اليد اليُمنى لأردوغان.. رجل المهام الخاصة في تركيا

اليد اليُمنى لأردوغان.. رجل المهام الخاصة في تركيا

لا شك أن المتابع للشأن التركي يعرف أحد تلك الشخصيات المقربة من الرئيس أردوغان والذي بات معروفًا بكونه رفيق دربه ويده اليُمنى ورجل المهام التي تستدعي بذل المزيد من الجهد والتفاني في العمل إلى جانب الكثير من الوفاء والولاء، عُرف بطابعه الفكاهي ما أكسبه شعبية واسعة عند قواعد حزب “العدالة والتنمية”، كما أنه نشأ في حي قاسم باشا الذي نشأ به أردوغان، إنه بن علي يلدريم “كرديّ الأصل” الذي يُوصف بـ “الصديق الوفي” للرئيس التركي، والذي لعب في أكثر من محطة تاريخية دور الجسر الذي ساعد أردوغان في تجاوز تحديات صعبة وقَبِل بخوض غمار مهام متعددة في سبيل خدمة الحزب الحاكم وزعيمه.

تخصصه الدراسي
كان يلدرم يرغب بدراسة الهندسة الميكانيكية، غير أن امتلاء المقاعد بالكلية بجامعة إسطنبول التقنية جعله يقدم على التسجيل بكلية العلوم البحرية وبناء السفن بالجامعة نفسها، بناءً على نصيحة أحد المدرسين، وبعد أن تخرج في الكلية انتقل إلى السويد حيث واصل دراسته وحصل عام 1991 على درجة الدكتوراه التخصصية من جامعة الملاحة البحرية التابعة للمنظمة الدولية.

تدرجه الوظيفي
تدرج يلدريم في مناصب مختلفة بمجال صناعة السفن وإنشائها في تركيا منذ 1978، حيث عمل بالمديرية العامة لصناعة السفن، وفي تلك الفترة أعجب أردوغان بمشاريعه، وما لبث أن عينه مديرًا لشركة الحافلات البحرية التابعة لبلدية إسطنبول عندما فاز أردوغان برئاستها، ونفذ يلدريم أولى مشاريعه عندما تسلم إدارة الطرق البحرية لإسطنبول من 1994 إلى 2000، وحوّلها إلى واحدة من كبريات شركات النقل البحري في العالم، بينما كان أردوغان يتسلم رئاسة البلدية من 1994 إلى 1998.

تجربته السياسية
تنامت الصداقة المشتركة بين يلدريم وأردوغان حتى أعلن أردوغان تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001، وكان يلدريم أحد مؤسسي الحزب وواحدًا من المجموعة التي حافظت على وجودها وكيانها القوي داخل الحزب، فقد أشرف على العديد من مشاريع البنى التحتية والنقل البحري، التي أكسبت حكومة أردوغان شعبية، ومكنتها من الفوز بأول انتخابات لها عام 2002.

كان يلدريم هو خيار الرئيس التركي الأول لخلافته في رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء عقب وصوله لسدة الحكم في 2014، لكن مؤتمر الحزب اختار أحمد داود أوغلو، وبقي يلدريم في منصبه وزيرًا للنقل
وأصبح يلدريم نائبًا في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية ممثلًا إحدى دوائر إسطنبول، ثم انتخب نائبًا عن مسقط رأسه أرزينجان في الدورة 23، ثم انتخب نائبًا عن مدينة أزمير في الدورتين (24 و26)، وتولى وزارة النقل في جميع حكومات حزب العدالة والتنمية منذ 2010، باستثناء الفترة من 2013 إلى 2015، وافتتح خلال توليه الوزارة خط النقل البحري إسطنبول – يالوفا، وإسطنبول – باليك، وشجع النقل البحري الداخلي بتوفير 22 حافلة بحرية وجهز 22 ميناء و4 سفن بين شقي إسطنبول الآسيوي والأوروبي.

حكايته مع أزمير
اختار حزب العدالة والتنمية يلدريم للترشح عن ولاية أزمير في الانتخابات البرلمانية، التي كانت متأخرة في مجال البنى التحتية والمواصلات، وبالفعل تغير وجه المدينة بمشاريع اقترحها يلدريم، مثل القطار السريع وتطوير البنية التحتية، واستطاعت هذه المشاريع الصناعية والصحية والتعليمية التي أنجزتها أن تفتح مدينة أزمير لحزب العدالة والتنمية، بعدما كانت عصية عليه في الفترات السابقة، ولم يكن يتوقع أحد أن يفوز فيها بالانتخابات.

وفي مهمة صعبة، وافق يلدريم على رغبة أردوغان بترشيحه لمنصب رئيس بلدية أزمير في الانتخابات المحلية التي جرت عام 2013، وعلى الرغم من أن خسارته كانت أمرًا مسلمًا به كونها تعتبر قلعة حزب “الشعب الجمهوري” الأتاتوركي المعارض، إلا أنه قبِل المهمة من أجل رفع أصوات حزب “العدالة والتنمية” في هذه المدينة، وحلَّ في المرتبة الثانية بنسبة أصوات 36 في المائة، وهو ما اعتبر موقعًا جديدًا يدل على تفانيه وولائه لأردوغان على حساب طموحاته الشخصية.

الرجل التنفيذي
أنجز يلدريم في فترة توليه منصب وزارة النقل والملاحة البحرية كثيرًا من المشاريع الاستثمارية التي تقدر قيمتها بنحو 85 مليار دولار أميركي، وكان الإنجاز الأكبر له هو المخاطرة ودخول تحدٍ في استكمال “مشروع العصر” مترو مرمراي الذي يصل القارتين الآسيوية والأوروبية تحت الماء، إضافة إلى نفق أوراسيا للسيارات وجسر السلطان سليم الأول وجسر خليج إزميت الواصل بين إسطنبول وأزمير.

كما أنه أنجز في فترته الوزارية 24 ألفًا و280 كلم من الطرق الرابطة بين المحافظات التركية، ونفذ مشاريع القطار السريع، وخط قطار أنفاق مرمراي، وأتمَّ مشروع الطريق الساحلي على البحر الأسود، وفي عهده ارتفع عدد المطارات في تركيا من 26 إلى 55 مطارًا، وأعلن عن تشييد أكبر مطارات العالم في إسطنبول، وهو مطار إسطنبول الذي تم افتتاحه منذ عدة أسابيع.

مرحلة الولاء وتعزيز الثقة
كان يلدريم هو خيار الرئيس التركي الأول لخلافته في رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء عقب وصوله لسدة الحكم في 2014، لكن مؤتمر الحزب اختار أحمد داود أوغلو، وبقي يلدريم في منصبه وزيرًا للنقل، وكانت هذه المحطة فاصلة في إثبات يلدريم الولاء لأردوغان، فما كان من يلدريم إلا أنه لزم مقعده في المؤتمر العام المنعقد لإعلان اسم زعيم الحزب الجديد، وبعد انتهاء المؤتمر العام دعا يلدريم إلى مؤتمر صحفي في البرلمان، وكانت التوقعات كبيرة بإعلان موقف حاد من اختيار داود أوغلو وتقديم استقالته من الحزب، لكنه فاجأ الجميع بقوله: «إن الذين يأملون بإعلاني استقالتي وتركي للحزب الذي يشكل أهدافي ومبادئي، سيحزنون عندما يعلمون بأنني أتيت هنا لأؤكد أنني مخلص لدعوتي ومبادئي، أنا لست شخصًا يلهث وراء منصب، وأبارك لأخي داود أوغلو وأتمنى له التوفيق والنجاح في إكمال مسيرة التقدم التي بدأها حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002».

