوبك تلتزم التخفيض 2019:
التزمت «أوبك» وحلفائها الخفض ، بالذات السعودية وروسيا ، لكن هناك في الوقت نفسه الكثير من التكهنات حول مدى الزيادة الممكنة للنفط الصخري ، ازداد انتاج النفط الصخري أخيراً ، على رغم ما أشار اليه كبار الصناعيين النفطيين الأميركيين ، عقبات محتملة قد تحد من زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط الصخري ، مثل عدم توفر بنية تحتية كافية من انابيب لنقل النفط من حوض «بيرمين» الضخم في ولايتي تكساس ونيو مكسيكو الى مرافئ التصدير ، الأمر الذي كان من المفروض ان يشكل صعوبة الحصول على انتاج متزايد وبسرعة في المستقبل المنظور لإمدادات إضافية من النفط الصخري في الاسواق العالمية ، وتشير إحصاءات «إدارة معلومات الطاقة» الأميركية انه يتوقع زيادة انتاج النفط الصخري نحو 135 ألف برميل يوميا ، كما تقدر الإدارة معدل انتاج النفط الأميركي خلال 2018 نحو 10.9 مليون برميل يوميا ليرتفع الى 12.06 مليون برميل يوميا في 2019.
تبنت منظمة «أوبك» وحلفائها قراراً بخفض الإنتاج 1.2 مليون برميل يوميا خلال النصف الأول من عام 2019 ، يتوقع ان يؤدي هذا الخفض الى تقليص التخمة نحو 100 ألف برميل يوميا بحلول شهر حزيران / يونيو المقبل ، لينخفض فائض المخزون النفطي الى 700 ألف برميل يوميا في بداية الفصل الثاني ، ومن ثم يستمر انخفاض التخمة الى مستوى معقول بنهاية عام 2019 ، من خلال توازن ميزان العرض والطلب في النصف الثاني من العام واستقرار الأسعار في حينه.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية