ترامب “المكروه” في الإعلام الأميركي “محبوب” في روسيا

ترامب “المكروه” في الإعلام الأميركي “محبوب” في روسيا

مثلت مواقف الرئيس ترامب من روسيا نقطة جدلية منذ أن برزت للعلن علاقته “الملتبسة” مع الكرملين عقب توليه منصبه في البيت الأبيض قبل عامين، فقد رصد الإعلام الأميركي مواقف مهادنة لترامب مع روسيا على الرغم من حالة العداء القائمة بين البلدين منذ سنوات الحرب الباردة.

وقد ظهرت هذه اللغة المهادنة في أكثر من مناسبة ولكن أوضحها كان في قمة هلسنكي التي قال فيها ترامب إنه يصدق الرئيس الروسي عندما يقول إن بلاده لم تتدخل في الانتخابات الأميركية، وهو بذلك يخالف استنتاجات أجهزة الاستخبارات الأميركية التي أكدت جميعها على أن روسيا تدخلت بالفعل في الانتخابات الرئاسية دون أن تحدد مدى وتأثير ذلك على نزاهة العملية الانتخابية.

وأجمعت التعليقات وافتتاحيات الصحف الأميركية على خروج بوتين منتصرا من القمة وفشل ترامب في فرض أي شروط على الرئيس الروسي، بل على خلاف ذلك فإنه أسدى هدية سخية لبوتين عندما حلله من مسؤولية التدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016.

وانشغلت هذه الصحف بالتساؤل عن السبب الذي منع الرئيس دونالد ترامب من الدفاع عن أميركا واعتبرتها نيويورك تايمز مقاربة لا أخلاقية، وتذهب بعض التحليلات إلى أن السبب في هذه المواقف اللينة تجاه روسيا أن لدى بوتين ما يشين ترامب ويبتزه به.

ففرضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية والفوز المفاجئ الذي حققه رجل الأعمال عديم الخبرة السياسية على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون ظلا قصة مستمرة في الإعلام الأميركي الذي يتابع بشك كبير كل صغيرة وكبيرة من تصريحات ترامب، وتعززت نظرية تقول إن روسيا هي التي ساعدت الرجل في الوصول للبيت الأبيض وهو ما ينفيه ترامب.

وجاءت تحقيقات مولر بشأن التدخل الروسي وما توصلت إليه حتى الآن من إدانة لبعض المقربين لترامب -ومنهم رئيس حملته السابق مانفورت ومحاميه الخاص مايكل كوهين- لتصب في اتجاه تأكيد الدور الروسي وربما التواطؤ ضد الولايات المتحدة.

فقد أبرز الإعلام الأميركي تفاصيل كثيرة عن الدور الروسي المفترض في تعزيز فرص فوز ترامب بطرق عدة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلاقة ترامب والمقربين منه بروسيا التي رصدت في لقاءات عدة، أحدها في برج ترامب في نيويورك حضره ترامب الابن هدفه تشويه سمعة منافسة والده الذي طلب هو الآخر من الروس اختراق بريدها الإلكتروني.

ولا يعرف حتى الآن النتيجة التي سينتهي إليها تحقيق مولر، لكن المؤكد أن الشكوك بشأن علاقة ترامب بروسيا أصبحت تلامس الحقيقة لدى قطاع كبير من الأميركيين ووسائل الإعلام، وهو ما يعمق الخلاف والانقسام بين أنصاره ومعارضيه مما جعل البلاد تبدو أكثر انشطارا من أي وقت مضى بحسب كثير من المحللين.

حب روسي
أما في روسيا فإن النظرة مختلفة وربما يكون الرئيس ترامب هو الوحيد من بين أقرانه الأميركيين الذي يجد القبول وربما المديح في روسيا، حيث ينظر إلى مواقفه بإيجابية كبيرة، وعلى الرغم من أن موسكو لم تنجح في تقريب العلاقة مع واشنطن في عهده لكنها بالتأكيد ممتنة لمواقفه تجاهها.

وقد ظل الإعلام الروسي المحسوب في أغلبه على السلطة يمتدح ما سماها النجاحات الاقتصادية لترامب، فلا يمر يوم إلا وتجد مديحا إعلاميا لترامب، وهو ما يمثل ظاهرة جديرة بالتوقف عندها، فقد ألمح الكاتب دميتري بافيرين في صحيفة فزغلياد الروسية اليوم إلى تعاطي ترامب مع روسيا والرئيس بوتين شخصيا، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي يحسب تصريحاته ويزن كلماته جيدا تجاه روسيا وزعيمها.

وأضاف المقال أنه قبل عامين بالضبط من تولي دونالد ترامب منصبه رئيسا للولايات المتحدة كان كثيرون في روسيا يأملون في علاقات أفضل مع واشنطن على عكس ما كان خصومه داخل أميركا ينتظرون منه التشدد تجاه موسكو، وعلى الرغم من اتجاه العلاقات الروسية الأميركية لمزيد من التدهور في عهد ترامب فإن الكاتب يرى أن الرئيس الـ45 للولايات المتحدة ليس مكروها في روسيا.

ويضيف بافيرين في مقاله الذي نشرته “روسيا اليوم” أن جورج بوش الابن كان محتقرا بشكل علني، حيث يوصف براعي البقر الغبي، أما باراك أوباما فقد شوهت سمعته كثيرا في المقالات والرسوم الكاريكاتورية بالإعلام الروسي، وكذلك الحال مع الرؤساء الأميركيين.

أما عندما يتعلق الأمر بترامب فيرى الكاتب أن هناك عددا قليلا جدا من المنشورات والكاريكاتير عنه على الرغم من أن شخصيته تفتح الشهية لذلك كما هو واضح في وسائل الإعلام في وطنه.

ربما فقط -بحسب الكاتب- لأنه نادرا ما تخطى ترامب حد عدم الاحترام الصريح لروسيا ورئيسها بل على النقيض من ذلك حاول أن يكون لبقا قدر الإمكان وتجنب نبرة التعليم (في علاقته بالرئيس بوتين)، فعلى الرغم من أن ترامب يفسد بسهولة العلاقات الشخصية ليس فقط مع المعارضين إنما ومع حلفاء أميركا فإنه يتحدث عن روسيا وبوتين كما لو أنه يزن كل كلمة.

ويرى الكاتب المفارقة في أن الإعلام الروسي يشيد برئيس الولايات المتحدة للنجاح الاقتصادي أكثر من الإعلام الأميركي.

ويختم الكاتب بأن هذه اللباقة المتبادلة بين ترامب وروسيا (لكن ليس فريقه وروسيا أو روسيا والولايات المتحدة) النتيجة الإيجابية الوحيدة لرئاسة الملياردير، فعلى الرغم من أنه يسمح بإبقاء الباب مفتوحا لمزيد من الحوار معه سيكون من الصدق الافتراض -برأي الكاتب الروسي- أنه إذا لم يتمكن حتى ترامب -الذي انتقل إلى البيت الأبيض “لتجفيف مستنقع واشنطن” من دفع علاقات روسيا والولايات المتحدة نحو التحسن- فلن يتمكن أحد من ذلك لأن الحقبة غير مناسبة.

الجزيرة