يرى أردوغان في يلدريم، المرشح الأفضل لخوض معركة انتخابات بلدية إسطنبول، كونه شخصية محبوبة ومقبولة في الشارع التركي، وقيادي نادر في صفوف الحزب، يمكن أن تجمع عليه القواعد الشعبية وتتوحد خلفه بقوة

رئيس حكومة الظل
كافأ أردوغان يلدريم بإبقائه مقربًا منه ورجلًا للمهمات الخاصة، فمنذ لحظة وصوله للقصر الجمهوري أعلن عن تعيين يلدريم مستشارًا خاصًا له، ويُقال إن يلدريم كان رئيسًا لـ “حكومة الظل” – كما أطلقت عليها الصحافة التركية – فقد كان العقلية التي تدير 13 مستشارًا يحكمون سياسة تركيا الداخلية والخارجية.

لم يُبدِ رئيس الوزراء التركي آنذاك أحمد داود أوغلو، حماسًا كافيًا لمساعي أردوغان بتحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي، وهو ما أدى إلى نشوب خلاف بينه وبين أردوغان واستقالته منتصف عام 2016 ليختار أردوغان يلدريم لهذه المهمة، الذي لم يتردد في قبولها والقيام بها على أكمل وجه، وبالفعل جرى انتخاب يلدريم رئيسًا لحزب العدالة والتنمية، ومن ثم اختياره رئيسًا للحكومة، التي كرست مهامها من أجل الإعداد للنظام الرئاسي والإعداد له في البرلمان وصولًا للاستفتاء الذي جرى أبريل عام 2017، ونجح أردوغان ويلدريم في تمريره، حيث أبدى يلدريم تفانيًا غير مسبوق في التنقل بين 81 ولاية تركية وتنظيم مهرجانات جماهيرية حاشدة للترويج له، وعقب نجاح الاستفتاء، استمر يلدريم في أداء هذه المهمة على أكمل وجه، ووقف إلى جانب أردوغان في الإعداد لتمرير «قوانين المواءمة» التي تمهد فعليًا لتطبيق النظام الرئاسي، وصولًا للإعلان عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة.

ومع بدء الحملة الترويجية لهذه الانتخابات، خاض يلدريم حملة غير مسبوقة متنقلًا في اليوم نفسه بين أكثر من ولاية، باحًا صوته في التأكيد على أهمية الانتقال للنظام الرئاسي. لم ينسَ أردوغان الدور الكبير الذي قام به يلدريم، فأتاح له إلقاء خطاب النصر أو كما يسميه الأتراك “خطاب الشرفة” قبل إلقاء كلمته، وقدم له الشكر على ما قام به، قبل أن يعرض عليه تولي منصب رئاسة البرلمان الذي يعتبر منصبًا فخريًا إلى حد كبير، وقبِل به على غرار ما فعل سابقًا.

مرشح بلدية إسطنبول
يخشى أردوغان من إمكانية خسارة بلدية إسطنبول في الانتخابات المقبلة التي توصف بـ “الأصعب” على الحزب الذي يعاني من الآثار المترتبة على الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تمر بها البلاد في الأشهر الأخيرة وما رافقها من انهيار في سعر العملة المحلية، فكل ذلك يمكن أن ينعكس على توجهات الناخبين بالسلب. فإسطنبول تعتبر أبرز محافظة في تركيا وإلى جانب أهميتها الحسابية بحيث تضم أكثر من 16 مليون نسمة أي قرابة خمس عدد سكان البلاد، فإنها تحمل أهمية معنوية وتاريخية وسياسية وتسود مقولة في السياسة التركية مفادها أن “من يفوز بإسطنبول يفوز في عموم تركيا”، و”من يحكم إسطنبول يحكم تركيا”. ولذلك، بالإضافة إلى أن كونه شخصية مقبولة لدى حزب “الحركة القومية” حليف حزب “العدالة والتنمية” في “تحالف الجمهور” والذي أعلن أنه سيدعم مرشحيه في الانتخابات المقبلة.

الجزيرة